يجتهد صديقي الضابط منذ يومين في البحث عن دراجة هوائية ملائمة يشتريها لولده من حجم 26. وقد سألته إن كان يرغب بشرائها من بعض محلات التصليح التي تتوفر على أنواع من الدراجات المستعملة لكنها بحال جيد وهي أفضل من تلك المشتراة حديثا وبأسعار عالية ؟لكنه أصر على شراء دراجة حديثة بإعتبار أنه يقطن حيا راقيا في بغداد وجميع الأولاد في الحي يملكون دراجات حديثة ولايليق به ولابإبنه المزعج شراء دراجة مستعملة كالتي إشتريتها أنا .. ولعلي أمتلك المبرر لشراء دراجة مستعملة لحسوني بإعتبار إنني أسكن في القرية وهي تجمع سكاني غالب من فيها فقراء ومن كان غنيا فهو لايبالي كثيرا بالكشخة من خلال الدراجة ، وربما فضل التباهي بالسيارة الحديثة والبيت ونوع الأثاث ،والدروب في القرية مقفرة ومتربة وموحشة وهي بحاجة للتعامل معها بوصفها مكانا للحرب لا للعب والتسلية ،ومع ذلك فالعذر حاضر في حالة صديقي الضابط لأنه يسكن حيا راقيا، وفرق كبير بين الحي والحية في الثقافة المجتمعية ..
إتفقنا أخيرا على مكان ملائم توجد فيه الدراجات النخبوية وبأسعار عالية لكنها تلبي توصيف الحي السكني ونوعية الناس الذين تطور أغلبهم ماديا لكنه مازال متراجعا في طريقة التفكير والتدبير والتخطيط والشعور الإنساني الذي يتردى نتيجة تصاعد حمى الرغبة في الكسب المشروع ،وغير المشروع وكذلك تجاهل الناس لقيم الدين والخلق والتوجيه التربوي والإرشاد الروحي هنالك عطب في موضع ما من بنية المجتمع الفكرية والروحية، ولاريب في إتساع المشكلة وتحولها الى ثقافة سائدة مثل الفساد ومروجيه حين أصبح سلوكا يوميا قد لايعاب عليه الفرد ولايساءل وإذا ماحوسب فسيجد إن المحاسب من صنفه، وقد سبق له أن مارس شكلا من الفساد بغياب الرقابة القيمية والأخلاقية.
يدعي البعض من المواطنين والصحفيين والمهتمين بشؤون الدراجات الهوائية على الفيس بوك.. إن مجلس النواب العراقي صوت على إقرار ميزانيته السنوية وضمنها مبالغ طائلة لشراء أغراض وحاجات عديدة من بينها الدراجات الهوائية .ولاريب إن مشكلة الدراجات ونقاشها الطويل كان جرى الحديث عنه من أشهر حين إتهمت نائبة نائبا بشراء دراجة هوائية بمبلغ طائل، ويبدو إن النائبة صوتت على الميزانية تلك وهي تعلم إن الدراجة تحولت الى دراجات ، وربما لكل النواب ليمارسوا هواية محببة ومعروفة من عقود زمنية متطاولة دون تجاهل إن المنطقة الخضراء فيها من الشوارع والحدائق مايصلح لإقامة العديد من مسابقات قيادة الدراجات ، ويمكن للنواب وللنائبات على السواء ممارسة تلك الهواية مثل حسوني وإبن صديقي الضابط . لكن الفرق بين الصور الثلاث، إن حسوني في الأولى سيلهو بدراجته المستعملة في دروب القرية ، بينما سيلهو إبن صديقي في الحي الراقي ، وسيلهو النواب في المنطقة الخضراء وعلى شوارعها التي تشهد لأمانة بغداد بحسن السيرة والسلوك.