د. فالح الحجية :

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله :
قلت في الشذرة الثالثة من هذه الشذرات المباركة ان النبي صلى الله عليه وسلم بقي ثلاث سنوات صابرا في دعوته و سريتها وانفراديتها وفي هذه المدة دخل في الاسلام اعداد من قريش ومن غيرها وصارت دعوته معروفة في قريش وقد تعرض بعض المؤمنين للاعتداء ولربما للتعذيب الا انهم لم يبالوا وخلال هذه الفترة كانت قد تهيأت لها الظروف والاجواء المناسبة لأ ظهارها علنية وقد نزل من القرآن الكريم ما يوضح السبيل امام الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم في كيفية الدعوة وانجاحها . قال الله تعالى:
( وانذر عشيرتك الأقربين * واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين* فان عصوك فقل اني بريء مما تعملون* ) الشعراء 214-216 .

فتوجه النبي صلى الله عليه وسلم الى بني هاشم وبعض بني المطلب في اول الدعوة علانية فجمعهم وخطب فيهم فحمد الله تعالى وتشهد بالشهادتين ( اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ) وقال :
-( ان الرائد لا يكذب اهله . والله لو كذبت الناس جميعا ما كاذبتكم ولو غررت الناس جميعا ما غررتكم والله الذي لا اله الا هو اني رسول الله اليكم خاصة والى الناس كافة . والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ولتحاسبن بما تعملون ولتجزون بالاحسان احسانا وبالسوء سوءا وانها الجنة ابدا او النار ابدا ) .

وكان كل الحضور تكلموا بكلام طيب الا عمه ابو لهب فقد تكلم بشدة لمنعه من مواصلة الامر غير ان ابا طالب عمه أيده ووقف بوجه كل من يحاول صده او يقف في سبيل نشر دعوته .

و كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يطوف في الكعبة المشرفة ويصلي في المسجد الحرام على مسمع ومرأى من كل القرشيين .

وما هي الا ايام من اجتماع الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم باقاربه حتى صعد الى اعلى قمة في جبل الصفا المجاور للبيت الحرام والكعبة المشرفة ثم وقف هاتفا :
( يا صباحاه ….)
وهذه الكلمة كانت تعني لاهل مكة الانذار او تخبرهم بخطر يدهم مدينتهم كهجوم جيش عليها او وقوع امر عظيم فهرع اهل مكة الى استجابة النداء وليستكشفوا الخبر من الهاتف فعلموا انه محمد فلما اجتمع الكثير اخذ ينادي او يهتف بالقبائل باسمائهم ثم خطب فيهم قائلا :

– ( ايها الناس ارأيتكم لو اخبرتكم ان خيلا بالوادي بسفح هذا الجبل تريد ان تغير عليكم ا كنتم مصدقي)؟
اجابوا : نعم ما جربنا عليك الا صدقا .
فقال صلى الله عليه وسلم :
( فاني نذير لكم بين يدي عذاب شديد . انما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يربأ اهله )
فخشي ان يسبقوه الى الكلام فجعل ينادي:
( ياصباحاه . يامعشر قريش اشتروا انفسكم من الله انقذوا انفسكم من النار فاني لا املك لكم ضرا ولا نفعا ولا اغني عنكم من الله شيئا )
ثم اخذ ينادي على القبائل والبيوتات الحاضرة وغير الحاضرة باسمائهم :
– ( يابني…. انقذوا انفسكم من النار)
حتى انتهى بنداء اقاربه باسمائهم ( ياعباس بن عبد المطلب لا اغني عنك من الله شيئا …
ياصفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله لا اغني عنك من الله شيئا
يافاطمة بنت محمد رسول الله سليني بما شئت انقذي نفسك من النار لا اغني عنك من الله شيئا…)
ثم توجه الى الجميع فقال:
– ( غير ان لكم رحما سأبلها ببلالها)- أي ساصلها حسب حقها.

بهذا يكون قد انذر القريب والبعيد من القرشيين في مكة ومن معهم انذارا عاما وعلنيا . و بدء النبي صلى الله عليه وسلم يجاهر في دعوته ويدعو الناس الى الاسلام ويتلو عليهم مانزل عليه من القران الكريم:
– ( ياقوم اعبدوا الله مالكم من اله غيره )
ويعبد الله تعالى اما م اعينهم جهارا فلقيت دعوته قبولا لدى بعض القرشيين وغيرهم ودخل في الاسلام عدد من القرشيين ومن غيرهم وكثر عدد المسلمين مما اثار الحفيظة و التباغض بين من دخل في الاسلام وبين المشركين .

كان المسلمون يتعبدون في بيت الارقم بن ابي الارقم في مكة ومما يذكر ان اسلام ثلاثة اشخاص في سرية الدعوة الاسلامية كان لهم اثرا كبيرا في امر الدعوة الاسلامية وعلانيتها :

– فاول هؤلاء الرجال ابو بكرالصديق فقد كان من رؤساء تيم كان رجلا عفيفا كريما جوادا معظما في جاهليته عليما بانساب القبائل العربية وايام العرب ذا مال ووجاهة في قريش وكان صديقا حميما لمحمد صلى الله عليه وسلم . اسلم في اليوم الاول للدعوة الاسلامية في يوم مبعث الرسول الكريم امن به دون تردد وصدقه دعوته وكان الساعد الايمن للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وكان يقصده الناس لعلمه وخلقه وفضله وحسن معاملته في تجارته فدعا اصدقاءه للاسلام فآ من فضلاء من قريش منهم عثمان بن عفان الاموي و عبد الرحمن بن عوف الزهري وسعد بن ابي وقاص والزبير بن العوام و طلحة بن عبيد الله التيمي فقد اتى بهم الى النبي صلى الله عليه وسلم واسلموا جميعا.

وثانيهما حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم واخوه من الرضاعة واعز فتى في قريش واشجعهم واقواهم و كان اسلامه فضل من الله تعالى على المسلمين ودون قصد منه فقد روي ان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان عند جبل الصفا فمر به ابو جهل فآذاه ونال منه وقيل ان ابا جهل اخذ حجرا بيده فضرب به النبي محمد صلى الله عليه وسلم فشج راسه ونزف دم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم . ثم ذهب الى نادي قريش بجوار الكعبة المشرفة . وكانت ترقب الحالة مولاة عبد الله بن جدعان عن كثب من فوق سطح الدار فآلمها الامر . فلما مر الحمزة بن عبد المطلب وكان مقبلا من الصيد وبيده قوسه خرجت اليه واستوقفته واخبرته الامر كله فثارت ثائرته فذهب الحمزة يبحث عن ابي جهل حتى جاء اليه في النادي فشتمه و قائلا له:
– اتشتم ابن اخي وانا على دينه ؟؟

ثم ضربه بالقوس بيده فشجه شجا عميقا . فكان لسانه قد قال( وانا على دينه ) دون قصد ثم شرح الله تعالى صدره للاسلام فاسلم . وكا ن اسلامه في السنة السادسة من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم .

اما الاخر فهو عمر بن الخطاب. كان فتى فتيان قريش شجاعا ذا شكيمة لا يهاب احدا وكان شديد ا على المسلمين قبل اسلامه

قيل انه في ليلة من الليالي سمع سرا بعض ايات القران الكريم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الكعبة المشرفة فوقع في قلبه ان ماقرأه النبي من الحق . وفي احد الايام خرج متشوحا بسيفه قاصدا قتل الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم فلقيه رجل من معارفه فقال له:
– اين انت ذاهب ياعمر
فقال له عمر :
– ذاهب لأ قتل محمدا .
– قال له :
– وكيف تأمن بني هاشم ان قتلت محمدا
– فرد عليه عمر:
– ما اراك الا قد صبوت
– قال له:
– الا اخبرك باعجب من ذلك ؟
– قال له عمر :
– وما ذاك؟؟
– قال :
– اختك وزوجها قد صبأوا .

فتركه عمر وسار مسرعا الى بيت اخته ليرى صحة ذلك . وكان عندهما خباب بن الارت يعلمهما القران الكريم فلما سمع صوت عمر اختبأ في البيت وسترت اخته الصحيفة التي فيها آيات القران الكريم فلما دخل عمر البيت قال :
– ماهذه الهينمة التي سمعتها ؟
قالت اخته وزوجها :
– كنا نتحدث فيما بيننا .
قال لهما:
– فقد قيل لي انكما صبوتما .
فقال له زوج اخته
– ارايت ان كان الحق في غير دينك؟
فوثب عليه عمر وطرحه ارضا فجاءت اخته لترفعه عن زوجها فضربها على وجهها فأدماها فقالت له وهي غاضبة:
– ياعمر وان كا ن الحق في غير دينك ؟– اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله.
ندم عمر وخجل من اخته على ما فعل فيها وقال:
– اعطوني الذي عندكم لأقرأه
قالت له اخته:
– انك رجس و الذي عندنا لا يمسه الا المطهرون فقم واغتسل وسنعطيكه .
فاغتسل عمر ثم تناول الصحيفة وقرا فيها :
بسم الله الرحمن الرحيم (. طه * ما انزلنا عليك القران لتشقى – الى قوله (انني انا الله لا اله الا انا فاعبدني واقم الصلاة لذكري* … ) اربعة عشرة اية من سورة طه \1- 14
فقال ما احسن هذا الكلام واكرمه ؟ دلوني على محمد.
عند ذلك خرج خباب من مخبئه وقال له:
– ابشر ياعمر فاني ارجو ان تكون دعوة الرسول صلى الله عليه قد أ جيبت .
وكا ن النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا في ليلة الخميس:
– اللهم اعز الاسلام بأحد الر جلين اليك : بعمر بن الخطاب او بأبي جهل بن هشام –

وذكر له الخباب ان النبي صلى الله عليه وسلم موجود في دار الارقم بن ابي الارقم . فقصد عمر الدار ولما وصل ضرب الباب فأطل رجل من ثقب فيها فرأى عمر بن الخطاب متوشحا سيفه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم وابلغ المسلمين بذلك
فقال الحمزة عم النبي :
– مالكم ؟؟ .
قالو ا : عمر
فقال : افتحوا الباب فأن كان يريد خيرا بذلناه وان كان يريد شرا قتلناه بسيفه.

فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجرة فجذب عمرا جذبة آخذا بمجاميع ثوبه وسيفه
قائلا : (اما تنتهي ياعمر ؟؟)

ثم قال اللهم هذا عمر بن الخطاب اللهم اعز الاسلام بعمر ) .
فقال عمر بن الخطاب:( اشهد ان لااله الا الله واشهد انك رسول الله ). فكبر كل من في الدار تكبيرة بصوت عال سمعها من في المسجد الحرام . وكان اسلامه بعد اسلام الحمزة بثلاثة ايام .
وبعد اسلامه ذهب الى اشد الناس كراهة للمسلمين فذهب الى ابي جهل فقال له:
– جئت لاخبرك باني امنت بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم..
وذهب الى جميل بن معمر الجمحي فا خبره باسلامه فنادى جميل باعلى صوته : ان عمر صبأ
فقال عمر لمن سمعه: كذب لكنني اسلمت
وذهب الى خاله العاصي بن هاشم فاخبره باسلامه ثم دارت معركة بينه وبين عدد من المشركين فقاتلهم.

كان المسلمون يصلون سرا فلما اسلم الحمزة وتبعه بثلاثة ايام عمر بن الخطاب فقال عمر للنبي محمد صلى الله عليه وسلم :
– يارسول الله أ لسنا على الحق ان متنا وان حيينا ؟
قال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم :
– ( بلى)
– فقال عمر :
– ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لنخرجن .

فخرج المسلمون في صفين احمدهما يتقدمه الحمزة بن عبد المطلب والاخر يتقدمه عمر بن الخطاب حتى دخلوا المسجد الحرام وبهذا اصبحت الدعوة الاسلامية من ذلك اليوم علنية وجهرية .