رواية تشيخوف ” المغفلة ” — درس في التغييرالأصلاحي!؟
عبدالجبارنوري
في رواية تشيجوف ” المغفلة ” واحدة من أروع الروايات القصيرة في تأريخ الأدب العالمي ، وأنطون تشيخوف من كبار الأدباء الروس على مدى التأريخ في صناعة القصص القصيرة إلى جانب أستمراره بمهنة الطب بتشخيص أمراض المجتمع وبحبكة سردية يظهر نفسه بعدة شخوص ليغيير مجرى الحوار لصالحه فهو يبدو في الرواية هذه دكتاتوريا وسيدا وحاكما مستبدا ثم مصلحا وواعظا وبالنهاية فهو الكاتب والروائي الروسي البارع ” أنطون تشيخوف ” .
وهو صاحب الدرس التربوي الثوري التصحيحي التعليمي للأنسان والذي هو أثمن رأس مال ويختم روايته الفذة بهذه العبارة الخالدة مدى الدهور{ ما أصعب أن تحيا ضعيفاً في هذه الدنيا } يحثُ بها المتلقي برفض الخنوع والقبول بالمسكنة والذلة والأستسلام ، فهو يرفض الأنسان الضعيف يحثُ على الثورة والتغيير بطريقة غير مباشرة ، وفي مجمل رواياته كان قريباً من طبقة الكادحين والفقراء وشغيلة اليد والفكر والمستضعفين والمظلومين .
سيدي تشيخوف أن بطلة روايتك ( يوليا فاسيليفنا ) ليست الوحيدة التي خضعت للظلم بمحض أرادتها فالشعوب العربية هي الأخرى شربت من كأس الفاشية والنظم الشمولية حتى الثمالة تنازلوا عن حقوقهم بصمت وشكروا حكوماتهم ورضوا بالفتات .
وجدتُ أجمل ما في هذه القصة أستعمال الرمزية في عدم التسمية لصاحب البيت متعمدا لعدم أستحقاقه أي أسم ينادى به وبالتالي يجعل المتلقي يكتشف قصدهُ ” زرع بذرة الثورة والتمرد على الواقع ” عندما صرخ بوجه المربية ( يوليا): هل ممكن أن تكوني عاجزة إلى هذه الدرجة ؟ لماذا لا تحتجين ؟ لماذا تسكتين ؟ وهل يمكن في هذه الدنيا الآ تكوني حادة الأنياب !؟ فهي كلمات محفزة مشجعة للتمرد ، ربما حفظ شبابنا التشرينيين درس المربي الثائر تشيخوف ” وصرخوا عالياً بهذا الشعار الثوري التصحيحي { أنزل آخذ حقي } !؟
وثمة ظاهرة معاناة الأنسان الصغير أو الأنسان المسحوق برزت لامعة في سرديات الأدب الروسي ، أمثال تشيخوف في قصصه القصيرة المغفلة و البدين والنحيف التراجيدية الساخرة ، وناظر المحطة لبوشكين ، والمعطف لغوغول ، والمساكين لدستويفسكي— وضمن هذا التيار الأصلاحي الثوري سوف أستعرض قصة تشيخوف القصيرة ” المغفلة ” التي تقوم أصلاً على نظرية مفهوم الصراع الطبقي الذي يكون ملازماً لحتمية التأريخ في التغيير بصناعة هذا الأديب الفذ يتمثل بجمال الفكرة مع رشاقة السرد والميل لمبدأ الصراع الطبقي بترويض النص السردي في مركز الأعصار الذي هو الذات البشرية ، وبما أنهُ كان طبيباً بالأصل فلا غرابة أن يستعمل المبضع في تشخيص أمراض المجتمع ببراعة فائقة وأن يقوم بتشريح الذات البشرية سايكولوجياُ برافعة قيمية لأخلاقيات الثورات الأصلاحية في ( رفض الخنوع مقروناً بترويض الذات البشرية نبذ القسوة المفرطة بأحاطة الرواية بهالة من التشويق .
والمفارقة تجد تشسيخوف يستعمل قيمة ( الأجر ) أي النقود كمعيار للتغيير في تصوير الذات البشسرية في مبدأ رفض الظلم جعل تشيخوف الصراع الطبقي ركيزتهُ لوجود طبقتين ( البورجوازية والعمال ) والغريب أيضاً هنا أن الطبقة البورجوازية هي من تحرك عقل العاملة يوليا للمطالبة بحقوقها أي صراع الأضداد ( الدياليكتيك لفريدريك هيغل ) .
الدرس القاسي في قصة المغفلة
{ أجرى تشيخوف لقاءاً أو حواراً تراجيديا مأساوياً مرّاً (بأعتقادي ) مع مربية أطفاله ( يوليا فاسيليفنا ) وأعّدّ لها درساً قاسياً ليختبر قوّة أعصابها ، وتبيان مدى تأثير جرعات الصراع الطبقي في عندياتها ، وهل هي مستعدة وراغبة في التغير؟ أم أنها وطبقتها المسحوقة مقتنعة بالكفاف والمسكنة ! :
{ لقد أتفقنا على أن يكون مرتبك 30 روبل ، قالت 40 ، رد عليها بتأنيب : يا ( يوليا ) أنهُ مسجل عندي ، المهم أنّكِ أشتغلتِ شهرين فقط ، ردت يوليا هامسة وبخجل شهرين وخمسة أيام سيدي ، وكرر أنّهُ مسجل عندي ، أذن تستحقين 60 روبل تخصم منها :
9 روبلات لتسعة أيام آحاد . 2 روبل لكسرك فنجان وطبق . 12 روبل لثلاثة أعياد . 10 بسبب تقصيركِ لتسلق الولد الشجرة وتمزقت سترته . 5 روبلات بسبب تقصيرك أيضاً سرقت الخادمة حذاء الطفلة . 10 روبلات أخذتِ مني سلفة في يناير الماضي — هنا همست يوليا لم آخذ ! وكرر السيد أنه مسجل عندي —- المهم مجموع الخصم 48 روبل — وهنا أحمرّ وجهها وظهرت حبات العرق على أنفها الطويل الجميل ، وأغرورقت عيناها بالدموع وقالت بصوت متهدج وحزين مليء بالأنكسار : أنا لم آخذ سلفة سوى 3 روبلات من حرمكم ، أنتفض السيد حقاً؟ أنا لم أكتبه أذن أصبح مجموع الخصم 51 بقي لك عندي 9 تسعة روبلات فقط ، فتناولتها وقالت : ” شكرا ” سيدي .
وهنا أنتفض السيد وأستولى عليه الغضب وهو يردد ياللشيطان ( على ماذا تشكرينني ؟؟) أنّي نهبتك ! وسرقتك وسلبتك ، فعلام تقولين شكرا ؟؟ قالت في أماكن أخرى لم يعطوني شيئاً ، قلت لم يعطوك ؟؟؟ أليس هذا غريبا !! لقد مزحتُ معك هذه نقودك الثمانين في المظروف جهزتها لك مع درس قاسٍ لك أن لا تكوني عاجزة ، أحتجي ، لا تستكيني بل يحتاج أن يكون لك أنيابٌ حادة— وقالت بصوتٍ واضخ ” يمكن ” وسألتها الصفح ، وتمتمتُ مع ذاتي ( ما أبشع أن يكون الأنسان ضعيفاً في هذه الدنيا ) نص ( كتاب المغفلة تأليف أنطون تشيخوف – مترجم )
وليسمح لي الكاتب العبقري ” تشيخوف ” بأستنساخ قصته القصيرة هذه على ما جرى ويجري في طننا العراق وبسردية أطول قصة ولا تزال أحداثها المأساوية تجري منذ 2003 ولحد الساعة وأضنها لم تنتهي أحداثها بعد ! وتقسيم الأدوار : بحكومات المحاصصة الطائفية والأثنية وغياب المؤسساتية في نظام (اللادولة ) التي تمثل دور الكاتب الروائي ، والشعب العراقي دور المغفل ، وأستحقاق الشعب بميزانية مليارية في كل عام حوالي 110 مليار دولار أمريكي ، ولكنه خرج صفر اليدين بميزانية خاوية ، وبثالوث الفناء ( المرض والفقر والجهل ) ومادا يده للقروض الدولية ، ووقع صيدا سهلا تحت تأثير مخدر الديماغوجية بالوعود الكاذبة المؤطرة بالخُدع السرابية الموهومة ، وهو الأخرتجلبب الخنوع والمسكنة والقبول بحكومة الفاشية والشمولية ولمدة 35 عاما ، التي أدخلت العراق في حروب عبثية أستنزفت شبابه وحصار دولي ظالم أستنزف الأخضر واليابس والمحصلة النهائية كان نصيبه السكوت ؟! .

وتحية لأنطون تشيكوف في روايته المتألقة والرائعة ” المغفلة ” والتي أخضعها للصراع الطبقي بمغزى ثوري جدي { أن الحياة للأقوياء والشجعان لا مكان فيها للضعفاء والمغفلين ، وهي تمثل براعة الحبكة عند تشيخوف في هيكلة القصة أنسنة وحبا وجمالا ، والشكر لهُ خصوصا عندما جعل نهاية القصة مفتوحة للقارئ ، لأقول :
نعم سيدي الحياة للشجعان لا مكان للضعفاء ، إن (أرخنة) الأحداث في وطني تفرض عليّ كشاهد حي مخضرم أن أستذكر موروثات أسلافي القيمية أخلاقية في الأباء والكرامة وأختيار طريق التضحية بالرغم من أن قواعد الأشتباك مع المستعمر وحكومات الفاشية الظلامية ليست بصالح شعبنا لغياب التكافؤ اللوجيستي والعسكري فأختار طريق التحدي والتحريرببيرق المهوال الشعري وباللهجة الفراتية للتحفيز للتغيير{ ها — كل حي بالدنيا عليه موته !؟ } وهذه بعض الأنتفاضات التي نفتخر بها
–ثورة العشرين 1920
-أنتفاضة 1952
– الأنتفاضة الشعبانية 1991
-أنتفاضة تشرين 1 تشرين أول 2019
كاتب وباحث عراقي مقيم في السويد
كانون ثاني 2022