يحكى أن طفلة تدعى فرح ،خرجت صباح يوم العيد تحمل بالونات ملونة رائعة جميلة ،وجهها مشرق وإبتسامتها مفعمة بالحب والجمال ،رقيقة رائعة ، حلوة كالسكر ،خفيفة الظل مبتهلة متهللة،ترقص كالفراشة فوق الأزهار ، كنسائم الريح العبقة بشذى الطبيعة ، رائعة كشجر السنديان هادئة كبحر أزرق يركن إلى الهدوء قبل أن يتقلب لتعكر مزاجه بيد إنسان عابث ،كانت فرح تحب المرح واللهو والإبتسام والضحك ، تبتسم مهللة مستبشرة بكل من يقابلها ، ترقص بين الطرقات عبر الساحات و في المتنزهات ،ومع اقتراب المناسبات الجميلة مثل يوم العيد بعد الصيام تتألق وتزهو فرحا ويستبشر الناس برؤيتها بثوبها الجديد يوم العيد .
بقيت فرح هكذا طول حياتها تجمع مصروفها اليومي وتضعه في حصالتها ،كي تشتري أشياءً كثيرة تحبها مثل ،الحلوى،والملابس خاصة، والشرائط الملونة لتربط شعرها والكثير الكثير مما تتمنى ، والأجمل من ذلك أنها تحب البالونات كثيراً، ففي حفل ميلادها كانت تعلقها في الزواية وتنثرها كالفراش فوق أرض غرفتها وتعلقها بالسقف مثل ايقونات ملونة تنعكس ألوانها في الأرجاء من حولها ، وفي كل مساء تحتضنها عند نومها حتى تفرقعها فتهدأ وتنام …وتعوَّدتْ أمها منها على ذلك،فتتركها كي يوم تلهو بها دون أن تنهاها أو تزعجها ..
وكانت فرح في الرحلات المدرسية تضع البالونات في ذيل الحافلة التي تقلها بالرحلة،وحين تصل مكاناً ما تفرقعها وصديقاتها ،معلنة فرحها الغامر بوجودها بين أحضان الطبيعة في الربيع معهم ، وفي أيام العطل كانت تلهو بها وتبقى تملؤها بالهواء لحين سماعها صوت فرقعتها وحين يأتي العيد تكتمل فرحتها، فتشتري كميات كبيرة منها طويلة وقصيرة وصغيرة وكبيرة ملونه بالأحمر بإعتباره رمز القوة والعطاء والحب ،و توزعها على صديقاتها لتعبر لهن عن حبها من خلالها، بالأخضر تعطي بسخاء كل من يقابلها وبالأصفر تعلن وجودها وغيرتها على كل من يلوث البيئة ويرمي القمامة في الشارع ،وتعترض باللون البرتقالي على من يتدخل في أمور هوغير مسؤول عنها أو من يكسر ألألعاب في الحدائق ،وتغضب ممن يضغط عليها ويمنعها من اللعب ، أو يثيرها ،وبالأزرق تهديها لكل عشاق البحر والسماء كي يسمون بأخلاقهن ،وبالأبيض تعلن السلام والوئام بين الأحبة ، وباللون الأسود تعلن سخطها على قتلة الأطفال ومجرمي الحروب وكل من يفكر بالشر والعدوان على الأبرياء وضحايا العنف .
هكذا عرفت فرح وكانت أمها تلقبها “أم البالونات” ،وكانت صديقاتها ينتظرنها كي تعطيهن بعض بالوناتها ،وحتى أولاد الجيران وكل من يعرفها ، و كبرت “فرح”وأصبحت صبية فاتنة رائعة الجمال ،ولم تختلف فرح في قصة عشقها للبالونات فقصتها مع البالونات صاحبَتْها في كل مكان :
فقد كانت تحمل البالونات في حقيبة مدرستها وفي رحلاتها وتجوالها ،وعند زياراتها جميعها …
وفي اول الربيع أعلن اليوم عبر المذياع أنه العيد عيد الفرح ، وعيد فرح سيكون عيدين ،مع بدء الربيع وعيد البالونات الرائعة ،بدأت تنفخبالوناتها المختلفة ذات الألوان المختلفة منها الصفراء والسوداء والبرتقالية بالهواء ،وجمعتها في شريط واحد ثم ألقتها بالهواء تراقصها وتحلق بها كفراشات الحقول في الربيع .
،ذلك اليوم لاحظت أمها أن سحابة حزن تجتاح وجه فرح فدعتها وقالت لها: يا فرح اليوم ربيع والجو بديع وملامحك لا تبدوعليها السعادة فرقصك لا يعبر عن فرح وحتى بالوناتك غير تلك التي تجمعينها بكافةالألوان،صمتت قليلاً ،ثم أجهشت بالبكاء ،فقالت لها امها ما يبكيك يا فرح وأنت لاينقصك شيء؟!هناتنعمين بحنان أسرتك ومن حولك، تلعبين كما يحلو لك ترقصين تتعلمين في مدارسمتميزة وبيتك في وسط البساتين والطبيعة الخلابة ! فما الذي ينغص بهجتك؟!
فقالت فرح: “كيف أهنأيا أميوهناك أطفال كثيرون محرومون من الفرحيعيشون تحت مظلة القهر والظلم والحرمان ،ما بين اليتم والفقر ونقص فيالتعليم،ويعانون الجوع وبعضهم أسيرفي فلسطين جميعهم غير مستقرينفي العراق في الصومالجياع وكذلكالسودان والآ لاموالأحزان في سوريّـة والنزاع في لبنان وحروب الصليبين ، وفي كل أرجاء الأرض قتل وتدمير ،كيف أفرح وهناك طفولة تعاني الحرمان ،ترى من ينقذها ومن يلملم أشلاءها ،هناكأطفال في غزةوسائر فلسطين وسوريا والعراق وغيرها من البلدان يعانونمن حرب دامية ،وهناك أطفال تشردوا وارتحلوا إلى عالم آخر وفقدوامعانيالطفولة البريئة والفرح المفقود من حياتهم ، لهذا يا أميأحمل هذه البالونات اليوم معبرة باللونالأحمر رمز الحب والتضحيةوهي تعبير عن غضب يلوث الفرح والسعادةبدم الأحرار..
أنا يا أمي سأنفخ بالونات صفراء وخضراءوبيضاء وسوداء وحمراء وهي ألوان الأعلام العربية ،أحاول أن أعبر في ألوان بالوناتي في هذاالعيد يا أمي عن أمنياتي بتجديد الوحدة العربية ،و أرسل لهمرسائل خاصة ، سأبعثها لكل الأمم هي دعوة للبلاد الإسلامية والعربيةكي تتوحد وتجتمععلى الحب ،لتسترجع القدس التي هانت عليهم بين براثن الصهاينة ،والتي يقايضون عليها لتسيير أمورهم ،أدعوهم جميعا للتعاون في مواجهة الخطر القادم من الغربأدعوهمإلى الوفاق والاتفاق لرفع الظلم عن سكان سورية ألوح لهم أطالبهم بدرء المخاطر البيئية عن الأطفال وعن الديار وحماية الطبيعة من الاندثار،أحاول أن أرسلرسائل سلام للجميع من خلال البالونات الملونة ، يا أميفي هذا العيد الحزين كثيرونيعايشونالآلام والأحزانفي اليمن وغيرها ، ووراء النهر ،خلف الجدار في فلسطين ،طفولةمحرومةمن فرح العيد وكثيرون في فلسطين يعيشون النكبةوفي غزة محاصرين.
دعيني يا أميأذهب إلى مهبط الطائرات المهجور ،مقابل القدس الأسيرة، على مقربة منالبحر الميت بجوار مدينةعمان هناك سأطل على أراضينا المحتلة سأطل على مآذن القدس الحزينةوعلى مهد السيد المسيحوكنائس بيت لحم والمسجد الإبراهيمي في الخليل وأرى سهول نابلس .
دعيني أخبرهم أني أحتاج لصابوننابلس كي أغسل همومي ،وللكنافة اللذيذة،وأشتاق لتفاح الشام وفاكهتها العجيبة التي تشوهت من الحروب ،وتشرد السكان من البطش والفتن والدمار ،ومن غادرها حزناً لاحتلالالجولانالتيتنتظر التحرير،وطفولة محرومة تنتظر قرب بيت حنون وخان يونس ومخيم النصيرات ،لأعلق بالوناتي هناك علىبوابات القدس على باب الأسباط وباب المغاربة والزاوية وغيرها من المواقع المحتلة
سأغنيأغنية الفرحبالعيد ،وقد يأتي العيد بشيء جديد يغير أحوالنا وكل البلاد لنصر أمتنا العربية الإسلامية،،،سأفرقعها في كل مكان هنا وهناك.
نظرت الأم إلى ابنتها فرح وقالت بسعادة وفخر،إنك والله أنت أقوى من كثيرين ،تحملين في فكرك كل هموم العرب وترسلين رسائل الحب والأمنياتالكبيرة لكل الناس وأنك يا فرح أكبر معنى وأكثر تعبيراً منا جميعاً بهذه البالونات الرهيبة التي تحمل آلاف الرسائل وكل المعاني الواضحة الصريحةالبالونات حين تمتلئ بالهواء فتفرقع بصوت رائع محبب معلنة غضبها من الضغوطاتبهواء ينفث بهموم المساكين ، مثل كثيرين صامتين وثواريفضلون الموت عن البقاء تحت نير غاصب محتل أو في ظل الإهانة ومذلات لا تقبلهاالقوانين والتشريعات الإنسانية.
هيا يا فرح سأذهب معك إلىمهبط الطائرات المهجور على قمة جبل نيبو لمدينة مأدبا الفسيفسائية قرب متحف التاريخ وحكاية التراث الموروث في تلك البقعة المطلة على فلسطين الحبيبة السليبة ،وصرخت بفرح وقالت هيا لنفرقععشرات البالونات معك ، ونعلن سوية فرحنا بالربيع الطبيعي الرائع،تعبيرا عن  رفضنا لاحتلالٍ فلسطين ورفضنا لحصار غزة ، وسلب أرضنا المقدسة  الطهور  وأسر شبابنا ،وحصار القدس والمسجد الأقصى وأسرهم تحت نير المحتلين  وقتلالطفولة وأسرالأبطال الاحرار  المقاومين،،هيا بنا نذهب .،وانطلقت فرح مع أمها وقد علقت البالوناتالملونة  بأطراف السيارة من الخلف  وابتسامتها تعلو وجهها والفرح يرقص في زرقة عينيها وبدت على محياها علامات الرضيالنابعة من أعماقها بعدماوجدت بأن بالونات العيد ورسائلها  أقوى تعبيراً مما في داخلها من السخط والحقد على المحتلين ، المؤتمرات والقمم  والمنابر  الاعلامية التي تدعي الكثير وتعِدُالناس بما هو مستحيل.

انتهت