مجموعة (يقودنا حمير) البريطانية
من أولى بهذه التسمية؟

علي الكاش

الشعار البريطاني (يقودنا حمير) عبارة وصفية شاعت بعد الحرب العالمية الأولى تعبيرا عن كراهية الشعب البريطاني للقادة العسكرين الذين دفعوا بالجنود الى اتون حرب شعواء دفع العالم ثمنها. فقد حمل الشعب البريطاني القادة العسكرين مسؤولية الفشل في حماية الجنود، فالجنود يقاتلوا في الجبهات الامامية ليتلقى القادة في القطعات الخلفية الأوسمة والأنواط عن شجاعتهم المزيفة.
قام أربعة من البريطانيين باستعارة وصف (يقودنا حمير) لوصف السياسة البريطانية الفاشلة في مجال الاقتصاد، والخسائر الهائلة التي تكبدها الشعب البريطاني الذي ساهم بدوره في خروج بريطانيا من الإتحاد الأوربي بعد الاستفتاء الذي جرى عام 2016. حيث تيقن الشعب البريطاني ان الخروج من الاتحاد الاوربي لم يكن خطئا بل خطيئة لا تغتفر، وأثبتت الأعوام التي تلت عام 2016 بأن من يقود بريطانيا من السياسيين هم حمير، بسبب التداعيات الاقتصادية والأزمات المتتالية.
ذكر (بين ستيوارت) أحد القادة الأربعة بأنه استغرق في الضحك ساخرا من تغريدات مناصري (بريكست)، بعد ان عرد رئيس وزراء بريطانيا (ديفيد كاميرون) عام 2016 في خضم المنافسة الانتخابية مع غريمه زعيم حزب العمال (ايد مسليند) بقوله” بريطانيا تواجه خيارا بسيطا ولا مفر منه: الاستقرار وحكومة قوية معي، أو الفوضى مع إد ميليباند”. تعبيرا عن الفوضى التي رافقت الأزمات الاقتصادية في بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوربي.
في مناقشة مع سياسي عربي مغترب، تحدثنا عن الأوضاع في العراق، فقلت له: السنا في العراق أحوج الى هذه التسمية من البريطانيين، فالعراق بعد عام 2003 عاش حرب أهلية، والنزاع الطائفي والقومي وصل الذروة، وهناك ما يقارب (7) مليون أمي ومتهرب عن الدراسة، والمناهج الدراسية تفوح منها رواح الطائفية المذهبية النتنة، وأزمة الكهرباء ما تزال مستمرة رغم انفاق ما يقارب (50) مليار دولار على تحسينها، والطريف ان عشرات الآلاف من الحرائق سببها التماس الكهربائي، مع ان الكهرباء مفقودة أصلا، علاوة على الشهادات المزورة من ايران ولبنان، بل ان وزير التعليم العالي (نعيم العبودي) من ميليشيا عصائب أهل الحق، ورئيس الادعاء العام (فائق زيدان) شهاداتهما مزورة من بيروت، علاوة على غالبية النواب والوزراء وكبار المسؤولين بعد عام 2003 شهاداتهم مزورة.
ما زال العراقيون يشربون مياه غير صالحة للشرب بلون القهوة، والتلوث البيئي ينافس فيه العراق الهند ومصر في الترتيب العالمي، وحالات السرطان سيما في جنوب العراق تتفاقم يوميا، والرشاوى أفضل وسيلة لتمشيه المعاملات في جميع الدوائر الحكومية، وصفقات الفساد شركة مساهمة رؤساء مجلس الإدارة هم رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس النواب، زعماء الكيانات السياسية، والمستشارون هم من الولايات المتحدة ودولة الفقيه.
المخدرات القادمة من ايران وسوريا برعاية حزب الله اللبناني وبشار الأسد تفتك بالشباب العراقي، حتى ان وزير الداخلية السابق (عثمان الغانم) صرح بأن (50%) من شباب العراق يتعاطون المخدرات، وللنساء نسبة منافسة للرجال بين المتعاطين، بل حتى في المدارس الابتدائية توجد تجارة مخدرات، وترعى الميليشيات الشيعية تجارة المخدرات لتمويل أعمالها الإرهابية.
والعراق بلد يفتقر الى السيادة، فعلى أرضة توجد قوات إيرانية من الحرس الثوري الإيراني، وقوات إيرانية من الحزب الديمقراطي الإيراني، وفي شمال العراق قوات تركية، وقطعات معارضة من حزب العمال التركي، علاو على قوات أمريكية في قواعد عديدة، وعناصر من المعارضة البحرانية والسعودية واليمنية.
يعاني العراق من جفاف عصف بأهوار العراق وجففها، وصارت بلد الرافدين بلد المستنقعين بسبب شحة المياه من الدول المنبع، فقد قطعت ايران الروافد المائية التي تصب في العراق، وقامت تركيا بتخفيض حصة العراق من مياه دجلة والفرات، وتزعم الأحزاب الشيعية في العراق (ايران والعراق جسد وروح واحدة) مع ان الروح حرمت الجسد من الماء فهزل جسمه، وهذا ما يذكرنا بحادثة تأريخية يتشدق بها شيعة العراق وهي (عطش الحسين) فتحول الى (عطش العراقيين).
يعيش العراقيون في ظلال أزمة الدولار الدائمة، التي عجز محافظ البنك المركزي العراقي (من حزب الدعوة)عن تخصيها بسبب عقمه، وتقف وزيره المالية طيف سامي عاقرا أمامها، والذي يتحمل ثمارها العفنة هو المواطن العراقي، فجميع احتياجاته المعيشية تقييم بالدولار الأمريكي، وهو مثل محرار الحرارة صعودا وهبوطا يرفض الاستقرار.
يضاف الى ذلك ان بغداد تعتبر أوسخ عاصمة في العالم، ولا يصلح العيش فيها، وهي تنافس لبنان بتراكم القمامة في المستويات العالمية، علاوة على ضعف الجواز العراقي، والفشل الذريع في السياسة الخارجية، والفقر المدقع لا سيما في جنوب العراق ذو الأغلبية الشيعية، والأوبئة والامراض التي أنعشتها الأحزاب الشيعية الحاكمة كالكوليرا والملاريا والسل الرئوي والبلهارسيا وغيرها.
كذلك تفشي حالات العنف الأسري، وملايين الأرامل والايتام، وتفشي حالات شاذة في المجتمع العراقي كالمثلية وزواج القاصرات وحالات زنا المحارم وغيرها من المشاكل الاجتماعية. وامتلاء السجون العراقية بالأبرياء بسبب وشايات المخبر السري لعنه الله دنيا وآخرة، علاوة على انتشار السجون السرية الخاصة بالميليشيات الاجرامية التي يزيد عددها عن سبعين ميليشيا لا تخضع للقائد العام للقوات المسلحة، غالبيتها ترتهن بتوجيهات الولي الفقيه في طهران. إضافة الى التغيير الديمغرافي في مناطق أهل السنة، وتجريف البساتين ومصادرة الممتلكات الخاصة، وبناء مستوطنات ميليشياوية. وتهجير المسيحيين واهل السنة والاستيلاء على ممتلكاتهم، علاوة على الملايين من المهجرين داخل العراق وخارجه. وتدجل الولي الفقيه واتباعه في الشأن العراقي الداخلي على كافة الصعد.
يضاف الى ذلك تهريب النفط العراقي من قبل الميليشيات الولائية عبر المنافذ البرية والبحرية، وسيطرة الميليشيات على المنافذ البرية والبحرية والجوية والتفرد بالاستيلاء على واردات الضرائب، وسيطرة المرجعيات الدينية على القرار السياسي أسوة بولاية الفقيه. وفي العراق ثلاثة جيوش: جيش حكومي بأمرة القائد العام للقوات المسلحة، وجيش البيشمركة بإمرة عائلة البرزاني، وجيش الحشد الشعبي بإمرة الولي الفقيه في ايران، كل منهما يعمل بمعزل عن الآخر.
لذا أقول: ألسنا أولى بأن تنال حكومتنا القاصرة هذه التسمية بدلا من بريطانيا؟
قال محدثي: أحسنت الوصف وكما تفضلت فان العراق يعيش في أزمات متتالية، وغالبا ما تتجدد او تستحدث أخرى للتغطية على السابقة، ولكني لا أتفق معك حول التسمية (يقودنا حمير) لسبب وجيه، وهو ان بريطانيا لا تعاني من المشاكل التي تحدثت عنها في العراق، فلا توجد أزمات ماء وكهرباء وتلوث وامراض سرطانية ورشاوي وتزوير وتجارة مخدرات بشكل واسع، ولا فساد مالي واداري وصفقات فساد، أو أزمة دولار وأزمة قمامة، وضعف جواز سفر وفشل وسوء في مجال الخدمات الصحية وشحة الأدوية. فإذا كانت كل هذه الأمور جيدة ومتوفرة ولا توجد مشاكل مماثلة كالتي في العراق، مع هذا يقود بريطانيا حمير، كما وصفت، فما بالك بمن يقود العراق اليوم؟
قلت: يا عزيزي، أنت محق في كلامك، لقد وضعتني في موقف حرج جدا لا أحسد عليه، فعلا ان كانت بريطانيا العظمى كما توصف (يقودها حمير)، فأي وصف يمكن ان نطلقه على بلد ضعيف كالعراق، وصف يتوافق مع معطيات ظرفه الحالي وأزماته؟
ـ ابحث عن وصف آخر، وربما ستعثر عليه، فأنت أعرف مني بزعماء بلدك.
يا حبذا يساعدني القراء والكتاب الافاضل في حلٌ هذه المعضلة، أعني الوصف.

علي الكاش