لقد اثارت زيارة السيد النجيفي “سنة العراق”  لقطر ردود افعال رسمية وشعبية كبيرة مطالبة اياه بصفته الرسمية بتفسيرات حول زيارته تلك، خصوصا وان لقطر ادوارا قذرة جدا لما يحصل اليوم في العديد من البلدان التي تحوّل ربيعها بفضل الاسلام السياسي واموال هذه المشيخة وفتاوى العهر الوهّابي، الى شتاء قارس يهدد السلم الاهلي فيها ويدفع البلدان الى خطر حروب داخلية قد تؤدي في بعضها الى التقسيم. ولان النجيفي لم يزر هذه المشيخة بصفته الشخصية وهذا ما اثبتته مباحثاته مع المسؤولين فيها على اعلى المستويات اضافة الى استقباله من ولي عهدها رسميا وموقفها العدائي من العراق واستقراره وتدخلها المستمر في شؤونه ، فان النجيفي مطالب بتفسيرات لهذه الزيارة بصفته يمثل رأس السلطة التشريعية في البلد، خصوصا وانه تجاوز على السلطة التنفيذية في البلاد بتوجيه اصابع الاتهام اليها بأمور كان من الممكن طرحها تحت قبة البرلمان الذي يترأسه شخصيا، او في مجلس الوزراء الذي تحتل فيه قائمته الانتخابية عددا لابأس به من الحقائب الوزارية، او من خلال الاعلام المحلي وفضائياته العديدة – المحسوبة على طوائفها – التي لم تبخل يوما وخصوصا غير الحكومية منها على اجراء حوارات معه او مع غيره من المتنفذين في السلطة. وتطرق النجيفي في لقائه مع تلفزيون الجزيرة على السلبيات العديدة التي تمر بها العملية السياسية وكأنه ليس جزءا منها منذ ان وافق على تبوء مركزه باعتباره سنيا وليس لامر آخر. معمقا بذلك نهجا طائفيا بدأ اليوم يتذمر منه، معتبرا النهج هذا دكتاتوريا مطالبا بتغيير شكل هيكلية الحكم بشكل لا يخرج عما هو عليه اليوم اي العودة الى التفاهم الوطني حسب قوله وهذا يعني اعادة انتاج نفس المشكلة بلغة جديدة. والعودة للدستور الذي سيعيد بدوره نتيجة الاختلاف في تفسير مواده والتجاوز المستمر عليه العملية السياسية برمتها الى المربع رقم واحد. ان زيارة النجيفي هذه لقطر وفي ظل الظروف المعقدة التي يمر بها البلد اليوم والذي اصبح نتيجة نظام المحاصصة الطائفية القومية التي اكتشف النجيفي اليوم مساوئها على شفير حرب اهلية قد تنهي العراق كدولة، لا تحمل للعراق وشعبه خيرا. كما وان السيد علاوي مثلا وغيره من قائمته المحسوبين على “سنة العراق” هم الاخرون كانوا ولازالوا كالسيد النجيفي يزورون عواصم عربية على عداء واضح مع العراق ويعملون على افشال تجربته “الديموقراطية” – رغم مساوئها الكثر- كالرياض وانقرة، بالتحريض على العملية السياسية والاستقواء بهم “طائفيا” على بقية ابناء “شعبهم” مطالبين اياهم بالتدخل في الشأن الداخلي لحماية سنة العراق من “التهميش” الذي يتعرضون له متهمين الحكومة بالطائفية، والطائفية هنا كلمة حق يراد بها باطل كونهم جزء برّاق من النسيج الطائفي الذي فصّله الامريكان على قياسهم و”سياسيو” العراق الاخرين.

 

 

ان النجيفي وزملائه من القائمة العراقية ليسوا “السياسيين” الوحيدين الذين يغردون خارج السرب العراقي ويزورون بلدانا لا تضمر للعراق الا الشر، وليسوا “السياسيين” الوحيدين الذي يصرحون ضد عملية سياسية هم جزء منها وبدأوها مع الاخرين منذ الخطوة الاولى على الرغم من معرفتهم بمساوئها وما ستجلبه من كوارث على “شعبهم”. فها هم ” سياسيو”التحالف الوطني يزورون طهران في فترات متقاربة مجتمعين الى رجال دين لهم تأثير كبير على سياسة بلدهم – وبلدنا- اضافة الى مسؤولين رسميين من الحكومة الايرانية وغير رسميين كقيادات فيلق القدس وغيرها من الاجهزة الامنية التي تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في الشأن العراقي، دون ان يفسروا لشعبنا ونوابه “المنتخبين” سبب زياراتهم تلك ولا ما دار فيها، بل وصل الامر بهم وبعد المخاض العسير لتشكيل حكومة السيد المالكي الاخيرة – غير المكتملة لليوم على خلاف الدستور- ولحسم منصب رئيس الوزراء، الى نقل مباحثاتهم بكامل طاقمهم الاساسي وعلى رأسهم السادة المالكي والصدر والحكيم واركان قوائمهم الانتخابية الى طهران التي رشحت السيد المالكي للمنصب من اجل وحدة الصف الشيعي وهيمنته على مقاليد الحكم، وهذا هو ما يهم ايران تحديدا كما انقرة والرياض والدوحة اللواتي يتدخلن بشكل سافر بالشأن العراقي حماية لطائفة اخرى “سنة” العراق، وهنا لا نعرف اين هي المواطنة عند “ساسة” الطائفتين في رهانهم المشبوه على العواصم المعنية. ان زيارات “الساسة” الشيعة الى طهران حالها حال زيارات السنة الى العواصم العربية لا تحمل هي الاخرى للعراق وشعبه الخير.

 

هذا من الناحية الطائفية عند عرب العراق، فماذا عن كورده وزيارات مسؤوليهم وعلى رأسهم السيد مسعود البارزاني لمختلف دول العالم وتوقيعهم  لبروتوكولات عديدة واجرائهم مباحثات هي الاخرى كزملائهم من الطائفتين لا نعرف عنها كشعب والبرلمان الاتحادي شيئا؟ ان النظام الفدرالي يقول بضرورة مناقشة الحكومتين للعديد من الامور ومنها الزيارات الخارجية وضرورة تناول نتائجها وما جرى خلالها في اجتماعات مجلس الوزراء، علاوة على ان تكون هذه الزيارات كما زيارات النجيفي وعلاوي والمالكي وغيرهم من “المسؤولين العراقيين” بعلم الحكومة الاتحادية ممثلة بوزارة الخارجية العراقية على الاقل من الناحية البروتوكولية. وبالتالي فان زيارات السيد البارزاني هي الاخرى كما سابقاتها “للمسؤولين الاخرين” لا تحمل بين جنباتها خيرا للعراق وشعبه.

 

اننا في هذه اللحظات الحرجة من تاريخ العراق ومستقبله الذي يقف اليوم على فوهة بركان قد ينفجر في اية لحظة لرعونة اي طرف من الاطراف المتنفذة  ، بحاجة الى اعلى قدر من ضبط النفس لتجاوز الحالة الراهنة بسلام، على ان يعي “الساسة” مرارة التجربة التي خضناها لعشر سنوات واخفاقاتها التي تراكمت نتيجة اهمالها او تركها لمستقبل غير منظور، وضرورة مشاركة جميع القوى الخيرة في البلد اياهم في البحث عن الطرق الآمنة للخروج من حقل الالغام الذي حشرنا فيه. ان الاصرار على حل المشاكل عن طريق نفس القوى المهيمنة على السلطة في البلاد لن تفضي – دون مشاركة القوى المؤمنة بالعملية السياسية – الا الى اخفاقات جديدة وتتجه بالشعب والبلد الى منزلقات خطرة جدا سيدفع ثمنها في النهاية شعبنا انهارا من الدماء.

 

فتأبطوا ايها السادة لعراقكم خيرا ولا تكونوا كتأبط شرّا الشاعر الذي جاء وتحت ابطه جراب مليء بالافاعي، وليكن جرابكم مليء بالحلول والخطط لبناء وطنا معافى من اردان الطائفية ليسير بارادة الطيبين الى حيث رفاهية شعبه وتقدمه، ولتكن مرجعيتكم بغداد وشعبكم الذي منحكم الثقة “بأنتخابه” اياكم.