ينزعج بعض القياديين والعناصر في حزب الدعوة الإسلامية أشد الانزعاج لوصف حزبهم بالحزب الحاكم، مع أن كون أيّ حزب حاكم ليس سبّة ولا منقصة، فمعظم دول العالم تحكمها أحزاب لا ترى ضيراً أو غضاضة في تقرير ما هو واقع، بل إن ذلك مصدر فخر لها، إذ أن هذه الأحزاب تنشط وتخوض الانتخابات من أجل الوصول الى سدة الحكم وهي تعلن عن هذا صراحة في دعايتها الحزبية والانتخابية، وعندما تفوز وتصبح أحزابا حاكمة تحتفل بالمناسبة أي احتفال.. فعلامَ الزعل يا أصدقاء؟
يكون الحزب حاكماً عندما يصبح هو القوة السياسية المتنفذة في الدولة ومؤسساتها الرئيسة. ولا يُشترط أن يهيمن هيمنة مطلقة على كل مفاصل الدولة والمجتمع .. هذا يحدث فقط مع الأحزاب الشمولية الحاكمة أما الأحزاب الديمقراطية فلا تفرض سيطرتها المطلقة على الدولة والمجتمع.
حزب الدعوة الإسلامية في العراق في أيديه الآن رئاسة الحكومة والقيادة العامة للقوات المسلحة وقيادات الجيش والشرطة وقوى الأمن والمخابرات الأخرى، فضلاً عن وزارات ومؤسسات وإدارات عامة، وله ولقيادته نفوذ طاغ على هيئات “مستقلة”، وبالأخص مؤسسة الدولة الاعلامية التي هي في الواقع مؤسسة الحكومة ورئاستها. وبهذا كله فان حزب الدعوة حزب حاكم بامتياز. فعلام الزعل مرة أخرى؟
اذا كان الحزب يريد النأي بنفسه عن الفشل المتواصل للحكومة، فكان من باب أولى أن يبحث بعمق وجدية أسباب هذا الفشل والقدر من المسؤولية عنه الذي تتحمله قيادة الحزب، وسبل الخروج من نفق الفشل المظلم إلى فضاء النجاح.
اول من أمس أصدر الحزب بياناً، في صيغة تصريح صحفي لمكتبه الاعلامي، عبّر فيه بنجاح عن كونه حزباً حاكماً، ولكن ليس من نمط الاحزاب الديمقراطية. البيان في سداه ولحمته أراد القول بان البلد لا يواجه مشكلة عدم استقرار، وانما المشكلة تكمن فقط في ما وصفه البيان بـ”التهويلات الإعلامية والتصريحات المبالغ فيها التي تصبّ في خدمة أهداف الإرهابيين ومخططاتهم، وتؤثر سلباً على معنويات أبناء الشعب العراقي”، داعياً “جميع وسائل الإعلام وأعضاء مجلس النواب وقادة الكتل والأحزاب السياسية إلى “الكف عن مثل هذه التهويلات والتصريحات”.
هذا خطاب ينتمي كلية الى خطاب الأحزاب الشمولية وأنظمتها .. الدنيا بخير والأمن مستتب والشعب شبعان ويقف خلف قيادته الحكيمة صفاً واحداً، والشرّ كله في المعارضة وتصريحاتها المبالغ فيها وفي الاعلام وتهويلاته. .. هكذا كان حزب البعث يفعل في السابق، وكم سخرنا منه يوم كنا نعارضه مع أهل الدعوة.
كان الأجدى لحزب الدعوة، ولنا جميعاً معه، أن يعترف البيان بان البلد يواجه محنة حقيقية وان الحكومة التي وُضعت بين ايديها مقاليد الامور ومقادير البلاد والناس لم تنجح في أي شيء على الإطلاق وبالاخص على صعيدي الأمن والخدمات، وان من مسؤولية الجميع التفكّر والتدبّر. أما هذا البيان الذي يعيد انتاج روح بيانات حزب البعث فما من نفع فيه ولا طائل منه.. صدقونا.