الحفاظ على حياة السجين حق له، وواجب على الدولة تكفله الشرائع السماوية والقوانين الدولية والقيم الإنسانية، حماية السجين فرض عين على دولته، وليست نافلة، هو في عهدتها مهما كانت جريمته، تحسن معاملته وتهيئ له مستلزمات العيش الضرورية بكرامة، وتسأل عنه إذا قصرت أمام الله والقانون، مدة السجن بمثابة فدية يدفعها من عمره وحياته، تكفر عنه ما ارتكب من إثم، ومن المرجح عقلا والله أعلم السجين لا يسأل بعد قضاء مدة محكوميته يوم الحساب عن جرم طالما أخذ منه الحق في الدنيا، وعلى الدولة دفع دية السجين لو قتل أو أصابه ضرر وعوق ولو كان عن غير قصد، سواء من السجناء أو الحراس المسؤولين، فهو فرد يرجى صلاحه ويأمل نفعه للمجتمع بعد خروجه، وقتله أو التسبب له بالضرر داخل السجن اعتداء على الحق العام.
في هذه المقالة لن نتكلم عن التعذيب والاغتصاب والإذلال والإهانة وسوء المعاملة والظروف القاسية غير الإنسانية، وقد سمعنا وشهدنا على مدى سنوات مرت ومضت، وحقب شابها الاختلال، وجرى فيها تناوب على السلطة بالعنف والغلبة، وخضعت البلاد لصراعات سياسية وأحكام جائرة وحكايات مأساوية فردية وجماعية والأمثلة والشواهد كثيرة وإن بدا كثير منها خياليا وكيديا أيضا، لكن ما شهده العراق خلال عشر سنوات، زمن الاحتلال والحكومات التي تعاقبت حتى يومنا، لم تشهده سجون العالم بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، اللهم إلا في سوريا وإيران على ما يروى ويوصف ويتداول بين منظمات حقوق الإنسان.
لقد سبق لي أن نشرت مقالات موثقة عن مناشدات المحامي بديع عارف وهو محامي عراقي غني عن التعريف إلى رئيس وزراء العراق بشأن تفجيرات حكمت فيها مجموعة بالإعدام ونفذ الحكم ظلما، ثم ظهرت مجموعة ثانية لا علاقة لها بالأولى، وحكم عليها بالإعدام أيضا عن ذات الجريمة، ثم ظهرت مجموعة ثالثة اعترفت بارتكاب الجريمة نفسها وبراءة من سبق، ولولا مناشدات المحامي والتسجيلات التي قدمها المحامي لتم إعدام المجموعات الثلاث لأنهم عرب سنة يصدق فيهم قول المخبر السري، ويشملهم قانون الاجتثاث! وهكذا من يعدم لا يدري لماذا أعدم؟ والمحكوم لا يعرف لماذا حكم؟ ويبقى المعتقل سنوات بلا تحقيق ولا محاكمة يعذب ويذل وتنتهك إنسانيته ولا يدري لماذا، والاحتجاجات والاعتصامات التي شهدتها ست محافظات واستمرت سنة وأكثر لهذا السبب.
أما الأسوأ من كل ذلك حوادث مهاجمة السجون واقتحامها أو تمرد السجناء أو قتلهم أو هروبهم الجماعي، التي تكررت بأكثر من سجن مركزي وفرعي، محصن وغير محصن، في بغداد العاصمة وغيرها، بلغ عدد المعلن منها نحو عشرة حوادث خلال السنة المنصرمة، وفي كل مرة يقتحم السجن ويقتل حراس وشرطة ومساجين ومعتقلين ويهرب عدد كبير منهم، وتتضارب الروايات، بين إدارة السجن ووزارة الداخلية والإعلام وتحقيقات مجلس النواب، ورؤية الحكومة والسياسيين، فتضيع الحقيقة والحقوق في خضم هذا التضارب، وحتى اليوم لم نشهد قضية هروب جماعي واحدة عرضت على القضاء وبت فيها وأعلنت للشعب، فما السر ومن يقوم بهذه المحاولات؟
فمن يا ترى له مصلحة بمهاجمة السجون؟ مليشيات إرهابية تدعي التشيع وتحظى بدعم الدولة ولها حظوة لدى إيران والحرس الثوري كبدر وعصائب الحق وعشرات أخرى تنتقم من المعارضين تعدمهم بالقتل وتصفيهم انتقاما وثأرا، وتطلق سراح معتقلين من أنصارها وتهربهم إلى إيران ولا من يسأل! ومليشيات مطاردة تدعي أنها سنية كالقاعدة وداعش؟ تطلق سراح أعضاء معتقلين ومحكومين لديها، وسجناء يئسوا من الحياة لسوء الأوضاع وشدة التعذيب، يتمردون في هرج ومرج يقتل من يقتل ويهرب من يهرب، وسياسيون مسؤولون ينتقمون من بعضهم كيدا، ومؤامرات لإطلاق مجرمين خطرين لإدامة التفجيرات وعدم الاستقرار وكلها سواء بسواء، ولكل حزب تأويله، والصدق عند الدولة، ولا تريد البوح به! وما أكثر الإشاعات والتأويلات! والنتيجة هروب مجرمين خطرين، وتصفيات جسدية ما أنزل الله بها من سلطان، حتى أهالي العسكريين المفقودين يهددون باقتحام السجون وإعدام المساجين فهم الحلقة الأضعف، وليتخيل من يتخيل هول الكارثة! في الأسبوع الماضي بمحافظة ديالى تكررت الظاهرة للمرة الثالثة، ففي سجن الخالص قتل خمسون سجينا وعشرون شرطيا وهرب ثمانون سجينا خطرا، وقبلها بسجن أبوغريب ضحايا أكثر وخطط جهنمية، وفي الحلة قتل 69 سجينا، وفي كركوك، فمن المسؤول؟ وما هي الفتوى؟ وأين العدالة والعالم ومنظمات حقوق الإنسان التي لم تعد تملك غير الإعلان في نشرات الأخبار؟ وإلى متى يستمر الحال على ما هو عليه؟ وقبل الاختتام نعنلها على المكشوف، الضحايا والمعتقلون والمسجونون 95 % منهم عرب سنة، واللبيب من الإشارة يفهم، وإلى الله المشتكى وهو حسبنا ونعم الوكيل.