ان نهاية المجتمع الامومي و امتلاك الذكر للارض و أولى الادوات للحصول على قوته كان إيذانا بإقرار الحرب لإنتزاعها من الآخرين بقوة السلاح، واعلانا لبدء عصر الرق و استعباد الانسان لاخيه و التمكن من المرأة لتحديد عائدية الملك و العرش، و من ثم تبعيتها الكاملة لسلطة الذكر و قوانينه الجائرة بحقها و من ضمنها تعدد الزوجات.
فقد اجازت كل الحضارات القديمة احقية امتلاك الرجل لعدد غير محدد من النساء سواء كان عن طريق تشريع القوانين الخاصة بتعددية الامتلاك او كنتيجة حتمية لكوارث الحروب و سبي النساء و اضافتهن الى جيوش الرق تحت مسمى غنائم الحرب.
يذكر التاريخ ان الاسكندر المقدوني قد تزوج في بابل وحدها بعد احتلالها ثلاث نساء عدا جواريه من كل ارض قد قدم منها و نساء جيشه التي لا تحصى.
كذلك نابليون حين توجه لاحتلال مصر و تحت إمرته جيش مسلح من الرجال و اخر لامتاع جنوده من الجواري و المومسات.
من ناحية دينية فان الكتب السماوية كلها قد اتفقت على اجازة التعددية ضمن شروط، لكنها منعت فيما بعد كآجتهاد تشريعي من الإقتران باكثر من امرأة واحدة، ثم جاءت المدنية بقوانينها لتنتصر للمرأة في كثير من جوانب الحياة و تمنع الرجل عن غيه، و تفصل الشرائع السماوية و تجعلها من نصيب الفرد وحده، و تضع قوانين البشرية لتحكم المجتمع انصافا لما حققته من انجازات علمية و حضارية.
و يعتبر الدين الاسلامي اخر دين سماوي يحلل الزواج بأربع اذا عرفنا ان الصابئة المندائيين كانوا يتبعون قانون الاحوال المدنية في العراق الذي يلزم الزواج بواحدة و يشترط موافقة الزوجة الاولى عند الزواج باخرى، هنالك ايضا طائفة متعصبة من المسيحيين تقطن الولايات المتحدة، و هم مجتمعات منغلقة على نفسها لا تتمكن حتى السلطات القضائية من اقتحام اسوارهم، يلزمون الفتيات بالزواج مع اول حيض و يحللون الاقتران باختين من قبل رجل واحد، و يحق للشيخ الزواج بطفلة و لا يتبعون تقنين او تحديد للنسل.
في العراق و مع انتشار زواج المتعة و الانهيار التام لبنية القانون نفسه و شلل قواه التنفيذية فان الزواج باربع اصبح شديد الانتشار دون وازع ديني او ضميري مع اهمال تام لنصوص القرآن التي تطلبت العدل.
كإفتراض انساني فان الزواج هو الارتباط الشرعي لعلاقة المرأة مع الرجل تقوم على اساس الحب و الاحترام المتبادلين لانشاء اصغر لبنة في تكوين المجتمع، و ان كان يمثل تحت ثقل العالم المادي مؤسسة اقتصادية لحفظ التوازن الهرمي للسلطة و من خلاله تستمد قدراتها على اخضاع الفرد لقوانينها الصارمة و تحويله الى تابع اسير لسطوة رأس المال.
ما يعنينا هنا هو ما تتعرض له المرأة العراقية اليوم من اضطهاد بإسم العرف المشرعن او الشرع المتقولب وفق ما تتطلبه المرحلة من استنباط مقنع تتقبله الاعراف و التقاليد التي ارتدت على اعقابها 14 قرنا الى الوراء، خاصة و ان تعدد الازواج من بديهيات المجتمع الخليجي و من الطاريء الغريب على المجتمع العراقي او بعبارة ادق لم يسبق له الانتشار عبر التأريخ القريب كما هو اليوم.
يستند عدم تحريم الزواج المتعدد شرعا الى آيتين مع فرضية لا تبرير لها ان احداهما لا تنسخ الاخرى:
 إن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) النساء
تفسير هذه الآية اخذ مدى مطاطيا لا سبيل الى معرفة الحق من الباطل فيه بالانتقال من اجتهاد فرقة اسلامية الى اخرى.
الاية الثانية:
“ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء وإن حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلّقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفوراً رحيماً”النساء
في الآية الاولى هو مسموح به على مضض لاجل اليتامى و اموالهم في مجتمع كان يقاتل المشركين و قد كثر عدد نسائه دون رجاله مع التنبيه ان العدل هو الحجر الاساس في العلاقة الزوجية الموزعة على اكثر من امرأة و مصدرة من رجل واحد.
و يعتبر هذا حل آني لمحنة مر بها الاسلام في بداية الدعوة اليه، رغم ذلك فانه لم يطلق فيه العنان للرجل الا مع وجود الايتام و الالتزام بالعدل.
الآية الثانية تنفي تماما تمكن الانسان من العدل المشروط بمعنى منع الزواج بأكثر من واحدة الا ان ما تبعها “فلا تميلوا كل الميل…” اباح لمن يتمكن من التأويل على هواه ان لا يعتمد العدل او يجعله امرأ تابعا لإيمان المسلم و التزامه، و في هذا ظلم كثير للمرأة اذا علمنا ان النفس امارة بالسوء و لن تهديه لسبيل الصواب امام شهواته، بعبارة اخرى وضع المرأة تحت سلطة لا رادع لها ان شاءت الظلم.
ان تناسينا جراح المرأة و المها حين ارتباط زوجها بثلاث غيرها و اهانة كرامتها كإنسان و امتهانها كجسد للتمتع لا كشريك متساو في الحقوق و الواجبات امام الله، برزت امامنا مشكلة ثمرة الزواج الا و هم الاطفال.
تشير معظم الدراسات ان الاطفال اكثر من يتألم لزواج الاب من اخرى، و يشعرون على نحو مبالغ فيه بحاجة لحنان الاب و تواجده بينهم، كما انهم ينحازون لالم الأم و يشعرون بجراحها، و يتعمق لديهم الاحساس بالعجز ازاء إيقاف معاناة اقرب مخلوق اليهم داس عليه طرف ثان مازالوا بحاجة اليه ايضا.
غياب الاب يؤثر في المراهقات و المراهقين كثيرا و هم الاشد توقا لصحبته في هذه المرحلة الخطرة و ينتج عن هذا انحراف في السلوك بشكل عام و تدني المستوى الدراسي و تفكك الاسرة و تهديد المجتمع بنمو ما اعوج من ابنائه.
و لو عدنا لتأريخ كل جبار و طاغية حكم على الارض لوجدنا ان طفولته حافلة بعذابه لاجل امه او بسبب عدوانية الاب تجاهها.
كما يؤكد علم النفس ان زواج الرجل بأخرى و شعورالمرأة بالقهر و الاذلال يتسبب في استخدامها للعنف و الزجر و الضرب بقسوة في تعاملها مع فلذات كبدها كوسائل لا شعورية للانتقام من الزوج.
ان التشجيع على تعدد الزوجات بمبررات دينية غير مستوفية لشروط العدل، و جعل القدرة على الانفاق المنطلق الوحيد لبناء اسرة ثانية و ثالثة و رابعة لم يعد له من مسوغ مع استفحال سوء استخدام ادوات الاتصال الالكترونية بالآخرين، الامر الذي يتطلب اهتماما بالغا و متابعة من قبل الوالدين معا لما قد يتعرض له الاطفال و المراهقون من تجارب جنسية سيئة او مما قد يستقون من مفاهيم منافية للخلق القويم و الصحة النفسية  مع توفر المناهل العنكبوتية القذرة التي غالبا ما تمهد للجنوح نحو السلوك المضطرب و اللااخلاقي و حتى الاجرامي.
باعتقادي ان العدل هو اسم من اسماء الله الحسنى لا يمكن لانسان ان يحتازه، و ان الآيات المذكورة لا تبيح الزواج باربع ابدا مع انعدامه، و بالتالي فان القرآن قد حلل واحدة فقط لولا العدد الهائل من المفسرين الذين مالوا كل الميل لصالح شهوات الرجل بغض النظر عن مشاعر المرأة و خياراتها في الحياة، و ربما يبرر البعض التعدد بقوله ان الرجل اشد رغبة بالجنس من المرأة و هنا اقول:
 إن كانت المرأة باردة الجسد و لا تماثل الرجل في شهوته علام حبسها اذن؟؟؟؟؟ و علام ختانها ايضا و الخوف عليها من الانجراف خلف الاهواء؟؟؟ اليس لأنها اشد رغبة من الرجل و لها من الهرمونات ما يجعلها تطالب بتعدد الازواج خاصة و ان الرجل بات اليوم منهك القوى بسبب متطلبات الحياة القاسية؟؟؟
إن اكرام المرأة هو إكرام للمجتمع و السير نحو تقويمه و تحضره، و اول خطوة نحو تكريم الامهات هي اعتراف الرجل بعطاء المرأة الغزير الذي لا يقارن بعطائه المحدد بالانفاق..فحتى الانفاق اصبح من مهامها المضافة الى اعباء كثيرة اخرى، كما انه قد وضع اطفاله شهوة و وضعتهم هي كرها، و هذا يكفي لاجلالها و تقديس مشاعرها و مباركة الجنة التي فرشت تحت قدميها.
تعليم المرأة و منحها حرية التعامل مع الحياة العصرية هو الارتفاع بمستوى وعي شعب كامل، و ايتاؤها حقوقها هو تأسيس فكري لحضارة مقبلة و حصاد جيل يستطيع انتشال امته من التخلف و الارتقاء بها.
حبذا لو كف الرجل قليلا عن التفكير بغرائزه، و السمو نحو انسانيته، و توقف عن البحث في بطون الكتب بما يدعم رغبته غير المقننة انسانيا و المنحدرة به نحو اصناف اخرى من اللبائن التي تحكمها الغريزة لا العقل.
نحن في الالفية الثالثة اليوم و المرأة مازالت تحكم بما انقرض من مسلمات مجتمع لم يعد موجودا، كان يألف السبي و الإماء و الجواري و يعيش في صحراء لها احكامها الخاصة التي لا يمكن مقارنتها بالحياة المعاصرة.
في النهاية اقول ” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها “
هذا يعني ان المرأة و الرجل من نفس واحدة، و ما يؤذيها يؤذيه..هل يرضى الرجال بمشروع تعدد الازواج و لو من باب تخيل عذاب ارق مخلوق؟؟؟؟.
ليس كل ما ورد في القرآن يعني التطبيق الحرفي في غير زمانه و مكانه، انما هو شريعة علينا استنباط التشريع منها بما يلائم العصر كي نلحق و لو قليلا بأمم تتقدم، و ما نحن الا في تراجع يتمناه من يعادينا و يرقص له طربا.