قبل أيام حضرنا دعوة زفاف وجلسنا مع مجموعة أساتذة جامعيين على مائدة واحدة متقابلين، وبعضهم متخصص بالدراسات الإسلامية، وفيهم من زار العراق وعاد للتو، فسألناه عن موجة العنف والتفجيرات، ولاسيما في المساجد والحسينيات، وتلك المتبادلة بين المناطق السنية والشيعية على السواء، فأجاب الأسباب كثيرة وعامة الشيعة والسنة منها براء، والمسؤولية بعاتق الحكام والمراجع، هم يعرفون السر ويتغافلون، يغرسون الشقاق ويشجعون الفتنة ويستغلونها في تصفيات جسدية وتغيير ديموغرافي. وأضاف حينما يحدث تفجير في منطقة شيعية أو حسينية تأتي قوى الأمن وتفعل فعلها، منع التجوال وتطويق المنطقة ودهم للمنازل وإرهاب الناس باعتقال المئات وتعذيبهم بقسوة ومحاكمة من يشاءون والحكم عليهم بأحكام جائرة إعدام ومؤبد وأشغال شاقة، وإذا فجر مسجد سني أو منطقة سنية لا سؤال ولا جواب ولو عرف الجاني. ناهيك عن أكثر من مئة مسجد وجامع سني اغتصبتها المليشيات وحولتها إلى حسينيات ومآتم تحت أنظار المرجعية وعلم الحكومة والمسؤولين في الوقفين الشيعي والسني. وصمتنا كأن على رؤوسنا الطير عجبا!.

من يصدق أن العراق جمجمة العرب، بلد التنوع العرقي والمذهبي، ومدارس الفقهية واللغة والفكر، دار الفتوى والاجتهاد والحكمة، مستودع الحضارات، ومتحف التاريخ الإنساني وعجائب الدنيا، حيث تتفاعل الحقائق بالخيال، والأساطير بالوقائع، من تموز وعشتار إلى رحلات السندباد، ومن حكاية شهرزاد والأربعين حرامي إلى مصباح علاء الدين، العراق مثال التآخي والتآلف والتحاب على اختلاف الموارد والمشارب يتحول إلى موطن للإرهاب، ووكر للاغتيالات والتفجيرات، وتنقلب بغداد عاصمة الرشيد وعصره الذهبي من دار للسلام إلى دار للفتنة والخصام! وأين دعوات القيادة السياسية في خطبهم على القنوات الفضائية إلى التصالح والوفاق؟ وأين فتاوى المرجعيات بتحريم الدماء والتعاون على البر والتقوى إذا كان الأمر بهذا الوضوح وهذه الخطورة؟.

وهل من مسلم لا يدرك مدى قدسية دور العبادة وحرمتها بغض النظر عن كونها مساجد وجوامع أو كنائس وأديرة؟ كلها بيوت الله، ومن منا لم يقرأ قوله تعالى *وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ* 114البقرة، وهذه حال العراق اليوم، فهل غاب عن المرجعية والحكومة والبرلمان أن المسلم يذود عن حمى المساجد أكثر مما يذود عن حمى بيته الخاص، وأن المذاهب الإسلامية جميعا تحرص على سلامة دور العبادة واحترامها وتحرم اغتصابها، والمذهب الجعفري الذي عليه أغلبية الشيعة يحرم الصلاة في ارض مغتصبة، وأكل ثمر بستان مغتصب، وسكنى دار مغتصبة. فما الفائدة إذا كان الإخوة الشيعة لا يلتزمون ويفتكون بمساجد وجوامع السنة، ويؤدون فيها طقوسهم.

وتوثقت من المصادر فوجدت الحكومة قد أصدرت قانون 19 عام 2005 بجواز نقل ممتلكات الوقف السني إلى الوقف الشيعي، فهي متورطة في الفتنة، وهناك كتب ومذكرات من جهات رسمية ولأعضاء في مجلس النواب ومناشدات هيئة علماء المسلمين والأنبار للحكومة والمرجعيات والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وكلها ذهبت أدراج الرياح، ولدي أسماء موثقة باغتصاب ثلاثين جامعا، وعشرين مسجدا وعشرة مراقد لمن يشاء، وآخرها في رمضان استولى الوقف الشيعي جهارا نهارا على جامع الفردوس بحي أور، ومسجد فرج الصالح بالكرادة، ومسجد عاتكة الكيلاني بالجادرية، وجامع السبطين بحي العامل. وهناك عشرات المساجد مقفلة تمهيدا لاغتصابها.

ونذكر أن مرجعية السيد السيستاني والسيد الصدر أصدرتا فتاوى قبل 2005 بعدم جواز الاستيلاء على المساجد السنية والصلاة فيها، وأعادا بعض المساجد لأهلها، وبعدها صار يقال هذه الجوامع والمساجد أوكار إرهابية للوهابية يجوز اغتصابها، ولرئيس الوزراء دعوة مبطنة بتوحيد الصلاة في كل المساجد والجوامع وذلك بقصد الاستيلاء عليها جميعا كما حصل في إيران فلا تجد بطهران اليوم جامعا واحدا للسنة.
ونتساءل هل الحكومة عاجزة عن بناء مساجد للشيعة؟ وسد ذرائع الفتنة والاقتتال، أم هي ذريعة للتهجير والتغيير الديموغرافي بالقوة وفق المنهج الصفوي. لست من دعاة الفتنة وإنها دعوة ودية للإخوة الشيعة بتدارك الأمر، وأنا واثق مما أقول وليتقدم من يستطيع النفي، وكم تمنيت أن أكون مخطئا، فالأمر خطير وينذر بمذابح وليس بتفجيرات، هذه فتنة منكرة، ولا أدري كيف سكتت الحكومة؟ وكيف ارتضتها المراجع؟ وبأي فقه يحل ما حرم الله؟ وكيف نتصور توقف العنف وهذا واقع الحال؟ وأي تصالح ووئام يزعمون انهم يدعون إليه، وإذا كان أولو الأمر لا يستحون ولا يخجلون، أبهذا السلوك ندحر القاعدة والمتطرفين ومن يحتضنهم؟ وهل لأحد الادعاء ألا قهر ولا تمييز ولا عدوان في العراق؟ وليت مرجعية الشيعة في البحرين التي تدعي المظلومية تنتصر لمظلومية سنة العراق وتتوسط لإعادة الحق المغتصب لأهله.