من تمام حب الوطن الذي علّمك ورباك، أن تحافظ على المكاسب التي بفضلها، أمسى الفقير وزيرا، والمعدوم رئيسا، وأبناء الأمي علماء، وأبناء المرضى أطباء، والجائع شبعانا، والذليل عزيزا.

 

وللمحافظة على هذه المكاسب، التي عاش لأجلها أجيال، ومات لأجلها أجيال ولم يستطيعوا تداركها، وسائل وطرق عديدة، قد يختلف البعض في مقدماتها أو نتائجها، ومنها المثال الآتي، الذي من خلاله تتضح الطريقة، ويبقى للقارئ حرية الاختيار والنقد ..

 

الإمام النووي، رحمة الله عليه، لم يعجبه تصرف القائد والملك، الظاهر بيبرس، رحمة الله عليه، لأنه أرهق المجتمع بالضرائب، فاشتكى الناس إلى الإمام النووي، فبعث برسالة إلى الظاهر بيبرس، ينبهه إلى نتائج أفعاله وقراراته، وشكوى الناس، والضرر البالغ الذي لحقهم.

 

وبعد مدة لم يتلق الإمام النووي أيّ رد من القائد بيبرس، فجمع العلماء من حوله، وكتبوا رسالة إلى الظاهر بيبرس، يدعونه للتخلي عن الإجراءات القاسية، التي اتّخذها في حقّ المجتمع، وتضرر منها تضررا بالغا. وبعد مدة لم يتلق الإمام ردا من بيبرس، فاعتزل وعاد إلى قريته نينوى.

 

والسؤال المطروح، لماذا الإمام النووي، لم يدخل في صراع مع القائد الظاهر بيبرس. والإجابة أن المكاسب التي تحصّل عليها المجتمع يومها على يد بيبرس كانت عديدة ثمينة منها ..

 

محاربته للصليبيين، وتحريره للأراضي، ووضع حد لغزو الأجانب وانتهاك حرمات البلد والمجتمع والخيرات. ولم يشأ الإمام النووي، أن يخسر هذه المكاسب، رغم رفضه للإجراءات التي اتخذها بيبرس.

 

وقد قرأت منذ سنوات، أن الإمام النووي، دخل على القائد بيبرس، ولم يناديه باللقب المعتاد، وأغلظ له في القول، بسبب الضرائب التي أرهقت الناس، وغضب منه القائد بيبرس، إلا أنه لم يستطع فعل شيء، لأن الإمام كان مستقلا في دخله وعيشته.

 

ليس من الحكمة في شيء، أن يتشبّث المرء بمتر مربع، ليضيّع أمة بأكملها، ويهدر في سبيل تشبثه هذا، أرواحا وأعراضا وخيرات ومكتسبات.

 

إن الدفاع عن المكاسب، يستوجب الحفاظ عليها أولا، ومن أبجديات المحافظة .. حقن الدماء، وصيانة الأعراض، والتشبث بالأرض والسماء، وصيانة الخيرات.