تزامنت وفاة الشاعر المصرى الكبير أحمد فؤاد نجم شاعر العامية صاحب الأشعار الثورية النقدية التى تسببت فى سجنه خلال فترة حكم جمال عبد الناصر وأنور السادات، مع وفاة نيلسون مانديلا المناضل ضد العنصرية فى جنوب أفريقيا، وكلاهما رمزان للنضال الثورى ضد الأنظمة القمعية الكتاتورية العنصرية، وترك كلاهما بصماته عل شعوب المنطقة لكن مانديلا الذى كان يناضل ضد نظام الأبارتيد أى الفصل والتمييز العنصرى على أساس الجنس والعرق واللون، وقد أستطاع بكفاحه إسقاط هذا النظام العنصرى المقيت وصار مانديلا رمزاً نضالياً عالمياً حاز على إحترام الجميع من شعوب ورؤساء وقادة فى دول العالم المختلفة.

نيلسون مانديلا كان زعيماً وقائداً ثورياً حقيقياً لأنه ناضل وقاوم الظلم والعنصرية التى يعانى منها شعبه ووطنه، وعندما تسلم السلطة كأول رئيس أسود لم يخطر على باله الأنتقام من أعداء الأمس، بل كانت أنظاره وأهتمامه على مستقبل بلده وشعبه لذلك أتبع عقيدة التسامح ونبذ الكراهية وقاد شعبه ليعيش الأبيض مع الأسود، ونال إعجاب الذين يحترمون الإنسانية ويسعون إلى تحريرها من قيود الأستعمار والعنصرية والدكتاتورية، لهذا رأينا بعد موته القادة السياسيون بمختلف أنواعهم وتوجهاتهم السياسية يسارعون إلى إعلان بالغ الحزن والأسى على رحيل الفقيد أيقونة النضال ومقاومة العنصرية، وأعلن أكثر من 60 من القادة والرؤساء والملوك مشاركتهم على رأس وفود بلادهم فى تشييع جثمان الزعيم الأفريقى الكبير مانديلا الذى أنقذ شعبه من حرب أهلية.

هذه المشاركات الرسمية من رؤساء مثل أوباما فى تشييع مانديلا هى محاولة لأستغلال الحدث العالمى الحزين، لإضفاء قدراً من الشعبية واللمسات الإنسانية على شخصيات هؤلاء الرؤساء والقادة السياسيون، إنها محاولة زائفة للتقرب من الشعوب الفقيرة التى تعانى مئات المشاكل وما زالت هناك بقايا ورواسب لهذا العهد العنصرى ومن واجب هؤلاء الرؤساء أن يتعاونوا للقضاء عليها وتقديم المساعدة للسلطة الحاكمة فى جنوب أفريقيا، إن سياسيى العالم الكبار يستغلون أحزان ومصائب الدولة الفقيرة والصغيرة والنامية ليتبركوا بها كأنهم أمام جسد قديس، هذا الخداع السياسى علينا أن نتعلم منه ونبدأ فى الخروج من غيبياتنا غير المنطقية التى سيطرت على عقول الجميع، وأصبحت سلوكيات إجبارية يستثمرها القادة الكبار وأصحاب المال فى أستمرار التخلف والعيش فى ظلام الماضى وثوابته التى كانت وليدة عصرها.

كان هؤلاء الرؤساء الذين ينعونه وسيشيعون جثمانه فى جنازة مهيبة كانوا يعتبرونه فى السابق إرهابياً لأنه كان يناضل ضد التمييز العنصرى وحقوقهم المسلوبة، وخلال الثمانينات عرضت السلطات العنصرية على مانديلا الإفراج عنه نظير الكف عن المقاومة والنضال ضد عنصريتهم، رفض مانديلا عروضهم وظل ثابتاً على مواقفه ومصمماً على إسقاط التمييز العنصرى وتحقيق العدالة والمساواة وإحترام إرادة الأغلبية الشعبية، هذا هو الرجل الثورى الذى يناضل ويكافح من أجل شعبه ووطنه، الرجل الذى كان فى السبعينات والثمانينات فى نظر الدول الغربية إرهابياً لكنهم اليوم يتنكرون للظلم الذين مارسوه ضد مانديلا وشعبه الأفريقى الأسود، ويتبارون فى إعلان كلمات التكريم والمديح والثناء عليه وعلى سيرته التى من خلالها حقق الديموقراطية بالطرق السلمية وأقنع شعبه بالتنازل عن الثأر والأنتقام من أعداء الأمس إخوتهم فى الوطن.

إن سيرة نيلسون مانديلا تعطينا الدروس الكافية بعد انتصار ثورتى يناير ويونيو لنبذ العنف وإنهاء الفوضى، والتنازل عن الأنتقاد الدموى ضد الآخر والأعتراف بالنظام القائم الذى أختاره الشعب المصرى، فالصراع الدائر فى مصر على السلطة هو صراع يحتاج من القائمين عليه النظر إلى سيرة مانديلا الذى قاد شعبه الأبيض والأسود إلى التعايش السلمى والتنازل عن الكراهية والأنتقام من الرجل الأبيض الذى سلبهم أرضهم وحقوقهم، وأقام المصالحة التاريخية بين الأبيض والأسود وأزال التمييز العنصرى ويستحق مانديلا الآن من كل فرد يتصارع ضد الآخر أن يتنازل عن كبريائه، وينظر إلى مستقبل مصر المتحدة بأبناءها لينهض المجتمع ويبنى دولته ليكون الشعار الحقيقى هو: مصر للجميع.