برهم صالح نام اربع سنوات
واستيقظ على كابوس الفساد
علي الكاش
لا أحد من العراقيين ـ بإستثناء الطبقة السياسية الحاكمة من النواب والوزراء وزعماء الكتل السياسية ‏والقضاة والمستفيدين من أقذر عملية سياسية شهدها العالم القديم والحديث ـ لا يرغب بالإصلاح، ولكن ‏عندما يتحدث الفاسدون عن الإصلاح فالأمر يدعو للسخرية، كأنك نشهد مسرحية تافهة يضحك فيها ‏الممثلون على المتفرجين. فمثلا صاحب وكالة تحالف الإصلاح التجاري، من أفسد الفاسدين هو ‏ووزرائه الصدريين سواء في الصحة والكهرباء وبقية الوزارات، وكتلة الفتح أبت ان تفتح ملفات الفساد ‏التي تطيل كل الأحزاب والميليشيات المنضوية تحت جناحه المكسور، فالتحالف همٌه الأول والأخير ‏تقديم اللقمة العراقية الغنية والشهية للولي الفقية، وبعد أن يهضمها جيدا، يقدم الكنيف الى الفتح ليرمية ‏داخل العراق. والأحزاب الكردية المتمثلة بالحزبين الرئيسين، الديمقراطي الكردستاني، والإتحاد الوطني ‏عبارة عن أمبراطوريتين ماليتين، قائمتين على أكتاف الشعب الكردي الذي يعاني من الفقر والبطالة ‏والإعتداءات التركية والإيرانية المستمرة على الإقليم، ولا تجرأ حكومة الإقليم على إتخاذ أي موقف ‏بذريعة ان هذا الأمر يخص الحكومة المركزية التي لا يشتريها الحزبان بباقة برسيم.‏
الفساد هو كينونية النظام القائم في العراق، فهو بنية النظام، ويبدأ من أعلى الهرم المتمثل بالسلطات ‏الثلاث وينتهي عند اصعر عنصر ولائي في الحشد الشعبي الشعبي، وإذا كان رئيس الجمهورية وربيبه ‏رئيس الوزراء والمدعي العام وجميع القضاة والوزراء والنواب بلا إستثناء فاسدين، فمن يستطيع ان ‏يحارب الفساد؟ ‏
وإذا كان الفاسدون تحميهم أذرع عسكرية لا تستطيع الحكومة أن تواجهها فمن يستطيع أن يقف أمامها؟ ‏
وإذا كان رئيس تحالف الفتح (هادي العامري) يقول بأنه ابن ابوه القاضي الذي لا يخضع لمشيئتنا، فأي ‏قاضي يجسر على فتح ملفات الفساد؟ ‏
وإذا كانت هيئة النزاهة مفصلة حسب قياس الحصص الطائفية، وكل حزب له ممثل فيها، فهل تستطيع ‏أن تنفذ مهماتها بصورة صحيحة، وتُجرم من يلقمها الطعام الغني بالفيتامينات؟ ‏
وإذا كانت لجنة النزاهة النيابية تضم ثعالب الفساد المراوغة، فهل تجرأ أن تفتح أي ملف فساد، وجميع ‏أطرافها مدانون برشاوي وصفقات فساد؟
الرئيس السعيد يغط في النوم الرغيد
بعد نوم رغيد لرئيس الجمهورية في القصر الرئاسي الذي كان يحلم أن يكون يوما موظفا فيه، نوم ‏إستغرق اربع سنوات، إستيقظ الرئيس الفطن فجأة وباغت الشعب العراقي بأن في العراق فساد بقيمة ‏‏(150) مليار دولار، وجَمع بعض القضاة والقانونين لصياغة مقترح لمعالجة الفساد المستشري في كل ‏زوايا العراق، وإسترداد المبلغ المنهوب، ووفقا لطريقة الحكومة الذكية في تشجيع الفاسدين من خلال ‏إعفائهم بنسبة 50% من قيمة المسروقات، وإسترداد المتبقي منهم. العراق أغرب بلد في العالم يُكرم ‏سراق المال العام من خلال:‏
اولا. مسامحتهم عن 50% من مجموع سرقاتهم، وإعادة ما تبقى للدولة.‏
ثانيا: عدم تحميلهم أية تبعات قانونية عن السرقات. ومن تصرف منهم بالمسروقات، سيشمله بالعفو ‏العام، هنيئا لسراق الشعب على هذه المكارم الحكومية السخية.‏
مقترح الرئيس تعبير عن إفلاس وتفليس
نود ان نوضح ما يلي بشأن مقترح الرئيس برهم صالح:‏
اولا. ان ما قدمة الرئيس برهم صالح عبارة عن مقترح غير صالح، سيرفعه الى مجلس النواب مطالبا ‏أياهم بالتصويت عليه، وبرهم صالح بإعتباره من الحيتان الكبار، يعلم جيدا أن قروش الحلبوسي سوف ‏لا توافق مطلقا على إقرار قانون يحاسبهم على ما سرقوه من أموال الشعب.‏
ثانيا. كان الرئيس برهم صالح رئيسا للجمهورية منذ أربع سنوات، ولم يقدم أي مشروع إصلاحي، بل ‏ان تجاهل كل الخروقات الدستورية، على الرغم من كونه راعي الدستور وحاميه، وقبل إنتهاء الدورة ‏الإنتخابية الحالية تذكر بأن في العراق فساد حكومي، ويجب محاربته، فهل مدة الأربع أشهر المتبقية ‏كافية لمناقشة هذا المقترح؟ علما ان هناك مقترحات لم تناقش منذ أكثر من (10) سنوات في مجلس ‏النواب.‏
ثالثا. معظم السراق يحملون جنسيات مزدوجة، وأموالهم في بنوك أجنبية موزعة على ذويهم وأقاربهم، ‏ولا يحق للعراق أن يحاسب هؤلاء أو يسترد الأموال إلا في حال عقد إتفاقية خاصة بذلك مع الدول ‏الأخرى، وعقد هذه الإتفاقية ـ في حالة موافقة الدول الأخرى ـ تحتاج الى شهور من المناقشات لتقر ‏رسميا، ويكون عندها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب قد إنتهت مهامهم ‏الرسمية، ويقيمون في دول أخرى، ولا علاقة لهم بالعراق الا من خلال الرواتب التقاعدية المليونية.‏
رابعا. المبلغ المنهوب ليس (150) مليار دولار، كما زعم رئيس الجمهورية، فقد تسلم العراق منذ عام ‏‏(2005) لغاية عام 2018 (1200) مليار دولار، لا أحد يعرف مصيرها، بل ان رئيس مجلس النواب ‏الأسبق (أسامة النجيفي) صرح بأن هناك (350) مليار دولار مفقود من الخزينة العراقية، فلماذا غلس ‏رئيس الجمهورية على المبلغ الحقيقي وزعم انه (150) مليار دولار فقط؟‏
خامسا. يعرف الرئيس برهم جيدا من هم سراق الشعب، وابرزهم نوري المالكي وعائلته الصخيلية، ‏وعادل عبد المهدي، ومحافظي البنك المركزي، والحلبوسي وعائلتي مسعود البرزاني وجلال الطلباني، ‏ومقتدى الصدر وابراهيم الجعفري وجميع النواب والوزارء الذين تسلموا المناصب منذ عام 2005 ‏ولحد اليوم، فهل يجرأ اي مسؤول عراقي بما فيهم رئيس الجمهورية نفسه على محاسبة نوري المالكي ‏أو مقتدى الصدر مثلا؟ سيعزفوا للرئيس نشيد المعركة ( إشحده اللي يوصل يم حدنا)، اي لا أحد يستطيع ‏أن يواجهنا.‏
سادسا. سبق أن أعد العميل المقبور أحمد الجلبي ـ ربما بعد صحوة ضمير والله العالم ـ ملفا مفصلا ‏بمئات الأوراق عن المسروقات واصحابها بالإسماء والمبالغ المسروقة، والبنوك التي أودعت فيه، قُتل ‏أحمد الجلبي بسبب هذا الملف، وقيل ان النسخة التي قدمها لمجلس النواب خطفت من قبل قوة مجهولة ‏قدمت من الفضاء بصحن طائر، وأخذت الملف معها، لكن توجد نسخة أخرى عند المرجع الشيعي علي ‏السيستاني، فلماذا غلس عليها السيستاني؟ هل لحماية أصحابه الفاسدين الذين زكاهم وطلب منا إنتخابهم ‏لمرتين. أم لأنه يعرف ان المليارات المنهوبة توجت معظمها الى جيب أخيه وولي أمره الحقيقي على ‏الخامنئي؟
سابعا. هل يقدر صاحب المقترح السحري ان يقدم لنا كعراقيين ما بذمته وذمة عائلته من أموال على ‏إعتبار ان برهم كان وزيرا ونائبا لرئيس الوزراء، وهو أحد حيتان الفساد؟ لربما أمن جانبه من هذه ‏الناحية، فهو يعرف من أين تؤكل الكتف.‏
ثامنا. ربما نسي رئيس الجمهورية حادثة لابد من تذكيره لها، وهي عندما هددته الميليشيا الولائية عند ‏زيارته لواشنطن بعدم مصافحة الرئيس الأمريكي السابق، لكنه لم يلتزم بأمر الميليشيات، وكانت النتيجة ‏عند عودته الى العراق، كانت طائرات ولائية مسيرة تحوم فوق قصره الرئاسي، فهرب الى اقليم ‏كردستان، لحين ما تمت التفاهمات مع الحزبين الكرديين، وعاد الى قصره. بمعنى ان كنت رئيسا ‏للجمهورية يا برهم وغير قادر على مواجهة ميليشيا، فكيف سيكون الأمر مع الجهات الرقابية؟
تاسعا. لو إفترضنا جدلا ـ وهذا من المستحيلات ـ ان مجلس النواب بقدرة قادر، وافق على المقترح ولم ‏يؤجله الى الدورة القادمة، وهو المتوقع، فهل يمكن للقضاء أن يحرك ساكنا؟
عاشرا. لو افترضنا جدلا بأن مجلس النواب صوت على المقترح، وأصدر القضاء ـ وهذا من المحال ـ ‏مذكرات إلقاء قبض بحق الفاسدين، فهل تستطيع (دولة المعز المقطوع الإذنين) من تنفيذ امر القضاء، ‏وإلقاء القبض مثلا على زعماء حزب الله، وعصائب أهل الحق، والنجباء وسائرون وغيرهم؟
إحدى عشر. يعلم الرئيس برهم ان مئات المليارات تم تقديمها كدعم الى دولة الولي الفقيه لمساعدتها ‏ماليا بسبب الحصار الامريكي، وبعضها تدفق الى حزب الله اللبناني، وحوثيي اليمن، وشبيحة الأسد، ‏فهل يظن الرئيس بأنه من الممكن إرجاعها، او سينطبق عليها المثل العراقي (إقبض بالمشمش)؟
إثنى عشر. عندما يقر مجلس النواب قانون عدم ازدواجية الجنسية لمن يتولى منصبا كبيرا في الدولة، ‏وعندما يكون النائب العام ورئيس المحكمة العليا والقضاة شرفاء وولائهم للعراق وليس للميليشيات ودول ‏الجوار، وعندما تُفكك الميليشيات الولائية، والحشد الشعبي برمته، وتسحب من العناصر الأسلحة، ‏وعندما تضبط الدولة تصرفات رؤساء العشائر المنفلتين، وعندما يُحل البرلمان والحكومة والقضاء ‏المسيس، وجميع الجهات الرقابية، ويَحل محلَهم عراقيون أصلاء، شرفاء، ولائهم للعراق فقط، عندها ‏فقط يمكن محاربة الفساد وإسترداد الأموال المنهوبة.‏
وهذا لن يتحقق الا من خلال الثورة العراقية الكبرى، وعندما يصحو الشعب العراقي من أفيون تيجان ‏الرأس، وينسق مع الناشطين من أبطال ثورة تشرين، ويبحث عن امواله المفقودة، ويطالب بها، ويلاحق ‏الفاسدين.‏
اقول للرئيس برهم: اسأل أي مواطن عراقي هذا السؤال: هل يمكن ان يصوت مجلس النواب على ‏مقترحي، وتحقق النصوص الواردة فيه، ونقضي على الفساد الحكومي؟ ويفضل ان يكون أحدهم أميا ولا ‏يفهم بالسياسة، والثاني من كبار المثقفين والإكاديميين، ستعرف حينها ان الجواب من كليهما، سيكون ‏واحدا. ‏
كلمة أخيرة للرئيس المتثائب: إخلد الى النوم يا رئيس الجمهورية، فما فاز إلا النُومُ، واترك العراق ‏وشعبه الى ربٌ رحيم، وكفاكم ضحكا على هذا الشعب المسكين؟
علي الكاش