كُلنا نتمنَّى دائما أن نكون في صفِّ الصَّواب لا الخطأ, ولكن من المفترض أيضا أن لا تغيب عنا حقيقة أنَّ العصمة فقط للأنبياء والرُّسل, وأننا دائما بين الصواب والخطأ, وذلك لكي لا تغالطنا عقولنا بأن تُصوِّر لنا بأنَّنا على صوابٍ دائما, فمِثل هذه المغالطات تنتقل بالإنسان إلى عدم تقبُّل آراء الآخرين وأفكارهم ونقاشاتهم, فيرتدي هو ثوب الصواب دائما ويلبس الآخرين دائما ثوب الخطأ.

لا يكمن لُبَابُ رأينا وقراراتنا في عقولنا فقط, سواء في الأزمات أو في شتَّى مناحي الحياة, فالإنسانُ الذي كثُر مَا يُغالطه عقله هو دائما في حربٍ بين عقلهِ وقلبه .. فِكره وفِطرته, حين يريد الوصول إلى توافقٍ فِكريٍّ بينهما ليحظى بنتاجٍ يصل به إلى آرائه وقراراته مُقتنعًا بحسم أموره وذلك بأن تكون في اتجاه الصَّواب لا الخطأ !.

صوتُ العقلِ يلعب دورًا مُهِمًّا لدى الإنسان في الوصول إلىِ رأيه وقراراته وفكرهِ وتوجُّهاته, كذلك صوتُ القلب والفطرةِ الطيِّبَة والَّذي يتجاهلُهُ العديدُ مِنَّا !, وكأنَّ قُلُوبنا بفطرتها الطيِّبة لا تلعب أبدا دورًا مُهِمًّا في حسم أمورنا والوصول إلى آرائنا وقراراتنا الحقيقية, وصقل أفكارنا وتوجهاتها لا سيما استدراكُ خلافاتنا ومشاكلنا إن غالطتنا عقولنا, ففي الأزمات وفي شتَّى مناحي الحياة غالبًا ما نرى السَّعي في حل الخلافات والإشكالات يكمن في مناشدات بتغليبِ صوت العقل أو لغة العقل كما يُسمِّيها البعض, متجاهلين ومبتعدين كلَّ البعد عن الدور المهم الذي تلعبه صوت الفطرة الطيبة في مثل هذه الخلافات !, فالفطرة الطيبة تكمنُ بداخلِ قلوبنا جميعًا, ومتجاهلين أيضا أنَّ السبب الرئيسي في أغلب الخلافات هي الحِدَّة في خطاب العقول والتي نتيجتها مغالطة العقول لأصحابها بأن تُصوِّر لهم بأنهم هم الصَّواب دائمًا, ولا ينتج عن مثل هذه النقاشات سوى بناءُ بيت الخلافات, ففي الأزمات قد تخرج عديد المبادرات من قبل عديد الفئات ولكن ! .. إن لم تتقابل الفئات المبادرة بالحلول مع بعضها البعض لتتناقش وتتوافق بمبادراتها العديدة للوصول إلى مبادرة واحدة تتوافق عليها جميع الفئات, فلن تصل عندئذ كل المبادرات إلى أية حلول بسبب الحدة في خطاب العقول وتمسُّك كل فئة بالمبادرة التي قدَّمتها بأنها الصواب وأنَّ باقي المبادرات على خطأ !.

هُنا أُؤَكِّد على الدور المُهم لقلوبنا بفطرتها الطيِّبة في شتى مناحي حياتنا لاسيما نقاشاتنا وحلِّ مشاكلنا وخلافاتنا والوصول لآرائنا وقراراتنا وصقل أفكارنا لنُحسِن بالعقل والقلب معًا الاختيار الصحيح لا الخطأ, فلو لم يكن القلب يلعب دورًا مُهمًّا في شتَّى مناحي حياتنا لما ذكره الله سبحانه وتعالى لنبيِّ الرحمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسَّلام, قال تعالى : ( ولو كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْب لانفضُّوا مِن حولِك ), ولنا في رسول اللهِ خير إسوةٍ ترشدنا إلى الصَّواب, ومن هنا أُؤَكِّد أيضًا على أنَّ صوت العقل وحده لا يربُو لشيء في الوصول إلى آرائنا وقراراتنا لا سيما في استدراك كلِّ خلافاتنا بل وفي شتَّى مناحي حياتنا.
لكي لا نظل حائرين تائهين بين عقولنا وقلوبنا في فهم وتحليل كل ما يحدث من مجريات تدور حولنا, سواء في محيطنا الذي نعيش فيه أو في مُحيط الإنسانيَّة أجمع, للوصول إلى آرائنا وقراراتنا بل وفي حسم كل أمورنا وفي شتى مناحي حياتنا, يجب أن نفكر بعقولنا وقلوبنا معا في كل أمورنا, بفكرنا وفطرتنا عند نقطة اتزان, فعندما يَتَّزِن العقل مع القلب تسمو لحظة اتِّفاق يكمُن عندها الإتقانُ والنَّجاحُ لدينا.

( إنَّ تصالُح الإنسان وتوافقه مع نفسه أولا هو الذي ينتقل به إلى التَّصالح والتَّوافق مع الآخرين, فتصالح الإنسان وتوافقه مع نفسه أصعب من تصالحه وتوافقه مع غيره ).