قلنا ان الحسين هو القائد الوحيد في تأريخ البشرية الذي وقف امام خصومه وهي يبكي عليهم ويسعى لهدايتهم للحق ودين الله ومنهج نبيه بعد ان سيطر الظلام على الناس, فالجيش الذي نزل كربلاء لمواجهة الحسين كان يعرف جيدا من هو الحسين, وماذا يريد, ولكنهم يعلمون ايضا انهم يريدون غاياتهم المنشودة وربما كان الحسين سببا لها, كما في قضية عمر ابن سعد الذي كان الري طلبته, وكما يتسابق الجميع لقول احدهم “اشهدوا لي عند الامير اني اول من رمى الحسين” فاستنكروها واستيقنتها انفسهم.
بهذا المنطق كانت تدار تلك الحرب الغير متكافئة عدة وعددا وعقلانية, العقلانية تأتي من ثائر متبصر يدعو الناس لضلالة الحاكم الذي خالف اساس ما نُصب لأجله وبين قوم يدركون صحة ما يقول وبرغم ذلك يطلبون دمة, في ذلك الزمان والمكان غاب الانسان ليكون الحسين امام وحوش ضارية لن تهدأ قبل ان تلتهمه لتشعر بملأ جوفها النتن,
منطق الحسين في نظرته الانسانية المجردة لذلك العدو كانت هي عينها رؤية ابيه علي ابن ابي طالب (عليهما السلام) فعلي يوصي بوصية يمكنها ان تعرف به وبمنهجه حيث يقول “لا تقتلوا الخوارج بعدي، فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه، أو فأدركه” فمدار بحث الحسين كان ذاته عند والده علي ونهجة, مدار الحق وليس مدار الحكم او الغاية السلطوية او غيرها من طموحات الساعين خلف السلطة, ومن هنا نجد ان الحسين تخلى عن مطلبه كصاحب حق ضمن تعهدات الصلح الذي جرى بين الامام الحسن (ع) ومعاوية ليكون ثائرا ضد الظلم والطغيان, وثورته تلك ترتكز على حصر خياراته بين ان ينتصر للإسلام بدمة او ان يبقى تحت حكم الظالمين على كل حال, لهذا كان الخيار الثوري,
لان النبي اراد للمؤمنين العزة, كان لابد للحسين من القيام بالثورة, ولكن ثمة سؤال يتكرر كثيرا, وهو سؤال تقليدي يكثر استعراضه, فان كان الحسين يريد الثورة لِمَ لَم يَخرج وحده؟ لِم اخذ معه كل من معه من الهواشم؟ ورغم ان الجواب المتردد هو لغرض اضفاء الصبغة الاعلامية التي تكفلت بها عقيلة الطالبين اخته (زينب بنت علي ابن ابي طالب ع) وكذلك لبيان وحشية القوم حين سبوا ال النبي من العراق الى الشام وعذبوهم اشد العذاب, ولكن ثمة امر اخر لابد من الالتفات اليه, “انه اسلوب الحسين الثوري”, لا يمكن للحسين ان يكون تقليديا بثورته العظيمة مالم يبتكر اسلوبا خاصا به, كانت رسالته لكل انسان يخشى الموت امام المبدأ خوفا على اهله او ماله ومفادها “ايها الانسان, ان الحقيقة لاجل وارفع من مال وبنون, انها اوسع من مكة والمدينة, ولكي تكون ثائرا فلابد لك من الاستعداد والتهيؤ لان يقتل بيدك طفلك الرضيع, ويقتل امامك اهلك واحدا تلو الاخر, وتحرق خيامك, ويبقى جسمك بالعراء بدون رأس ويحمل ذلك الرأس من بلد لبلد وتكون امام ثلاثة الاف مقاتل وانت بمفردك, لا تملك الا الحقيقة وحسب”
هذه رسالة الحسين وهذا هو أسلوبه الثوري, لا يمكن لثورة ما ان تنجح الا بالتضحية بقدر القيمة التي يثور من اجلها ذلك الثائر, ولأن اسلام محمد عظيم, كان لابد من ثورة عظيمة, ثورة لا تشبه كل الثورات, ثورة تليق بدين يختم اديان السماء,
غاندي وجيفارا وغيرهم ممن يمجدهم تاريخ الامم الاخرى كانو يقفون اجلالا امام قائدهم العظيم وملهمهم ومعلمهم الثوري الاول الحسين, انه علّمهم كيف يكونوا مظلومين لينتصروا على الظالمين, ووعدهم ان النصر مع الايمان ولا ثورة من غير تضحية, كل ثورات الارض تقف بأجلال امام ثورة كربلاء مدرسة الثورات الانسانية.
للحديث تتمة