في معظم الأزمات التي تمر بها البلاد نتيجة التغييرات الكبيرة الحاصلة في بنية النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي، يلعب الإعلام دورا مهما في التأثير على بيئة الأزمة والجو العام الذي يحيط بها، بل انه في كثير من الحالات يوجه دفة الصراع ودرجة اتقاده ايضا، ولقد شهدنا خلال الأزمة الأخيرة نوعان من الأداء الإعلامي مختلفان تماما عن بعضهما، ففي الوقت الذي تحاول مجموعات من الخبراء والكتاب والإعلاميين والمحللين السياسيين إعطاء صورة حقيقية للازمة بشكل حرفي ومهني دون المساس بأحد الأطراف بعيدا عن التشنج والانفعالات العاطفية، ينبري آخرون إلى تأزيم الأوضاع من خلال مساندة طرف ضد طرف آخر بما يسهل تقسيم الرأي العام وتحويله إلى جبهتين متصارعتين وتوسيع الهوة بينهما، وقد ساهم كثير من أعضاء مجلس النواب في هذا الأداء السلبي في جو الأزمة، حيث تحول الإعلام إلى حلبة استعراضات لمؤيدي أطراف النزاع أو الاختلاف من هؤلاء الأعضاء الذين خرجوا عن دائرة أدائهم التشريعي تحت قبة البرلمان إلى ساحة المصارعة الإعلامية متصورين بأنهم كلما تهجموا بشكل عنيف على الطرف الآخر سينالون رضا الآخرين دونما إحساس بموقعهم التشريعي وواجبهم الوطني في الحفاظ على السلم والأمن الاجتماعيين في كل البلاد.

 

     من المتعارف عليه إن لرئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء وبقية المسؤولين في الإدارة الاتحادية والإقليمية ناطقين رسميين أو متحدثين يعبرون عن رأيهم ورأي مؤسساتهم في أي حدث أو موضوع يخص الدولة أو الشعب، وبذلك تتاح فرصة للرأي العام بالاطلاع على المواقف الرسمية لتلك المؤسسات، وهناك تقليد أمريكي جدير بالاهتمام في هذا الجانب وهو الناطق اليومي باسم البيت الأبيض الأمريكي الذي يعطي خلاصة يومية لمواقف الإدارة الاتحادية في البلاد عن أوضاع الدولة ومواقفها الداخلية والخارجية، إضافة إلى اللقاء الأسبوعي للرئيس في الإذاعة والتلفزيون بشكل مباشر يتحدث فيها عن أحوال دولته وعلاقاتها، وما أضيف منذ سنوات في شبكات التواصل الاجتماعي والقنوات المفتوحة دوما بين الرئيس ومواطنيه مباشرة.

 

     وفي كل هذه الأمور تشارك مؤسسات بحثية ومراكز دراسات تضم كتابا ومختصين من المحللين السياسيين والخبراء والفنيين، الذين تقع على عاتقهم دراسة المشكلة وتحليلها واقتراح الحلول والمشاريع لأي موضوع يتعلق بسياسة الدولة ومؤسساتها أو المشاكل والمعضلات التي تعاني منها ووضع خطط وبرامج لحل معضلاتها بعيدا عن الآراء الانفعالية والدعائية لهذا الطرف أو ذاك، كما يفعل العديد ممن أدمنوا شاشات التلفزة من أعضاء مجلس نوابنا الموقر، وبمقارنة بسيطة بين ما يحصل في مجلس العموم البريطاني أو النواب الأمريكي لأدركنا انه نادرا ما نرى احد هؤلاء الأعضاء يؤجج الرأي العام بشكل يجعل المجتمع في حالة تأهب لحرب في أجواء تسودها الأحقاد والكراهية التي يدعو لها نائب ما، كما حصل لدينا في الأزمة الأخيرة حيث انبرى العديد من أعضاء مجلس النواب بعيدا عن واجباتهم الأخلاقية والوطنية لإشاعة الكراهية والأحقاد ضد الطرف الآخر دون أي حرص على مبادئ التعايش والتسامح بين مكونات المجتمع وقومياته ومذاهبه وأديانه.

 

      ومن المؤسف إن كثيرا من الفضائيات ووسائل الإعلام تعاملت وتتعامل مع جو الأزمة بأسلوب سلبي جدا بعيد عن تقاليد الصحافة والإعلام المهنية والحرفية، بما لا يتوافق ومواثيق العمل الوطني والحرص الاجتماعي على مشاعر الأهالي وإبعادهم عن جو الأزمة قدر الإمكان بما يتيح للعقلاء والحكماء فرصة حلحلة التعقيدات، بل تحولت الى أبواق سمجة لعناصر مصابة بجوع رهيب للظهور على الشاشة والاستعراض فيها تملقا وتدليسا، لا يهمهم ما يفعلونه وما يتركونه من تخديش للمزاج العام للأهالي الذين يعضون أصابعهم التي انتخبت هؤلاء الأعضاء الذين يتحدثون في أي موضوع كان سواء يتعلق بالعراق أو جزر الواق واق، فالمهم لديهم الظهور على الشاشة والإدلاء بتصريحات دائرية لا يفهم منها إلا النفاق والتدليس لهذا أو ذاك!؟