كيف تكون مفيداً لمجتمعك . .؟

د. نبيل أحمد الأمير

لعل العمل في خدمة المجتمعات وبنائها من أهم ما على الفرد والأسرة والمنظمات والشركات والحكومات العمل به ، فالمجتمعات أينما وجدت في القرى والمدن هي لبنات لبناء الحضارة . فالمجتمعات الصحية التي ينعم الناس فيها بالرفاه والدعم الصحي والتعليمي ويجدون فرصة لاستثمار قدراتهم وتنمية مواهبهم هي مجتمعات تدفع بالحضارة والبشرية إلى الأمام .
ولقد أثبت النظام الرأسمالي المبني على حرية التعاقد والتبادل بين الناس دون تدخل للحكومة بما لا يزيد عن وضع القوانين لسلامة النظام وضبط الحقوق ومنع إستغلال قدرته على تأمين حياة أفضل للناس وأكثر رفاهة وصحة ، إلا أن الأيدي الخفية في النظام الرأسمالي لا تبني مجتمعاً صحياً ، فعلى الناس في مؤسسات الحكومة وفي منظمات المجتمع المدني والأعمال أن يكونوا واعين لأثر أعمالهم على سلامة المجتمع .

يتكون المجتمع بداية من الأسرة وهي النواة الأساسية لبنائه ، كونها عبارة عن تجمع عدد من الأفراد في مساحة واحدة يتعايشون فيها مع بعضهم البعض ويتعاونون على ما قد يطرأ من صعاب العيش ، ولكل منهم دور معين يقوم به بالإضافة لمساعدته للآخرين بأدوارهم فهم مجموعة واحدة يهتمون لشان بعضهم البعض ويحبون بعضهم البعض ويعملون على انجاح هذه الأسرة للحصول على حياة جميلة وسعيدة وجيدة للوصول لمجتمع جميل وسعيد وجيد .

تبدأ صفات الشخص الاجتماعية بالتبلور من الأسرة وكيف تمت تربيته وتنشئته وكيف عرف قيمة التفاعل مع الآخرين بالمجتمع ، فهو يخرج من هذه النواة الصغيرة إلى مجتمع أكبر فيه أشخاص كُثُر يضطر للتعامل معهم بطبيعته ، ويجب عليه معرفة آليات التفاعل معهم ، وكيف عليه أن لا يكون مستقبلاً فقط لما يحدث ، بل عليه معرفة أنه جزء من هذا النسيج ويجب عليه العمل على بقائه واستمراريته وازدهاره ، وهذا الأمر يبدأ من شعور كل شخص بالمسؤولية اتجاه هذا المجتمع والإنتماء له والإنتماء للجنس البشري بشكل عام ، فمن الممكن أن يعمل كل شخص من موقعه ومكانه لكي يكون فعالا في مجتمعه ، ويضبط سلوكياته ويبدأ بتشكيل أعمال مجتمعية تفيد منطقته ، ويساعد الآخرين خصوصاً من هم أقل حظاً في مناطقهم والذين لا تصلهم الخدمات ، أو الذين ليس لديهم نفس الرفاهية المعيشية التي لدى الآخرين ، ويجب عليه دراسة المجتمع ورؤية أين يقع النقص والتقصير والبدء بتصحيح أو ازالة هذا النقص او التقصير ، ويتم ذلك بالأعمال التطوعية التي لا تقتصر على الحماس المؤقت بل بإستمرارية العمل الدؤوب ، لأن كل مجتمع يقوم ويزدهر بقدر اهتمام أهله به ، وبالرغم من كل التأثيرات السياسية والاقتصادية إلا أن على المواطن أن يعمل ضمن قدراته على نجاة نفسه ومجتمعه من الاضمحلال أو التسوس أو الخمول ، وهذا بلا شك سيعمل على إرضاخ السياسات العامة للحكومات لإرداة المواطنين والوصول لاصلاحات فعلية نتيجة الاهتمام الحقيقي .

يكفي أن يقوم كل منا بدوره بمنتهي الصدق والإخلاص حتى نجد وطننا ومجتمعنا في مصاف مجتمعات الدول الكبرى ، وإليكم بعض الخطوات البسيطة كي يساهم أيٍ منّا في تقدم وطنه وتنمية مجتمعه ، لأن تنمية المجتمع وتطويره ليست مهمة الحكومات وحدها ، بل يُمكن القول أن الجزء الأكبر يقع على عاتق الأفراد ، فالفرد هو الخلية الأولى للمجتمع والمكون الأساسي له ، لذلك لن تستقيم أي دولة مهما فعلت حكومتها دون أن يستقيم أفرادها ويبذلوا مزيداً من الوقت والجهد لصالح وطنهم ومجتمعهم ، وقد يعتقد البعض أن شخص واحد لا يُمكنه إحداث تغيير في العالم ، خصوصاً إذا كان وسط فساد كبير ، لكن يكفي أن يقوم كل منا بدوره بمنتهي الصدق والإخلاص حتى نجد وطننا ومجتمعنا في مصاف الدول الكبرى .
ومن خطوات التفاعل المجتمعي بين الفرد ومحيطه الإجتماعي هي :

– التطوّع في فصول محو الأمية . .
إن العلم هو أساس تقدم أي دولة في العالم ، فكيف يُمكن أن يرتقي المجتمع إن كان اغلبه لا يعرف القراءة والكتابة ، لذلك أكبر خدمة يُمكن أن تُقدمها لوطنك هو تطوعك للتدريس بفصول محو الأمية ، ولا يمكن لأحد أن يطلب منك تكريس حياتك وترك عملك لأجل العمل بها ، فقط استقطع من وقت فراغك عدة ساعات أسبوعياً وقم بنشر الفكرة بين أصدقائك ، ربما لا تشعر بنتيجة هذا الأمر مباشرة لكن تأكد أنه ستكتشف انك تقدّم أكبر الخدمات التي يُمكن أن تُقدمها لوطنك .

– الإشترك في بعض الأعمال التطوعية . .
لن تتخيل حجم الصنيع الذي تٌقدمه لبلدك بتطوعك في أحد منظمات المجتمع المدني أو المنظمات الخيرية باختلاف أنواعها ، سواء لمساعدة المحتاجين أو للتنمية البشرية أو للخدمة الإنسانية وتقديم الخدمات كتنظيف الشوارع أو مساعدة وتأهيل المحتاجين لسوق العمل ، فكل واحدة يحب وطنه يمكن أن يساهم بشكل أو بأخر في تطوير المجتمع ، فالإندماج بالمجتمع بهذه الطرق لن يساعد في تنمية المجتمع فقط ، بل يساعد في نشر القيم العظيمة والكبيرة بين أفراده حتى تصبح هذه القيم مع الوقت جزء من طبيعة الفرد والمجتمع ، ولا مانع بالبداية أن يقتصر النشاط الإجتماعي على المنطقة التي تعيش فيها .

– عدم التخلّي عن الحقوق السياسية . .
ينظر البعض للانتخابات واستفتاءات القوانين وما إلى ذلك من أحداث وحقوق سياسية على أنها مضيعة للوقت ، وأنها لا تُغيّر أو تؤثّر على المجتمع ، لكن يقيناً تحتاج مجتمعاتنا الآن أكثر من أي وقت مضى إلى آراء المثقفين وأصحاب الكلمة لتوعية المجتمع بهذه الحقوق ، فلا تترك أي شخص يقرر عنك ويُصادر حقّك ورأيك .

– مساعدة الغير خصوصاً المحتاج . .
إن المساعدة لا تعني الاشتراك في الأعمال والجمعيات الخيرية فقط ، فتوقفك للأخذ بيد أحد العجزة في الطريق تُعتبر مساعدة !
وإزالتك لحجر عن الطريق أو توقفك لأحد المارة أثناء القيادة يُعتبر موقف أخلاقي وإنساني رغم بساطته لكن لايمكن التغاضي عنه .

– دعم اقتصاد الوطن . .
إن تشجيع المنتج المحلي يمكن أن يُحدث إذا سادت فكرته بالمجتمع طفرة نوعية نحو تطوير المجتمع من خلال تشغيل أكبر عدد ممكن من العاطلين عن العمل .

– توفير إستخدام الطاقة قدر الإمكان . .
أن توفير إستخدام الطاقة كثقافة مجتمعية والتخلّي عن الهدر غير المبرر فيها سيوفر على الدولة ملايين الدولارات التي يمكن أن تتحول الى مواقع اخرى تساهم في تطوير الفرد والمجتمع .

– البحث عن أكثر القضايا التي تشغل المجتمع ومحاولة الإشتراك في تقييمها وإيجاد الحلول للمشاكل فيها . .
إن البحث في القضايا الأخلاقية أو الاجتماعية أو الدينية للمجتمع ، خصوصاً في المجتمعات التي تُعاني من مشاكل أو إضطراب فيها ، سيجعل الوصول للحلول أسرع وأكثر إمكانية ، فالقوانين وحدها لايمكن أن تُغيّر كل الظواهر السلبية بالمجتمع ، لكن البحث ومشاركة الاصدقاء والجيران وأصحاب الرأي بالمقترحات والحلول لهذه المشاكل والإضطرابات سيكون أكثر فائدة وتأثير .

– عدم وضع أهداف بعيدة أو كبيرة فوق قابلية الفرد ، خوفاً من ضياع الجهد والزمن في تحقيقها . .
لنجاح التجربة . . لا تبدأ بتطبيق الاهداف والأفكار والحلول على مستوى كبير وبعيد كأن تطبقها على كل مناطق الدولة ، لكن يمكن تطبيقها بالمنطقة ثم المدينة ثم المدن ثم البلد ، لأنك بكل مرحلة ستجد حلول جديدة وأفكار جديدة تختلف من منطقة لمنطقة ومن مدينة لمدينة .

أخيراً . . لتكون مواطناً صالحاً لا يعني بالضرورة أن تُصبح ناشط حقوقي أو مناضل في أحد الأحزاب السياسية ، فكل ما عليك هو تغيير سلوكك السلبي اليومي للأفضل وتتوقف عن سب ولعن الوطن ، فما الوطن إلا انعكاس لأفراده ، ولا تتخيل أن تستطيع أي حكومة في العالم إحداث أي تغيير طالما عملت وحدها دون مساندة أفراد الشعب ، لذلك ببساطة كن أنت محور التغيير الذي تود رؤيته في مجتمعك ، وساعد بنشر هذه الأخلاق والسلوكيات والثقافة إذا كنت ترغب في رفع إسم وقيمة وطنك بين بلدان العالم وتطوير نفسك ومجتمعك .

وللموضوع بقية إن شاء الله …..
والله من وراء القصد .