كثرة الحديث عن الخلافات والتعديلات والأنسحابات من لجنة الخمسين يعتبر كافياً لنخرج بنتيجة أن الدستور الذى يتم مناقشته ووضعه لا يفهم فيه أحداً ممن تم أختيارهم وتوكيلهم لوضعه، لأنه بات واضحاً منذ اللحظة الأولى لأختيار الأسماء وحتى اليوم أنه دستور المصالح الدينية والسياسية، ولا علاقة له بدستور دولة المواطنة والحرية والمساواة فالجميع يتناقشون فى بنود ومواد يخجل منها أبناء الوطن، وكنت أعتقد أن لجنة الخمسين يتكون محصورة فى المفكرين وكبار الفقهاء الدستوريين المصريين الذين لهم خبرة كبيرة فى وضع الدساتير، لكن للأسف وجدنا لجنة الخمسين عنصرية طائفية لا يهمها الوطن والمواطنين بقدر أهتمامها بالتيارات الدينية وتحكمها الصارخ فى مسيرة المناقشات الدستورية التى لا يفقهون فيها شيئاً، وكان ذلك أكبر كارثة تناهت لأسماعنا وتصدرت عناوين وسائل الإعلام.

كنت أعتقد أن أعضاء لجنة الخمسين كلهم مصريين وغالبيتهم مسلمين، لكننى أكتشفت أن الغالبية تنازلوا عن صفتهم الإسلامية لممثل حزب النور حتى يتكلم ويناقش ويفرض ويرفض ما يراه مناسب وغير مناسب لصالح الحزب الإسلامى، وتركت الأغلبية المصرية المسلمة القرار النهائى لممثل حزب النور لتسقط المدنية فى غياهب الظلام الدينى، وكان هناك خضوعاً واضحاً من غالبية لجنة الخمسين لشخص واحد لا يهتم بالمواطنة أو الديموقراطية أو العدالة والحرية، لكن أهتمامه الوحيد كان تركيع بقية أعضاء لجنة الخمسين لرغباته الدينية التى هى رغبات واهداف حزبه حتى لا تفقد مصر هويتها الإسلامية، وكانت مناقشات ساخنة حول مواد الهوية تلك وكأن مصر منذ وجودها وحتى لحظة دخول ممثل حزب النور إلى لجنة الخمسين لم يكن لها هوية ويريدون الآن تحديد وتأكيد هويتها، وفى وجه هذا الموقف كانت الميوعة والهزال التى أظهرها بقية الأعضاء وكأنهم لا يعرفون هويتهم وتركوا ممثل حزب النور ليهديهم إلى طريق الهوية المستقيم.

وقبل أن يقوم الأعضاء فى نهاية هذا اليوم السبت بالتصويت النهائى على مواد الدستور، أقول أن ثورتى مصر أستحوذ عليها وسرقها من يكفر الديموقراطية والمواطنة وأفكارهم وأعمالهم تقول بصراحة طظ فى مصر وشعب مصر، وأنتهت آمال مصر الثورة فى تحقيق دولة الحداثة والمدنية وديموقراطية العقل والمنطق، ليسيطر عليها دستور الخمسين الذين يحلمون بدولة الخلافة والغيبية الدينية ومدنية الحكم وليس مدنية الدولة كما قال أحد أعضاء الخمسين، وأنهارت أحلام الحرية والحقوق الإنسانية والديموقراطية لتحل محلها الديموقراطية الغيبية التراثية التى تعتمد على ثقافة السلف والخلف، وأصبح الدستور فى خدمة الشعب هو مجرد شعار تم تفريغه من معناه ليكون الشعار المفروض من لجنة الخمسين هو الدستور فى خدمة الأديان والأنتصار لها وليموت الشعب بغيظه ومشاكله وهذه خصوصية المصرى الحديث.

أختلط الحابل بالنابل فى أفكار أعضاء لا علاقة لهم بمفهوم الدساتير والشرائع الإنسانية، ودستور مثل هذا لا يحقق رغبات المواطن المصرى الذى يرغب العيش فى أمن وسلام ومحبة مع جميع إخوانه فى الوطن بغض النظر عن الجنسية أو الدين، فالجميع يتساوى أما القانون رجلاً كان أو إمرأة لأن الجميع له حقوقه وعليه واجباته، وهذا ما كان المصرى الحقيقى فى أنتظاره من لجنة الخمسين الطائفية بمصالحها الخاصة ووضعوا بها بعض الشخصيات العامة التى كان أفضل لهم رفض المشاركة فى لجنة جاءت أختياراتها أعتباطية لذلك ستكون النتيجة كذلك لتستمر مأساة الشعب المصرى فى نخبة تسئ لحضارة مصر الإنسانية العظيمة.

إن الإصرار على مواد الهوية والمرجعية الدينية لدولة يعرفها ويعترف بها العالم أجمع أسمها مصر، هى فاشية ورجعية وإبتزاز صريح للدين مما جعل غالبية أعضاء الخمسين يظهرون أمام المجتمع وكأنهم كفار والمؤمن الوحيد هو ممثل التيار الدينى، وأكرر بأن الذى وضع رجال الكنيسة والأزهر والسلفيين فى لجنة الخمسين أراد صياغة دستور ظلامى وإسهال تشريعى يعكس إنقلاباً واقعياً على الثورة ودسترة الطائفية فى الكوميديا الدستورية، ومع ذلك ستكون الكلمة الأخيرة للشعب …..
لكن هل يستوعب الشعب المصرى ما يحتويه دستور الخمسين؟ أتمنى ذلك