عرف العراق بعظمة أمجاده، فله في التاريخ صفحات مشرقة وآثار طيبة، ومآثر مشهودة في العزة والإباء والثراء، وفي الفكر والعلم والجهاد، كان حاضرة الإسلام، وموئل العلم والسلطان، قال فيه الخليفة الراشدي عمر ابن الخطاب: “الْعِرَاقِ كَنْزُ الْإِيمَانِ، وَجُمْجُمَةُ الْعَرَبِ، يحرزون ثُغُورَهُمْ، وَيَمُدُّونَ الْأَمصَارَ، هُمْ رُمْحُ اللَّهِ في الآرضِ، فاطمَئنوا فإنََ رُمْحَ اللهِ لا يَنْكَسِرِ  “فما الذي تغير فيه ليصبح حديث الناس ومثلهم في الفقر التنابز والاقتتال، وسوء الحال وتردي الأوضاع؟ العراق منذ الغزو الأمريكي يوما بعد يوم، وسنة بعد سنةـ يتراجع وينكمش على نفسه، ذاب شحمه، وأكل لحمه، ونتق عظمه، ولا حول ولا قوة إلا بالله. 

 العراق اليوم لم يعد عراقيا عربيا مسلما كما كان، وعلته علة أمة أسلمت سورها وسندها لعدوها ففتحت على نفسها أبواب التتر والغجر، العراق اليوم مختطف، أبناؤه أسرى، وترابه مدنس، وخيراته مستباحة، وقد ابتلي بأفتين أشد من الاحتلال، وأقسى من الاستعمار، هما الطائفية والفساد، والعراقيون مستهدفون في هويتهم وانتمائهم ووجودهم وأموالهم وأعراضهم، بعد هيمنة الوافدين مع المحتل ممن أمضوا عمرهم خارج العراق، غيروا انتماءهم  وولاءهم، ونسوا قيمهم  وتقاليدهم، ولم يستفيدوا من تجاربهم. فمن كانوا يدعون المظلومية بالامس هم اليوم يظلمون، ومن كانوا فقراء يتسولون هم اليوم يحجبون عن الفقراء ما يسد الرمق، ومن كانوا خارج السلطة لاجئين اليوم داخلها يقتلون ويغتصبون ويعذبون ويهجرون، ومنذ الاحتلال الغاشم لم يتول عراقي صميم يحتفظ بجنسيته العراقية ولم يتلوث بغيرها، رئاسة الحكومة، أو وزارة الخارجية، أو وزارة النفط، أو وزارة المالية، وكل المناصب السيادية حكرا على المجنسين بالجنسية الإيرانية والأمريكية والبريطانية وهلم جرا..  وهذا شأن اغلب النواب والوزراء والسفراء، ومن شغلوا المراكز الحساسة {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ{. فكيف يكون العراق عراقيا أو عربيا؟ 

 لقد همش العملاء الدخلاء الوافدون على دبابات الغزو، ابناء العراق الامناء الأصلاء الأوفياء، ممن خاضوا غمار الحرب سنوات، نازلوا المعتدين دفاعا عن تراب وطنهم، وذادوا عن شرف امتهم، وقاوموا شضف العيش وجور الحصار وضنك أيامه، ورفضوا الاحتلال وقاوموه، لكن المحتل فوض أمرهم إلى عبيده وسدنته وأدلائه، أدعياء الوجه والدم واللسان ممن لا دين لهم ولا وطن، ضلوا وأضلوا، بصموا باليد اليسرى على الولاء لأعداء العراق في الغرب، وباليمنى على الولاء لأعدائه في الشرق. وقد اعتادوا التطفل على فتات الموائد هنا وهناك، تبلد إحساسهم وماتت ضمائرهم. وخاضوا مع الخائضين. ينقضون العهود ويخونون الأمانة ويفارقون العدل، ويأنسون سرقة الأموال وتدليس الحقائق. والتف حولهم قوم جوج وماجوج. ورط كبيرهم صغيرهم، وأغرى صغيرهم كبيرهم طمعا وجشعا، تلوثت أيدهم ووضع كل منهم يده في جيب الآخر، أحلوا الحرام واستمرؤوا الخطيئة! فمن يحاسب من يا ترى؟ ومن يقاضي من، ومنهم الرؤساء والوزراء والسفراء والنواب والقضاة والعساكر والسجان، وهم من تسبب بطوفان الطائفية والفساد فاورث العراق الدم والفقر والجهل والمرض، يتباكون على العراق وهم من نحروه، يقتلون القتيل ويمشون في جنازته. حتى أضحى شأن البلد الضجيج والبكاء.  

ساسة العراق اليوم صناعة الغزو والاحتلال، أسند إليهم الأمر وحماهم، وهم مابين سياسي طارئ على السياسة، ومتدين يجهل من الدين أكثر مما يعلم، امتهنوا الفساد وتاجروا بالطائفية التي أغرقت البلد بطوفانها، يلعنون الطائفية ويتبارون في مضمارها، يلعنون الفساد ويمارسونه كورق القمار ليلا ونهارا، يظهرون ما لا يبطنون، ويقولون ما لا يفعلون، ساسة ازنى من القرود واخس من الذئاب، وأخبث من الأفاعي، يتقوون على الضعيف، ويشرهون على التمرة والرغيف، خانوا امتهم وجانبوا دينهم ، وجوعوا شعبهم هجروه وقتلوه وسرقوه يروجون للتغير ويقفون ضده، وصدق فيهم قوله تعالى:{وإذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وإن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ