عُلماؤونا و آلوعيّ؟

ألعارف ألحكيم عزيز الخزرجي:

في كل قضيّة و مسألة و تقييم هناك أوزان و معايير تُقاس بها القضايا و الاحداث و الأفكار و القيم حتى قيمة الأنسان بل قيمة كل عضو و جزء من بدنه في مباحث الديانات التي درسناها في البحث الخارج, حيث حدّد البعض بأنّ لكل إنسان قيمة معينة البعض يساوي ألف دولار و آخرين قد يصل قيمتهم للملايين و غيرهم أقل و ربما البعض لا يساوي شيئاً بسبب إتجاه الحياة المادية و هكذا, تمّ تحديد حتى قيمة الأنسان و كأنه بضاعة تشترى و تباع! هذه المقدمة القصيرة جداً الكبيرة في معناها هي مدخل لقضية طفت على السّاحة العراقيّة بسبب المقالات و الكتابات و المؤلفات التي وصل عدد كُتّابها لأكثر من 50 ألف كاتب .. و هو رقم هائل لم نشهده في أعظم الدول كأمريكا و روسيا و الصين و إيران التي تعتبر منبع الفكر و الثقافة و الأدب!

و لو حكّمنا المقياس الفلسفي الكوني كمعيار لتقييم الكُتّاب و المقالات أو حتى الرسائل الجامعيّة و الحوزويّة التي من خلالها تعطى درجة الأجتهاد التي تعادل (الدكتوراه) الأكاديمية لرأينا المصائب و العجائب و الفوضى الفكريّة و العلميّة بشكل رهيب!

لذلك فأننا نكاد لا نرى بحثاً جديداً أو مقالاً مُنتجاً أو رسالة مبدعة في مجال من المجالات يطرح أسساً و معادلات و أفكار و نظريات مُبدعة يمكن أن تسبب تقدّم البلد و هذا ما يشهده الجميع على أرض الواقع و على كل صعيد!

أما على مستوى المقالات و الكُتب؛ فحدّث و لا حرج لأنّ معظمها لا تعيش أكثر من ساعة أو يوم في أفضل الحالات و تدخل ضمن المُجترّات و المقالات المكررة مع تغييرات طفيفة و نسبية بين هذا و ذاك .. و هكذا حال الرّوائيّون و الشعراء و الأدباء .. و علّة العلل في هذا الفساد الأخطر من الفساد المالي؛ هو الفساد الفكريّ – الفلسفي – العقائدي حيث أن كُتّابنا و شعرائنا و أدبائنا أنفسهم لم يعوا الدّروس و العقائد الكونيّة و الموضوعات الفكرية التي يطلعون عليها, و لم يهضموا أهدافها و غاياتها لفقدان الأساسات الروحية و الفكريّة التي حدّدتها الفلسفة الكونية .. فليس بآلضرورة و الامكان أن تعي و تُترجم ما تقرأ و تدعيّ العلم و الأستادية و الوعي حتى لو عكسته عن طريق الكتابة أو الخطابة كبحث و كمقال و موضوع أو حتى كرواية أو قصيدة؛ ما لم تقم بتدريسه و تعليمه للآخرين لوعيه و العمل به, و عندها يمكن القول أنك علمت الموضوع و وعيته حقاً!

و يُمكنك تَنمية و توسيع مداركك و طاقاتك الحقيقيّة بآلمُدارسة و النقاش الأيجابي ألمنتج و المثمر طبق قواعد الحوار و أدب الحديث و تطبيقه لتكون مؤثراً في واقع الآخرين .. لا مُتأثّراً بهم و كما هو حال الكُتّاب و الشّعراء و الأدباء آلآن و حتى فيما سبق بحسب القراآت و الموازيين الكونيّة و الشهادات الواقعيّة, و إلا لما آل الواقع إلى ما هو عليه الآن من التحلل و الفساد و كل أنواع الأخلاق المشينة و أولها الكذب و النفاق.

من أهم الفراغات الكبيرة التي تسببت في هذا المصير؛ برامج التربية و التعليم في جميع المراحل الدراسية.
إنتشار الدين و التأكيد على الفروع و الجزئيات من دون الأصل المتمثل بآلولاية, بل تمّ التأكيد على الأحكام الفقيهة الشخصيّة و التركيز للعمق من دون مراعاة الأهم ثم المهم أو معرفة ما هو الاهم و الأولى كمعرفة النفي و جواب الأسئلة الستة بجانب معرفة المحبة كأساس للوجود.

وسائل الأعلام و الثقافة الشكلية ألشّعرية الشهويّة بآلأضافة إلى التقليدية التي تُركّز عليها لتجميلها و تزويقها, و التي إنتشرت بشكل لا يصدق نتيجة التسطح الفكري ممّا جعلوا الناس كآلعميان هدفهم و سعيهم الوحيد هو كسب المعيشة دون معرفة السبب و الهدف من الكسب, ألمهم يضمن راتباً لملأ غرائزه ثم إفراغها خلسة.

و في مقابل تلك الأسباب .. يأتي فقدان أهل الفكر و العلم الحقيقيّ للبرنامج و المنهج العلميّ الذي على أساسه يتمّ التخطيط و العمل بحسب الخطط الستراتيجيّة ألمُعدّة و آلتي يجب أن تربط بعضها ببعض لتكون النتائج متكاملة و مثمرة, يعني تحقق حالة (الأوبتمم), و من هنا أكّدنا و نؤكد للواعيين من العلماء المخلصين بضرورة فتح المنتديات و المراكز الثقافيّة بحسب البيانات الكونية و فلسفتها لنشر الفكر و الثقافة و المحبة بين الناس ألذين إن بقوا على الحال؛ فأن المصائب ستزداد إضطراداً و كما يشهد ذلك كل متابع حاذق.

من آلمسائل الأخرى التي تدعم عمليّة البناء الفكري و الأنتاج العلميّ و تطوير المناهج ؛ هي إختيار الموضوعات المناسبة و المعمّقة و المُتسقة و المطلوبة مع عملية البناء و الإعمار و حركة التطور و المجالات التي لم تطرح من قبل لسدّ الإحتياجات و تأمينها داخلياً.

و يتطلب ذلك؛ أن يكون الدستور(النظام) مبني على أسس الفلسفة الكونيّة ألعزيزيّة لا التنظيمات الحزبية التي دمرت عقول و قلوب الناس لأجل جيوب الرؤوساء, إلى جانب أن يكون ألرئيس و الوزير و المسؤول و المشرف على البرامج و الأنظمة من المسؤوليين و الوزراء و الرؤوساء الكبار (كرئيس الجمهورية و الوزراء و النواب و المستشارين و غيرهم) مخلصين و مُلمّين و قادرين على إدارة و ترشيد العمليات الإداريّة و الفنيّة و البرامج المرحلية المختلفة كونهم متخصصين فيها لا حزبيين, بحيث يكونوا الأقدر و الأكفأ و آلأخلص من كلّ الموجودين من ناحية القدرة و العلم و الأدارة و القيادة كفن و إختصاص لتنفيذ المشاريع خصوصاً الأمّ, لا كما هو الحال الآن حيث إن كل رئيس و وزير و محافظو برلماني لديه عشرات المعاونيين و المستشارين و المحلليين بجانب رؤوساء المكاتب و الخدم و الحشم و الموظفين و هم مجرد آلات صمّاء ممّا تسببوا و مهدوا للفساد و بآلعمق كنتيجة طبيعيةّ لفقدان البرامج التكنولوجية التي تستخدمها الدول المعتبرة مدنياً على الأقل, حيث لها دوائر مختصة بهذا الشأن!

في الدّول المتطورة تكنولوجيا و مدنيّاً ؛ رأيت الدّوائر الخدمية و الشركات الكبرى و المصانع الرئيسيّة و الشركات الأنتاجيّة خصوصاً الشركات الأمّ؛ تُنسّق مع الجّامعات و الأكاديميات و المراكز العلمية المعروفة لإستقطاب الطلاب ألعباقرة و النابغيين و المخترعين منهم بالاتفاق معهم بعقودٍ قانونية للخدمة في مؤسساتهم مقابل تأمين أجورهم و تكاليف دراستهم الجامعية طيلة فترة الدراسة و البحث حتى التخرج مع بعض الأمتيازات الخاصة, هذا إلى جانب التنسيق الكلي مع برامج الجامعة بشأن متطلبات سوق العمل و الشركات للأختصاصات المعنية .. و الجدير ذكره أيضاً ؛

إن منصب الرئيس و بعض المسؤوليات و المناصب الهامة في الحكومة الأمريكية و الكندية و حتى الشركات الكبيرة و المستشفيات مثلاً يُفضّلون على العموم توظيف و إستخدام خريجي جامعة هارفارد و تورنتو و كولمبيا و ربما واشنطن بحيث بات كشرط أساسيّ في أغلب الحالات و المناصب الحساسة و المصيرية التي ترتبط بها مصير الناس و حياتهم.

أما في بلادنا و منها العراق بآلذّات فقد حدث نفس الشيئ في آلتّقيم و التعيين و ترتيب النظام و رئاسة المؤسسات و الوزارات .. لكن بآلمقلوب و بالعكس و آلخطأ تماماً, بسبب المحاصصة و الحزبيات و العنصريات و القوميات و العشائريات التي دمّرت أساس الحضارة والمدنية و حتى أواصر الثقة والعلاقات الاجتماعية بين الناس وغيرها من الأمور على كل صعيد!

و قد شهدت بنفسي قبل 2003م أيضا ؛ كيف إن جلاوزة النظام البعثي و قتها كانوا يأتون للجّامعات و يتصلون بآلأدارة و بآلأتحاد الوطني لأنتخاب آلطلاب البارزين لإستخدامهم للعمل بعد توقيع عقود معهم مقابل المغريات و الأمتيازات و الرواتب المختلفة و المستمرة لهم حتى التخرج مع سيارة فرنسية من نوع (بيجو 404) بآلأضافة إلى بيت مجهز يسلم له بعد التخرج .. بشرط أن يتطوع للخدمة في سلك المخابرات و الأجهزة ألامنية الصدامية العامة و الخاصة, بآلطبع لا لبناء الوطن و خدمة الناس و أمنهم .. بل العكس .. لملاحقة و متابعة المواطنيين للحفاظ على أمن النظام و مسؤولي السلطة لا المواطن, و كنتُ من الذين إتصلوا بي أيام الجامعة عن طريق صديق كان يَوِدّني رغم إني لم أنتمي للبعث و ما زلت أ تذكر أسمه للآن وهو وليد خالد فلاح لأن وجوده بآلتأكيد لا محل له بسبب الحروب و المؤآمرات الصدامية, حيث رفضت عرضه على الفور و قلت له ؛ هل تريدنا أن نقضي حياتنا تحت أمرة ضابط … أو مسؤول بدوي … كعلي حسن المجيد و حسين كامل و هاشم حسن المجيد؟

ثمّ ماذا ستفعل ؛ هل سنجري التجارب التكنولوجيّة؟
هل سنكشف أليكترون محايد للأليكترون الأساسي؟
هل سنطور البلد و نتقدم بإدارة و سلطة الظالمين؟
أم ماذا ؟
قال : لا هذا و لا ذاك .. لاجل الرواتب و الأمتيازات التي يحلم بها أيّ عراقي!
وهكذا تعلم العراقي و إلى يومنا هذا على هذا النمط .. أضيف له بسبب ثقافة الأحزاب المتحاصصة ما هو الأمرّ و الأتعس,بحيث وصل الأمر لأن يقتل المتسلط المتحاصص اليوم أي صوت معارض و كما كان يفعل صدام لمجرد إعلان معارضته

و هكذا نتيجة تلك السياسات؛ حلّت المآسي و إستمرت في أوساطنا , حين سار المتحاصصون بسبب الأميّة الفكريّة بعد زوال البعث على نفس النهج من دون تغيير ليهدروا و يسرقوا المليارات ألنقدية من دون طائل و فائدة و إنتاج و بناء و ما زالت بحدود 400 مليار دولار أمريكي مكدّس في دول الخليج و الأردن و غيرها بآلأضافة للأموال التي سرقها رؤوساء الحكومات العشرة التي تعاقبت بعد سقوط صدام, و سيستمر الوضع على هذا المنوال .. ما دام الرّؤوساء و الوزراء و المسؤوليين والنواب خصوصا الكبار؛ يتعيّنون بآلمحاصصة و الشعب العراقي المسكين يصفق لهم : [بآلروح .. بآلدم .. نفديك يا حزبي .. يا عفــ… و علة العلل تكمن في فقدان العراق للفكر و الثقافة بسبب تلك الأحزاب الجاهلية باسم الدعوة و الأسلام و الوطنية و القومية “ألتقدميّة”!!!

من هنا جاء تأكيدنا على أهمية و ضرورة تأسيس ألمنتديات الفكريّة – الثقافية – العلميّة لتكرير المعلومات و تمحيصها و دراستها و تجربتها و صقلها لأجل الأجيال القادمة التي هي الأخرى سُرقت .. و يكون خلاصهم بإعداد المثقفين القادرين على سير دفة الحكم بما يرضي الله لا نفوس المتحزبين المتحاصصين الفاسدين الذين يأكلون حقوق الفقراء و يعتبرونها جهاداً, و بذلك فقط يتحقق المراد الكونيّ من قضية الخلق و بناء الوطن من أجل الأنسان ألذي لا بد و أن يتحمّل وزر التغيير و الجهاد من أجل نشر آلفكر و المعرفة الحقيقية .. للتهيأ و آلبدء بآلأسفار المختلفة الأرضية و السماويّة و الله المعشوق من وراء القصد.

العارف الحكيم عزيز الخزرجي