فاطمة الزهراء والسر المستودع فيها / 1
بقلم : عبود مزهر الكرخي

في ذكرى الأيام الفاطمية الحزينة واستشهاد سيدة نساء العالمين بنت نبينا الأكرم محمد(صل الله عليه وآله)، الطاهرة المطهرة سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء(عليها السلام).
وفاطمة الزهراء التي لم يعرف الدهر مثلها ولم تكن امرأة مثلها لا في الأولين ولا في الأخرين، والتي تحمل من المقامات والمنزلة لا تحمل أي من نساء العالمين، وكانت في مولدها ونشأتها واستشهادها الكثير من الأسرار الإلهية، لا يفقهه كل الناس لأنه سر إلهي كانت كله هو برعاية إلهية في كل مراحل تكوينها فهي حورية أنسية وتحمل إسرار إلهية، حتى كتب الباحثون والمفكّرون والمؤرّخون مئات المجلّدات فما أحاطوا بعشرٍ من فيوضاتها القدسيّة.
وكان للزهراء روحي الله الفداء سر مستودع فيها، كما يستفاد من دعاء التوسل الخاص بها والشائع بين المسلمين والذي نسب إلى الأمام جعفر الصادق(عليه السلام) وهو ( إلهي بحقِّ فاطمةَ وأبيها وبَعْلِها وبَنيها والسِّرِّ المستودعِ فيها..) (1) ، فما هو هذا السرّ المستودع فيها؟
ولقد كثرت الأبحاث والدراسات عن هذا السر الإلهي العظيم المستودع لدى سيدة نساء العالمين(عليها الاسلام)، والظاهر أنه القلم وكل الكتاب يعجزون عن التوصل السر المستودع في فاطمة الزهراء(عليها السلام)، ويقول عن هذا الأمر صاحب كتاب (الأسرار الفاطمية) : ” أما حقيقة السر المستودع، فيظهر لنا من خلال عدة احتمالات نحتملها في كونها هي مفاد السر المستودع ، ولا نقصد من أن ظهور هذه الاحتمالات يكون بالقطع اليقيني ، كلا فان الامر أعلى وأجل من أن يظهره قلم أو يخطر على ذهن كاتب أو عالم وانما الامر يتجاوز المقام ، فان من الأسرار التي يمتلكها أهل البيت (عليهم السلام) ” ، ولكن في مقالنا والتي سوف نوجز أشهر الأقوال :
1 ـ فاطمة الزهراء(عليها أنها اصل الإمامة وهي الوعاء الذي حمل ذرية الإمامة، فهي أم الأئمة(عليهم السلام).
وعن هذا الأمر عن الصادق (عليه السلام) يقول : (إن أمرنا سر مستتر وسر لا يفيده الا سر وسر على سر وسر مقنع بسر)، فالزهراء هي أم الأئمة وهي حجة عليهم ولذلك فأنها مفروضة الطاعة على جميع البشر، ولهذا  قال الإمام الحسن العسكري : ( نحن حجج الله على الخلائق، وأمنا فاطمة حجة الله علينا ) (2).
والزهراء كما ورد ذلك في الأحاديث المأثورة والتي فيها تودع الإسرار فهي معروفة عند الأئمة، وهم يحافظون عليها وقائمون بمقتضاها، وكل ما يتعلق بها أو تبليغ دواعيها، وهم يحافظون على أسرارها ولا يتم اظهارها إلى أي احد او كان، إلا من كان يحتمل علمهم واسرارهم.
2 ـ والسر المهم في الزهراء(عليها السلام) هو الإمام المهدي المنتظر والذي هو من نسلها وكما أشار إلى ذلك جميع الفرق الإسلامية، والذي بظهوره هو يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.
وهذا الاحتمال يرد بان الأمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف)هو سر من الأسرار المستودعة في فاطمة(عليها السلام)في ذلك الزمان ولم يعرف ويظهر لأي أحد، ولكن هذا القول يصبح منتفياً ويرد عليه لكون الأمام المهدي الموعود قد أصبح من المسلمات عند غالبية المسلمين واكثرهم، هذا من جهة وكون الدعاء يقول : ( اللهم بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها 000)ولفظة البنين تشكل كل ابناء الزهراء والمعصومين بالذات، وفي ختام الدعاء يقول( والسر المستودع فيها)، ولهذا فليس من المعقول ان يتوسل المؤمن بالسر المستودع والذي هو المهدي(عجل الله فرجه الشريف)وفي نفس الوقت يتوسل ببنيها المعصومين والذي هو منهم ومشترك معهم، وقد يكون احتمال يجاب من باب ذكر الخاص بعد العام ليفيد الحصر أو الاختصاص.
3ـ وقد يكون السر المستودع ولاية الأئمة المعصومين(عليهم السلام)وهي ولاية إلهية والتي هي في ولد فاطمة. وهذا الاحتمال يرد عليه بكون الدعاء يقول : ( بفاطمة… وبنيها والسر المستودع ) فيكون تكراراً للقسم بالأئمة الذين هم بنوها وكذلك بالسر المستودع الذي هو الأئمة.
4 ـ أن فاطمة الزهراء(عليها السلام) لديها الولاية التكوينية والتشريعية والتي  ومن الطبيعي أن تنقل هذه الولاية التكوينية إلى أهل بيت رسول الله والتي من ضمنها أبنته فاطمة الزهراء(ع) لأنها بنت الرسول الأعظم والذي قال عن أبنته في وصفها (فاطمة أم أبيها)) وزوجة الوصي أمير المؤمنين والذي لدية الولاية التكوينية والتشريعية أيضاً لأنه نفس رسول الله(صل الله عليه وآله) وأم الأئمة والتي من سلالتها والتي استشهدنا بحديث الإمام حسن العسكري (ع) في قوله عن الزهراء((أنها حجة علينا)). وهي سيدة نساء العالمين التي قال لها أبيها(ص)في اللحظات الأخيرة لوفاته الشريفة والتي ذكرتها عائشة وهو حديث معترف به من قبل كتب الصحاح والجماعة، وكما الله وتعالى  يكرم مريم بأن يرزقها بالطعام والشراب وينزلها إليها وهو يمثل الولاية التكوينية لهذه المرأة الصالحة الطاهرة فكيف بفاطمة الزهراء وهي سيدة نساء الجنة والعالمين أي سيدة مريم وآسيا بنت مزاحم وجميع نساء الجنة والعالمين إلا تكون لها الولاية التكوينية والتي يكرمها الله بها ويعطيها هذه السلطة والتي يقول عنها نبي الرحمة محمد(ص) { من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد وهي بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله }(4).
ولنكمل الحجة بحديث رسول الله (ص) المسند والصحيح الذي يقول عن رسول الله (ص): قال: { انا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، وحسن وحسين ثمرها، وشيعتنا ورقها، فمن تعلق بغصن من أغصانها ساقه إلى الجنة ومن تركها هوى في النار } (5).
فمن المنطقي والواقعي أن تكون لها الولاية التكوينية  ليكون بعدها الامتداد الطبيعي لأئمتنا المعصومين(سلام الله عليهم أجمعين) لأنهم يرثون مواريث الأنبياء ولديهم مفاتيح العلم والحكمة. لأن الله تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ }(6).
5 ـ والمهم في السر المستودع، هو اسم الله الأعظم.
وقد قدم عادل العلوي لذلك الكتاب مقدمة ذكر فيها : ” فالزهراء (عليها السلام) يعني رسول الله وأمير المؤمنين فهي مظهر النبوة والولاية وهي مجمع النورين: النور المحمدي والنور العلوي، وكما ورد في تمثيل نور الله في سورة النور وآيته (( اللَّه نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مَثَل نوره كَمشْكَاة ))[النور :35] بأنه كالمشكاة، وورد في تفسيرها وتأويلها ان المشكاة فاطمة (عليها السلام) وفي هذه المشكاة نور رسول الله وأمير المؤمنين …
فالنبوة والإمامة في وجودها النوري، وهذا من معاني السر المستودع فيها فهي تحمل أسرار النبوة والإمامة “(7).
فهي امتزاج نبوة الرسول الأعظم محمد(صل الله عليه وآله) وإمامة أمير المؤمنين وصي رسول رب العالمين، ولهذا فهي حلقة الوصل بين النبوة والإمامة، لتكون عندها كل الأسرار الإلهية، ومواريث الأنبياء والمرسلين وعلم الأولين والأخرين ولتكون الحجة على أئمتنا المعصومين(عليهم السلام)
وفي جزئنا القادم سوف نلقي الأضواء على ما تحوطه الأسرار الإلهية في بضعة رسول الله(صل الله عليه وآله )إن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ كتاب الأسرار الفاطمية – الشيخ محمد فاضل المسعودي – الصفحة ص 25. التوسّل بهذه العبارة ، فقد ذكره الشيخ الهمداني في كتابه « فاطمة بهجة قلب المصطفى » ، وهو الذي تشرف برؤية المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف. وفي بعض الكتب انّ الشيخ الأنصاري قدّس سرّه كان يصلّي على فاطمة بهذه الكيفيّة ، وهو من أعاظم علماء ومراجع الشيعة ، بل هو الشيخ الأعظم مجدّد المذهب واستاد أساتذة المراجع العظام في العصر الأخير ، وقد كان مرتبطاً بالإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف ، ومن المحتمل انّ هذا الدعاء صادر من الناحية المقدّسة. راجع « الصحيفة المهدية » للسيّد مرتضى مجتهدي سيستاني.
2 ـ كتاب الأسرار الفاطمية – الشيخ محمد فاضل المسعودي – الصفحة 55. منشورات المكتبة الشيعية.
3 ـ نفس المصدر. ص 17.
4 ـ  كشف الغمة : 1 | 467 ، الفصول المهمة : 128 ، نور الأبصار : 52 ، ونزهة المجالس : 2 | 228.
5 بشارة المصطفى – محمد بن علي الطبري – الصفحة ٧٦. منشورات المكتبة الشيعية. بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٣٥ – الصفحة ٣١. منشورات المكتبة الشيعية.
6 ـ [الأنبياء : 26، 27].
7 ـ (انظر الأسرار الفاطمية لمحمد فاضل المسعودي من ص 25 إلى 63).