سبحان مغير الأحوال!‏

علي الكاش
اهداء الي رئيس مجلس الوزراء العراقي الجديد محمد شياع السوداني قول الشاعر الأندلسي ابو ‏الربيع القضاعي:‏
هبك كما تدّعي وزيرا … وزير من أنت يا وزير؟
والله ما للأمير معنى … فكيف من وزّر الأمير؟
‏(الإحاطة في أخبار غرناطة4/278). (البيان المغرب3/147). (الذخيرة1/499).‏
وأقول: وطني سائر الى عمق الهاوية يا لبيب بخطى ثابتة ولم يعد في الأمر ريب
إستذكرت مقوله للرحالة الفرنسي تافرنييه تتعلق بزيارة (الحجيج الايرانيين) الى كربلاء في مناسبة ‏عاشوراء وغيرها، وعلاقة تلك المقولة بزيارة الايرانيين لكربلاء بمناسبة عاشوراء عام 2022 ‏عندما سمح لهم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بالزيارة دون دفع رسوم الدخول (سمات الدخول) ‏المقررة، ودون إصطحاب جوزات سفر او مستمسكات ثبوتية، بل دون تسجيل اسمائهم في المراكز ‏الحدودية، وتدقيق من هو الإيراني من غيره، ومن هو تاجر مخدرات، او معرفة نساء أتين لغرض ‏زواج المتعة، او هناك من جاء لغرض التجسس او الكدية او دعم الميليشيات الولائية ـ وقت إشتداد ‏الأزمة بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري ـ وهناك من جاء لغرض الإقامة الدائمة في بلد خالي ‏من القوانين ولغرض التغيير الديمغرافي، والبعض مجرمون وارهابيون هربوا من السلطات ‏الايرانية ولجأووا الى العراق، والبعض من عناصر المعارضة الايرانية الذين جاءوا للعراق ‏كلاجئين، ومنهم مخربين ودواعش جاءوا للإخلال بالأمن الهش في العراق والقيام بعمليات ‏ارهابية، وربما البعض منهم محرمون عراقيون عادوا الى العراق للإلتقاء بأهلهم والعودة مرة ثانية ‏الى ايران، فهذه فرصة ذهبية لهم وهلم جرا. ‏
أخبرني أحد ضباط سيطرة حدودية في محافزة ديالى انه العام الماضي ” كان بعض الايرانيين ‏يحملون نسخ من القرآن كبيرة الحجم، واستغربت من هذه الحالة، فقرآن الفرس الشاهنامة وليس ‏القرآن الكريم، ففتحت أحد النسخ، ووجدت الأوراق محفورة من الداخل، والنسخة مجوفة وفيها ‏كيس من المخدرات”، طبعا هناك حالات أخرى كشفها لنا الضابط العراقي، وعندما سألته عن ‏الإجراء، قال: صادرنا الكمية وأطلقنا سراح المتهم حسب الأوامر التي
‏ صدرت لي من مرجعي الأعلى.‏
الحاج الايراني محضوظ لا يوجد له مثيل في كل انحاء العالم، حتى حجاج بيت الله الحرام لا ‏يحظون بالمميزات التي يحصل عليها في (حجه) لكربلاء، ولا توجد في العالم كله سياحة دينية ‏تخسر الدولة المليارات من الدولارات، علاوة على الفوضى والخلل الأمني وبقية المشاكل ‏الاجتماعية والاقتصادية والخدمية التي تصاحب الزيارة كل عام، لو افترضنا ان كل زائر دفع ‏‏(50) دولارا لسمة الدخول، وهم يزعموا ان عدد الزائرين (20) مليون وهذا كذب واضح فمدينة ‏كربلاء صغيرة ولا تستوعب اكثر من مليون شخص، ولكنها مغالاة الشيعة لا أكثر، لكان الإيراد ‏المالي (100.000.000) دولار لخزينة الدولة، علاوة على تنشيط دورة الإقتصاد من خلال ‏نفقات الزوار الايرانيين والأجانب على الزيارة.‏
والأغرب منه ان العراق بلا سيادة خلال زيارة عاشوراء، فالطاقم الأمني الإيراني هو الذي ‏يصاحب الزوراء الايرانيين ويقوم بحمايتهم، وليس قوى الأمن العراقية التي تزيد عن (مليون ‏عنصر)، هؤلاء مجرد متفرجين مع انهم يكلفوا الدولة المليارات من الدولارات سنويا ولا يجرأوا ‏حتى على وقف النزاعات العشائرية، جيش دمج معظم عناصره من الميليشيات الولائية، وزيره ‏سنى ولكنه ولائي ايضا، جيش الدمج أشبه ما يكون بمشجعي كرة القدم، أسس لغرض المشاهدة، ‏وتدليك أقدام الزوار الايرانيين، وحمل صواني الطعام على رؤسهم الخاوية.‏
أنموذج لغرض المقارنة
في أبشع صورة تداولتها شبكات التواصل الاجتماعي تدل بما لا يقبل الشك على إنتهاك شرف ‏العسكرية في العراق، فقد ظهر العميد (حيدر جليل) مدير شرطة قضاء الخالص في محافظة ديالى ‏وهو في ملابسه العسكرية يضرب ظهره بالزناجيل في عاشوراء، لا إعتراض على ممارسة هذا ‏الضابط الأرعن هذه الأعمال السادية لو جرى الضرب بملابس مدنية، ولكن بملابس ورتبة ‏عسكرية فهذا أمر يوجع القلب، ولم يحدث في تأريخ العراق، هذا هو العراق الشيعي يا عرب، ‏إفهموا الدرس والا كان مصير بلادكم كمصير العراق الكارثي، فلا شرف للعسكرية والرتب ‏والمناصب، عندما يحكم السفلة، ويتحكموا بمقدرات الأمة، هذه هي النتيجة الحتمية.. أسفي على ‏الجيش العراقي قبل عام 2003.‏
لاحظ هذه المفارقة، كتب الأستاذ الفاضل الفريق الركن محمد نجم الدين النقشبندي مقالة رائعة في ‏موقع الكاردينيا بعنوان ( ما هي الإستراتيجية، وكيف ينبغي تدريسها في القرن 21)، نشرت في ‏‏18/9/2022 وعلق على تلك المقالة الرصينة إثنان من قادة الجيش العراقي السابق الأبطال، ‏وهما (اللواء الركن فؤاد حسين علي) و(د. سعد العبيدي)، ليس الأمر يخص التعليق فحسب وانما ‏جميعهم حاليا منقاعدون، لكنهما خاطبا السيد الفريق النقشبندي بكلمة (سيدي). هذه هي العسكرية ‏الحقة، والضبط العسكري حتى في حالة التقاعد، نرفع القبعات تحية وإعتزازا بالجيش العراقي ‏السابق، جيش القادسية الثانية البطل، وننزلها لجيش الدمج والميليشيات بل ونسحقها بالأحذية.‏
على طول الطريق من الحدود العراقية الى كربلاء، توجد خيم للنوم والراحة وطعام وشراب يقدم ‏للزوار الايرانيين مجانا، ووسائط نقل مجانية، علاوة على طواقم طبية وعناصر من الجيش العراق ‏الدمج يدلكون أقدامهم القذرة، والبعص يقبلها، او يقبل الحذاء، لا فرق بينهما في الواقع. البارحة ‏جرعناهم كأس السم، واليوم ندلك أرجلهم الوسخة ونقبلها، سبحان مغير الأوضاع!‏
لوفرضت رسوم على الزوار الايرانيين للحصول على السمات، ولو يتحملوا تكاليف النقل والسفر ‏والإقامة في كربلاء، لوجدت الملايين من الزوار تتحول الى آلاف فقط.‏
ما قاله الرحالة تافرنية يتعلق ايضا بالزوار الايرانيين لكربلاء، بقوله” مع ان الفرس يكرمون عليا ‏تكريما بالغا، فهم قلما يحجون الى ضريحه، والسبب في ذلك هو ان الطريق التي يسلكونها قاصدين ‏زيارة الضريح، لابد ان تمرٌ ببغداد، وهي تحت حكم السلطان العثماني، وعلى كل حاج حينذاك ان ‏يدفع رسما قدره (ثمانية قروش)، وهو أمر لم يكن ملك فارس ليرتاح اليه، ان الشاه عباس ‏‏(1585 ـ 1628 م) كان يرى من المهانة أن تدفع رعيته مالا الى الترك، فعمد الى صرفهم عن ‏هذه الزيارة بغيرها، ذلك انه عمر مزارا في مشهد (فاطمة المعصومة) على الطريق من تبريز ‏الى قندهار”. (رحلة تافرنييه/24). طبعا هذه المعصومة هي فتاة مراهقة ماتت في الطريق ودفنت ‏في مشهد، ولا نفهم من اين جاءت لها العصمة وما الفائدة منها؟
يذكر اسحق نقاش ” منذ عام 1920 طلب وزير الخارجية الايراني من الحكومة البريطانية ‏تفويض الشاه بتعيين كبار المسئولين في العتبات المقدسة في كربلاء والنجف. وفي عام 1925 ‏ربطت ايران اعترافها بالعراق بأن تتولى هي حماية العتبات المقدسة. وبعد ان فشلت في ذلك ‏اشرطت بعدم تدخل الحكومة العراقية في إدارة العتبات المقدسة الا بعد الرجوع الى المجتهدين ‏واخذ موافقتهم بذلك”. (شيعة العراق/182). ويضيف” أبان الحكم العثماني كان المطبرين ‏والمتسوطين الفرس يستعرضون مراسيم العزء أمام القنصل العام الإيراني لتأكيد هويتهم ‏ومراسيمهم الفارسية. في حين مواكب العرب تؤديها أمام سادن الحضرة. وفي سنة 1921 حضر ‏الملك فيصل مواكب 10 محرم في الكاظمين. وفي الوقت الذي حاول فيه محمد الصدر اقناع ‏المواكب العربية والفارسية بالإستعراض امام الملك فيصل فان المواكب العربية وافقت لكن ‏المواكب الفارسية رفضت، واستعرضت امام القنصل العام الإيراني لعدم اعترافها بالملك”. ‏‏(المصادر السالق). لا نعتقد الكلام يحتاج الى تعليق، فالحاضر تأكيد للماضي.‏
‏ لكن لماذا يعزف زعماء العراق دائما بما يطرب اسماع الملالي في ايران فقط؟ قال الشاعر:‏
ولو كان همّا واحدا لبكيته ولكنّه همّ وثان وثالث
‏(الإحاطة في أخبار غرناطة4/433).‏

الخاتمة
البارحة جرعناهم السم الزعاف، واليوم ندلك ونقبل أقدام الأجلاف

علي الكاش