صبحة بغورة :

 

ما أعجب أن ينتهي بها المشهد تماما كما بدأ مع تهالك لياليها المتعبة تحت وسادة وجعها ، هكذا نشأت »بهية » في بيت كانت هي أكبر أخوتها وكلهن بنات ، تنام وتقبع في زوايا حجرات قلبها الصغير أحلامها البعيدة ورغباتها البريئة، ويشاء العلي القدير أن يهب  أسرتها الذكر بعد شوق كبير فكان المدلل دائما ثم كبر وهو المسيطر الذي يأمر وينهي ولا يرد له مطلبا، تحملت بهية المسؤولية وهي لم تزل طفلة صغيرة وكان عليها أن تتحمل أيضا تصرفات أخيها العبثية والطائشة  حتى كادت تفقد حق التنفس أمامه عاد أخوها  يوما من المدرسة كعادته مسرعا وطلب منها أن تحضر له طبقه المفضل البطاطس المقلية المقرمشة ، ولكنها اعتذرت لأن موعد انصرافها إلى عملها قد حان وعليها أن تكون في الموعد ،

صرخ مناديا والده فأتاه مهرولا وأجبر بهية أن تحضر له ما طلبه قبل ذهابها إلى عملها بالرغم من أنها كانت قد أعدت طعام الغداء وأتمت تحضير المائدة ولكنه أصر على طلبه  فاضطربت وأسرعت وبدأت في التحضير وبينما هي تهم بوضع البطاطس في الزيت المغلي انقلبت المقلاة بين يديها فأحرق الزيت يديها وشوه جمالهما التي بهما كانت تساعد والدها وتعينه على توفير ما تحتاجه  أخواتها والمنزل ، التحدي الذي يملأ قلبها دفعها إلى الذهاب للعمل ، كان إصرارها كبيرا على أن تواصل الوقوف إلى جانب والديها في تنشئة أخواتها وأن تكافح من أجل إسعادهم ،

ومرت عليها الأيام متشابهة ، تراها دائما مهتمة بمحاولة تحقيق التوازن في معادلة إرضاء جميع أفراد العائلة ، وعلى صعوبته كانت تقابل طلباتهم بابتسامة عريضة حيث كانت تجد في ذلك متعة ،وكثيرا ما كانت مضطرة تحت ضغوط جائرة أن تلتحف وشاح الصمت وتشرع بوابة السمع ببلاهة وتدخل في شبه حالة تفقد فيها نبرات صوتها وتضيع ملامحها بين أصوات أخرى ولكنها تصبر على أمل أن تغمرها مياه الدهشة الباردة حينما تباغتها المفاجأة على مدرج العمر، ثم أتى ذلك اليوم الذي التقت فيه فارس أحلامها ، يعمل موظفا بإحدى الإدارات التابعة لجهة عملها ، استلطفته لما احترمت فيه أخلاقه الطيبة ، ثم تمتعت بأيامها وهي تعيش أجمل الحكايات التي كتبها لها القدر بشذى ورود الدنيا، وكان يبادلها نفس الاحترام والإعجاب الشديد ببريق عينيها التي امتلأت فرحا لا تخفيه نظراتها الآسرة ، لقد رأت فيه حلمها الملون الذي زرع الأمل بين ضلوعها ، عبر لها عن رغبته في التقدم  لخطبتها مقتنعا بأن سماحة شخصيتها تمكنها من التعايش مع كل أفراد عائلته ، وفي اليوم الموعود تأخرت بهية في تحضير ملابسها وزينتها وبينما هي منهمكة وأفراد العائلتين يتبادلون أطراف الحديث الباسم طلبت أمها أن تقوم أختها  » نرجس » باستدراك الموقف سريعا  فقامت بتقديم المشروبات والحلوى للحاضرين ، وما كادت تنتهي حتى حلت « بهية » وكانت على مسمى في أبهى حلة وأزهى زينة، ولكن المفاجأة كانت كبيرة وأصبحت كابوسا بمليون مخلب وألف رأس وكل رأس