في ذكرى ولادة الحبيب المصطفى(صل الله عليه وآله)
بقلم : عبود مزهر الكرخي

لقد أتفق العلماء وكتاب السيرة على أن ولادة نبي الرحمة محمد(صل الله عيه وآله)كانت في عام الفيل وفي شهر ربيع الأول ، ولكنهم اختلفوا في يومه، فذهب المشهور من العلماء الى انه في يوم الجمعة السابع عشر منه، وقد نقله الاثبات من الاعلام كالمفيد، والطبرسي، وابن طاووس، والمجلسي ، والاول قال: اعلم انه اتفق الامامية (الا من شذ منهم )على ان ولادته(صلى الله عليه وآله)كانت في السابع عشر من ربيع الاول عام الفيل في مكة المكرمة في شعب ابي طالب او شعب بني هاشم (1).
وقال محدث القمي” فقالت آمنة : لما سقط إلى الأرض اتقى الأرض بيديه وركبتيه ورفع رأسه إلى السماء، وخرج مني نور أضاء ما بين السماء والأرض. ورميت الشياطين بالنجوم و حجبوا عن السماء ، ورأت قريش الشهب والنجوم تسير في السماء، ففزعوا لذلك، و قالوا: هذا قيام الساعة، فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة فأخبروه بذلك، وكان شيخا كبيرا مجربا، فقال: انظروا إلى هذه النجوم التي تهتدوا بها في البر والبحر، فإن كانت قد زالت فهو قيام الساعة وإن كانت هذه ثابته فهو لأمر قد حدث “. ، وفي (الخرائج) كما عن (البحار):((انه ولد (صلى الله عليه وآله)مختونا مقطوع السرة ” (2).
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله: { من كرامتي علي ربي أني ولدت مختونا ولم ير أحد سوأتي } (3).
الحوادث العجيبة يوم ولادته(صلى الله عليه وآله):
وفي ولادته المباركة ترافقت العديد من الحوادث العجيبة والغريبة في العالم وقريش بالذات غيرت فيها معالم الكون أجمع ثم معالم قلوب البشر، مشيرًا إلى أن هناك عدة أحداث وقعت في ساعة ميلاده، وهي: أن الأصنام التي كانت تُعبد من دون الله نُكست.
وانخماد نار فارس التي لم تخمد منذ الف سنة، ولم يبقى سرير لملك من ملوك الارض إلا نكس، وانتزع علم الكهنة.
وبطل سحر السحرة، قال امير المؤمنين(عليه السلام) ( ولما حل الليل سمع هذا النداء من السماء: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا، واشرقت الدنيا كلها في هذا الليل، وضحكت الحجر والمدر، وسبح الله في السماوات والارضين، وبكى ابليس وقال: خير الامة وافضل الخلائق، واكرم العباد واعظم العالمين؛ محمد ) (4).
وكل هذه الحوادث المباركة والعجيبة كانت الغاية منها أنها تهدف إلى أمرين :
الأول : أن يبشر بعصر جديد.. هو انتهاء عصر انتهاء الوثنية والشرك بالله ، وزوال كل مظاهر الشرك والكفر وزوال السلطة الشيطانية ، لو كانوا يفكرون كل من له لبٌ وعقل في حدوث هذه الظواهر العجيبة.
الثاني : لأن الولادة المباركة إلى خير خلق الله جاءت لتبرهن على عظمة ِان هذا الوليد المبارك أحمد ،وأنه ليس وليداً عادياً ، فهو كغيره من الأنبياء العظام والذين ترافقت مع ولادتهم من امثال هذه الحوادث العجيبة ، والوقائع الغريبة كما اخبرنا بذلك القرآن العظيم ، فيما تحدث به عن حياة الأنبياء والتي وتخبر بها تواريخ الشعوب والملل المسيحية واليهودية.
ولو راجعنا الإشاعات المغرضة تقول بأن الإسلام أنتشر بالسيف وترديد أن انتشار الإسلام بالعنف من الشبهات التي يردِّدُها كثيرًا بعضُ المغرضين وفي مقدمتهم المستشرقين الغربيين؛ حيث يدَّعُون أن الرسول كان رجلاً عنيفًا يحبُّ إراقة الدماء، وأن الإسلام انتشر بالسيف، وأن معتنقي الإسلام لم يدخلوا فيه طواعية ولا اختيارًا، وإنما دخلوا فيه بالقهر والإكراه، أي تحت حد السيف وهو اشاعات وأفكار نشرها من المعادين لديننا الحنيف من قبل الصليبين والمسيحيين الإنجيليين واهم من ذلك من اليهود من الذين يحملون الفكر الصهيوني ويعادون الإسلام والرسول الأعظم ومنذ فجر الإسلام.
والحقيقة أن جوهر الإسلام وأخبار التاريخ يكذِّبان هذه الفرية، ويستأصلونها من جذورها، وقد شهد أبو سفيان زعيم قريش (وهو رجل حارب رسول الله سنوات عديدة)، ولم يؤمن إلاَّ بعد أكثر من عشرين سنة من الإعراض والصَّدِّ- شهد لرسول الله بقوله: “لقد حاربتُك فنِعْمَ المحارب كُنتَ، ثم سالمتك فنعم المسالم أنت” (5).
ومن هنا لا بدَّ من أن نعيش مع النبي(صل الله عليه وآله)، لنستهديه ونستحضره في كل حياتنا، ولو كان(روحي له الفداء) غائباً عنا بجسده فإنه حاضر بيننا برسالته وشريعته علينا في هذه المرحلة من التاريخ الإسلامي، أن ننقل الإسلام إلى الأجيال القادمة، إسلاماً قوياً صافياً حضارياً، ينفتح على المحبة والوحدة والقوة والعزة والكرامة إن الله تعالى يأمرنا عندما نختلف في شيء أن نرده إليه وإلى الرسول، لا أن نردّه إلى عصبياتنا وأنانياتنا وذاتياتنا، وإلى كل شياطين العصبية والعائلية والحزبية والطائفية المتجمّعة في نفوسنا عندما نقف في ذكرى ولادة رسول الله (صل الله عليه وآله)، علينا أن نقول له: يا رسول الله، سنحتفل بولادتك بأن نتوحّد باسمك، وسنتحاور، حتى لو اختلفنا في المذاهب لقد أراد النبي(ص)أن يصنع أمة مسلمة يحترم فيها المسلم مال المسلم الآخر ودمه وعرضه وأمنه، ليكونوا قوة في وجه الذين يكيدون للإسلام وأهله في مولد الرسول(ص صل الله عليه وآله)، لا يكفي انفتاحنا على اسمه وذكراه وأن نعيش الأجواء الاحتفالية، بل أن نتطلع إلى مسؤوليتنا عن الإسلام العقيدة، وكيف نعمّقها في نفوس أجيالنا.
وهذه الولادة تتزامن مع ولادة الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) والتي “كانت مدرسة الإمام الصادق(عليه السلام) منفتحة على كل المسلمين، فكان يأتي إليها كل من يلتزم إمامته من المسلمين، كما يأتي إليه من لا يلتزم إمامته، ولكن الجميع يرتشفون من معين علمه عندما نطل على ذكرى الإمام جعفر الصادق (ع)، فإن علينا أن نؤكد على خط الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) ، في وعيهم للإسلام وفي تفصيلهم له وفي شرحهم لمفاهيمه، وفي تصحيحهم لكل الانحرافات التي طرأت عليه بين وقت وآخر إن المسألة التي أراد الإمام الصادق(عليه السلام) أن يؤكِّدها في المجتمع الإسلامي ، هي إبعاد الناس عن الخرافة ، والارتفاع بهم إلى درجة الوعي والعلم ، فكان يقودهم إلى أن يستنطقوا عقولهم لا غرائزهم وتخلّفاتهم كان الإمام الصادق(عليه السلام) يوحي إلى الأمة كلها أن تكون أمة العلم لا أمة الجهل ، وأن تأخذ بأسباب العقل لا بأسباب التخلّف ، لأن الأمة التي ترتفع بما تحصل عليه من علم، وبما تؤكِّده من عقل ، هي الأمة التي يمكن أن تكون خير أمة أُخرجت للناس في ذكرى مولد الرسول(ص) ” (6).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ موسوعة التاريخ الإسلامي – محمد هادي اليوسفي – ج ١ – الصفحة ٢٥٥. منشورات المكتبة الشيعية. بحار الأنوار ١٥: ٢٤٨.
2 ـ كمال الدين وتمام النعمة – للشيخ الجليل الأقدم الصدوق – ج ١ – الصفحة ٢٢4.منشورات المكتبة الشيعية.
3 ـ إمتاع الأسماع – المقريزي – ج ٤ – الصفحة ٥٧. منشورات المكتبة الشيعية. دلائل أبي نعيم): 1 / 154، حديث رقم (91)، بيان رضاعه وفصاله وأنه ولد مختونا مسرورا صلى الله عليه وسلم، والمسرور: مقطوع السرة.
4 ـ بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ١٥ – الصفحة ٢٧٤. منشورات المكتبة الشيعية. مناقب آل أبي طالب 1: 22 و 23.
5 ـ الصفدي: الوافي بالوفيات 1/2240.
6 ـ مأخوذة من مقال بعنوان(كلمات في مولد الرسول(ص) و الامام الصادق للوحدة الاسلامية). السيد محمد حسين فضل الله. باب أديان ومذاهب. موقع وكالة انباء تقريب. منشور بتاريخ 26/2/2011.