د. سامان سوراني
 
تشهد باريس اليوم حضوراً كبيراً لرؤساء دول وحكومات العالم ومنها حکومة إقليم كوردستان، للمشاركة إلى جانب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في “المسيرة الجمهورية” للتنديد بالهجمات الإرهابية التي شهدتها فرنسا في الأيام الأخيرة والتي خلفت 17 قتيلاً.
فالعملية الإرهابية التي قادها جماعة إسلامية متطرفة علی مقر الصحيفة الأسبوعية الساخرة ذات التوجه اليساري في السابع من كانون الثاني ٢٠١٥ والتي أودت بحياة ثمانية من الصحفيين ورجل إقتصاد واحد و إثنين من الحراسة الخاصة والإستقبال ورجل من الأمن وجرح عشرة آخرين ، كانت بداية دموية مفجعة، إنها هجوم علی حرية التعبير في مجتمع مفتوح.
أما عوائل الضحايا وكذلك الصحفيين والكتاب والفنانين المناضلين بفكرهم من أجل إعلاء الكلمة الحرة هم اليوم بأشد الحاجة الی دعمنا ومساندتنا.
هذه العمليات الجبانة هي ثمرة العنصرية والنرجسية الدينية المقيتة ونتاج تحجر عقلية الأصولية الجهادية أمام جدلية الفكر ودلیل قاطع علی الضحالة الثقافية والخواء الفكري لديهم في عدم تمكنهم بالرد علی الأفكار الحرة بالمنطق الأرسطي أو البراغماتي وآليات العقل.
نحن نعرف بأن العقلية السلفية الجهادية تعيش بیننا وفي مجتمعنا وهي ترفع شعار: “أنا أو الطوفان، أنا أو أحرق الأخضر واليابس”. ولغرض كسب الحرب ضد لذا ومن أجل القضاء علی بذور الإرهاب وضمان تأمين العالم من التدمير والتخريب نطالب من الحكومات والأحزاب والمؤسسات المؤمنة بالديمقراطية وحقوق الإنسان القیام بالتنسيق بینهم لمحاربة الإرهاب الذي اصبح خطره لا يكمن فقط في منطقة واحدة بل في العالم أجمع ونطالب تلك الجهات أيضاً العمل بجد في مكافحة جميع أنواع الخطابات الدينية التحريضية ، التي تولد العقل التكفيري الإرهابي. فوباء الإرهاب في عصر الطفرة المعلوماتية خطير جداً فهو اليوم ظاهرة دولية يعبر بسرعة الضوء من مكان الی آخر. إن بشاعة العمليات الإرهابية الجديدة تزداد و تتصاد في كل مرة كماً ونوعاً ، كالعملية الهمجية التي قام بها الطالبانيون (طلاب العلوم الدينية) ، أصحاب الهويات المفخخة والمشاريع المستحيلة في كانون الأول من عام ٢٠١٤ في مدرسة باكستانیة ، راح ضحيتها أكثر من 140 تلميذاً. قتلوا برصاصة في الرأس.
التعليم الديني ، الذي أقتصر علی نشر فنون الحجب والخداع والنفاق والزيف ، أنجب المنظمات السياسية والجهادية ، تلك التي اتخذت من الإسلام عنواناً لعملها بهاجس الوصول إلى السلطة والمحافظة عليها بأي ثمن ، بعد طعن المقدسات والخروج على الثوابت وكان الحصاد هذا العنف وهذا القتل وهذا الدمار.
التاريخ يقول لنا بأن الأديان تأسست علی عنف رمزي إلهي أو قدسي ، أصحابها مارسوها كحد أو رادع، كتقی أو تحريم أو تسليم ، لکن أصحابها اليوم يمارسون عنفاً فاحشاً ، ينتهكون من خلاله كل الحرمات والحدود والقيم ، كما تشهد حروب آلهة داعش بجنونها وفضاعتها وذبحبها الأبرياء من علی الشاشة بإسم الدين. نسأل أنفسنا ، كيف تبقی ثقتنا بالأديان كمرجع للمعنی؟
شعب كوردستان يقف اليوم مع حکومة فرنسا ويدين هذا العمل اللاإنساني الجبان. أما قواته من البيشمركة الشجاعة ، فهي تمارِس دوراً بطولياً رائعاً جدّاً ونموذجاً تاريخياً عالياً في حربها نیابة عن المجتمع الدولي ضد التنظيم الوحشي المسمی بداعش ، المنتج بدولته المبنية علی الدمار والقمع والتهجير والتنکيل والسبي والإغتصاب وقتل كل من يخالفهم الرأي والمعتقد، أكانوا مسلمين أو غير مسلمين للتخلف والإستبداد والفقر والفكر الإرهابي.
وختاماً: لقد خرج التنين الديني والمذهبي بنزعته التدميرية من دهاليز الذاكرة وكواليس الوعي ، فأنفجر عنفاً وتخريباً ، فلكي لايتحول الدين الی فایروس قاتل والأصولية الی جرثومة مضرّة ولكي لا يغرق الشرق الأوسط في السكونية المطلقة أو يتحرك عکس حركة الزمن والتاريخ ، علینا محاربة الفكر الأصولي الجهادي أينما كان ونبذ العقلية الإصطفائية القديمة ومنطق التقديس و عبادة الأصول والنصوص وعلينا العمل الجاد علی تطوير مفاهيم المشترك العمومي أو العالمي بين الناس، سواء على مستوى مجتمع معين أو العالم بمجموعه ، فلا مجال في هذا العالم المعولم للتمترس وراء الهويات المغلقة أو الجامدة.