Dr. Nabeel Al ameer:
مقال قد لا يُعجب البعض لكنه وجهة نظر ودعوة لكل المثقفين . . .

لنكتُب التاريخ من جديد

د. نبيل احمد الأمير

يرى الكثيرون أننا أمة بائسة تعيش في الماضي ، وتعتاش على الماضي وللماضي ، حاضرنا هو الماضي ، مقدّر لنا أن ندور في دوامة الماضي أو التاريخ ونجتر قصصه وصراعاته وبؤسه ولعناته ، فتختلط في رؤوسنا ونفوسنا الأحداث والأشخاص والعاطفة والمصلحة والدين والسلطة .
ونرى ونسمع الكثيرين يغضبون من هذا الواقع المرير ، وكم من الأصوات ترتفع صارخة “ياناس، الأمم الأخرى بلغت كذا وكذا ، واخترعت كذا وكذا . أليس حرياً بنا أن نلحق بركب الحضارات ، وننسى مآسي التاريخ وصراعاته …؟

لقد وصلنا التاريخ مكتوباً بأقلام بنو أميّة وبنو العباس وما جاء بعدهم من ممالك ودويلات ، حيث كان الحاكم يدوّن مايشتهي لتثبيت حكمه وفكره ودولته ، ليكون ماكتبه مرجعاً تاريخياً للأجيال اللاحقة . . ونادراً مافلت منهم كتاب وصل إلينا يوصف حالهم بواقعية وشفافية وعدالة . . لذلك نرى أن أغلب ماوصل لنا من التاريخ كان مشٙوّهاً بقدر كبير للواقع في حينه ، ومُشوِّها لكثير من الحقائق والرموز التاريخية والدينية والسياسية .
لذلك وجب علينا وعلى كل أصحاب الكلمة والمثقفين والمتخصصين السؤال . . أليس حرياً بنا نناقش كيف يمكن ننقذ مستقبل ملايين الأطفال المسلمين الذين ينتظرهم مستقبل أسود بسبب ماوصلنا من تاريخ ، بدلاً من أن نتناحر ونصرف جهدنا ومالنا ومستقبل أولادنا وأحفادنا بخلافات تاريخية وتطرّف اسود ملعون يُتاجر به أصحاب الفتن .

يجب أن نسلم بالأمر الواقع الذي لم يتغير على مدى أكثر من أربعة عشر قرنا ً، فنحن أمة إلتصقت بتاريخها أيما التصاق ، بسبب الشعور التاريخي بالظلم والإضطهاد ، وتعيش تاريخها في حاضرها بكل قوة (أشخاصاً وقضايا وأحداث) ، فالمسلم لا يشعر بأنه شيء دون التاريخ ، لسان حاله يقول “أنا التاريخ” ، وهذا لن يتغير إلا بفنائنا كأمّة ، الأمر الذي لن يحدث ، فنحن باقون على هذه الأرض إلى يومَ يُبعثون .

كل شعوب الأرض تعتز بتاريخها وتعيد إنتاجه في أسمائها وأسماء مدنها وشوارعها ، وأدبها وفنّها ، وتاريخُها يوحدها، ويصنع روحها ، ويحدد إنتماءها ، كما ان حياة هذه الأمم تتجدد ، فهي لا تتكلم عن تاريخها فقط ليل نهار كما نفعل نحن ، ولا تحشره في كل مناحي حياتها الحاضرة مثل كابوس لا فكاك منه ، بل هي منشغلة في الكفاح من أجل حاضرها وبناء مستقبلها وتحقيق الرفاهية والتطور من أجل البقاء والعيش الكريم والرغيد .
فلا بأس أن يعيش تاريخنا فينا ، وفي حاضرنا ، وبكل قوة شريطة أن لا يُسمّم حياتنا ، فلا نعيش إلا فيه وفي جراحه ومآسيه .
فإن التسليم بقدر التاريخ لا يعني أن نرضى بهذا الوضع المزري الذي نحن فيه اليوم ، حيث لا يتحدث فيه عن تاريخنا مؤرخون وباحثون متخصصون في علم التاريخ ، بل اُناس (معمّمون) يخلطون بين ماهو ديني وسياسي وتاريخي وحسب أهوائهم وميولهم وتعصبهم الطائفي الأعمى لهذه الجهة او تلك ، فينقلب هذا التاريخ إلى مجرد روايات وقصص مفعمة بالزيف والكذب والتدليس والمبالغة ، لا تنفع إلا كوسيلة لإشعال الفتن ، ولإشغال الناس عن مهمات وتحديات حاضرهم ومستقبلهم .

من حق تاريخنا المقدس وشخوصه أن نجلّهم ونحترمهم ونتغنى بهم ، ومن حقنا نحن أبناء الحاضر أن نفهمهم لنعرف ما هذا الذي نحترمه ونعشقه ونقدّسه ، لكننا بحاجة إلى غربلة على أيدي مراجع وعلماء وباحثين متخصصين ومنصفين في التاريخ لإزالة القدسية عن كل شيئ غير مقدّس ، وكل شخص لا يستحق التقديس ، بل ووضع المقدّس في مكانه الصحيح في حاضرنا كجزء من هذا الحاضر وليس بكل الحاضر ، فتجارة أبي سفيان ما تزال رائجة تفوح منها الآن رائحة النفط ، وهو ما يزال يطلب رأس محمد وأتباعه ، ويجمع الأحزاب ويتحالف مع بني قريظة ، ويجزل في العطاء لمن يتمسك بهُبل .

فهل نحن حقاً عاجزون عن رؤية الشرخ الذي حصل بين ما جاء به الإسلام من فكرٍ نيّر يبني أمة تقوم على السلام والسماحة والعدل والمساواة بين الناس ، وبين المسار الذي اتخذته الأحداث حيث انتهى الإسلام إلى دولة قائمة على التطرّف والعصبية القبلية والطائفية بإسم أسرة من أسر قريش تصدت للإسلام وحاربته بلا هوادة ، وتريد الآن أن تصبح صاحبة الحكم .

فتباً للتاريخ الذي وصلنا من شراذم خُطت أسمائهم بدم المسلمين الشرفاء الأبرياء ، وتأكدوا أننا سندعوا الجميع لكتابة التاريخ من جديد ليكون نبراساً مُضيئاً لنا ولأجيالنا القادمة .

والله من وراء القصد .