كم يبلغ عدد زوار مدينة كربلاء في يوم عاشوراء أو يوم الأربعين؟
بالعودة الى الإنترنت وجدتُ تبايناً كبيراً في تقديرات هذا العدد كما ترد في تصريحات المسؤولين في محافظة كربلاء ووزارة الداخلية، فثمة من قدّر العدد بأربعة ملايين في أحد الأعوام فيما رفعه أحدهم الى 18 مليوناً في عام آخر.
القائل بان العدد وصل الى 18 مليوناً خلال زيارة الأربعين في العام الماضي (2012) هو محافظ كربلاء السابق. من المستحيل أن يكون الرقم صحيحاً، وأغلب الظن ان المحافظ السابق تعمّد المبالغة سعياً وراء الحصول على تخصيصات أكبر لمحافظته.
لماذا استحالة ان يكون هذا الرقم صحيحاً؟
18 مليوناً يعني نحو 60 بالمئة من عدد سكان العراق المقيمين فيه ( بضعة ملايين يعيشون في الخارج)، ومن الواضح ان المدن والأرياف العراقية الشيعية لم تخلُ تماماً من سكانها في أي زيارة من الزيارات لكي يبدو معقولاً الرقم 18 مليوناً. وعدا عن هذا فان 18 مليون نسمة ليس في وسع حتى ساحات العاصمة بغداد وشوارعها بأجمعها أن تستوعبهم.
لا شك في ان كلاً من زيارتي عاشوراء والأربعين هما أكبر تجمعين بشريين سنويين في العالم. وحتى لو وضعنا العقل جانباً وصدقنا بالتصريحات المبالغ فيها، فان هذا لا يبرر أن تتحول المناسبتان القدسيتان الى سبب في الإضرار بمصالح آخرين حتى لو كان عديدهم بالمئات، فهذا مما يتناقض تماماً مع قضية الحسين وثورته من أجل إقامة العدل وتحقيق رفاه الإنسان.
في كل موسم زيارة تتخلف الدولة عن أداء واجبها في تنظيم الزيارة بما يتيح إنجازها وممارسة شعائرها بيسر وانسيابية وأمان، من دون إلحاق ضرر بأي فرد. الأجهزة الأمنية عودتنا على اللجوء الى أسهل الحلول في مختلف المناسبات، ومنها هاتان المناسبتان، فتعمد الى قطع الطرق من دون توفير طرق بديلة.
في أيام الزيارات يواجه كثير من الناس في العديد من المدن مشاق في الوصول الى دوائرهم ومحال عملهم على مدى عدة أيام كما هو حاصل هذه الأيام، وهو ما يمكن تفاديه بوضع خطط توازن بين أمن الزائرين ومصالح غيرهم في الوقت نفسه. فليس من الصحيح إغلاق طرق رئيسة داخل المدن وخارجها والتسبب في إغلاق محال عمل وتعطيل مصالح أصحابها وقطع أرزاقهم، فهذا مما لا يُرضي الحسين ولا يمت بصلة الى قضيته العادلة الخالدة.
أعرف ان هذا الكلام لن يرضي البعض الذي سيرفع عقيرته بالاحتجاج والاستنكار وتأويل الغرض والمقصد. وفي الواقع فإنني لست مهتماً بهم، فهم في الغالب أصحاب “بيزنس” ممن يتاجرون بالدين وشعائره ويجدون في المناسبتين القدسيتين وسواهما مواسم للتربح .. هذا الكلام موجه الى المؤسسات والهيئات الدينية المعتبرة التي تراعي مصالح العراقيين جميعاً بغض النظر عن دينهم ومذهبهم وطائفتهم، والى أجهزة الدولة الأمنية التي يتعين أن تتصرف بوصفها أجهزة وطنية تقيم الاعتبار لكل فرد من أفراد المجتمع وتعمل على توفير الأمن له ورعاية مصالحه.