الديمقراطية في العراق وهم
داعب عقول الحالمين

علي الكاش

العراقيه‎ ‎الأصل الامريكية الجنسية ( زينب السويج) وهي امرأة من البصره، هربت من العراق بعد ‏حرب الخليج‎ ‎الاولى 1991 وعضو في الحزب الجمهوري الامريكي. في أغسطس 2004 ألقت ‏زينب‎ ‎السويج كلمه في الجلسه الافتتاحيه للمؤتمر القومي للحزب الجمهوري لدعم‎ ‎إعاده ترشيح ‏جورج دبليو بوش لفتره جديده بالقول” جئت الى المؤتمر لاخبركم أن العراق يتمتع بيوم‎ ‎جديد، و ‏امريكا بقياده الرئيس بوش‎ ‎القويه‎ ‎قدمت للعراقيين أثمن هديه يمكن ان تقدمها دوله لدوله أخرى، ‏هديه الديمقراطيه والحريه لتقرير مصيرهم”.‏
غالبا ما يتبجح عدد من المسؤولين العراقيين والإعلام العراقي المأجور وفرقة الزبابيك بالأجواء ‏الديمقراطية بعد الفتح الامريكي المبين كما أشارت السويج، وتلك الديمقراطية اشبه ما تكون ‏بالسعلوات الكثير يتحدث عنها ولا أحد رآها، لا يمكن ان تلمس في العراق المحتل أي من ملامح ‏الديمقراطية في جميع المجالات السياسية، والثقافية، والاجتماعية، بل ان الأحزاب الاسلام الحاكمة ‏لا تؤمن مطلقا بالقيم الديمقراطية، فهي تعتبرها آفة يمكن ان تلتهم القيم الشرعية التي يؤمنوا بها ‏ظاهرا، ويكفروا بها باطنا، فلا هم في الواقع ليبراليون ولا هم علمانيون ولا هم متدينون، ويمكن ‏ان نصفهم بأنهم منافقون وانتهازيون، علاوة على عمالتهم وتنفيذهم أجندات خارجية على حساب ‏مصالح الوطن العليا. ‏
الجرائم التي ارتكبتها الحكومات العراقية المتتالية منذ تولي الإرهابي الأول في العراق نوري ‏المالكي وخصمة المزيف مقتدى الصدر الحكم، ولغاية رئيس مجلس الوزراء الحالي محمد شياع ‏السوداني تعبر عن القمع والطغيان والإستبداد، وموقف الحكومة العراقية واصحاب القبعات الزرق ‏‏(الصدريين) من التظاهرات السلمية ليس بعيدة عنا، حتى الولايات المتحدة الامريكية مصدرة ‏الديمقراطية المسلفنة الى العراق من خلال الغزو غضت النظر عن قتل (800) متظاهر وجرح ‏وتعويق (30000) متظاهر سلمي، وهي التي صدعت عقولنا وما تزال بإسطوانه مقتل تاجر ‏السلاح عدنان خاشقجي، مع انه سعودي، وقتل من قبل اجهزة مخابراتية سعودية، وفي مكان ‏سعودي (السفارة السعودية)، واستنكرت المملكة عملية الإغتيال بشدة، وفتحت تحقيقا بالحادث، وتم ‏تنفيذ الأحكام المشددة على القتلة، لكن هذا لم يقنع دولة الإرهاب الأولى في العالم بإجراءات المملكة ‏الصحيحية والتي تتوافق مع القوانين الوطنية والدولية. ‏
لم تخجل الادارة الامريكية من تسمية الشارع الذي تقع فيه السفارة السعودية في واشنطن (شارع ‏خاشقجي)، وربما استعارت التسمية من الولي الفقية الذي سمى الشارع الذي تقع فيه السفارة ‏السعودية في طهران بـ (شارع نمر النمر) وهو العميل الايراني المخضرم صاحب الفتن الطائفية ‏الذي أعدمته المملكة بعد العشرات من الإنذارات التي لم يعبأ بها، وكان يسخر منها. كان من الأجدر ‏بالمملكة ان تسمي الشارع الذي تقع فيه السفارة الامريكية في المملكة (شارع أبي غريب) لتذكير ‏الإدارة الأمريكية والعالم بالقيم الديمقراطية التي مارستها الولايات المتحدة في سجن ابو غريب في ‏العراق او على الأقل (غوانتنامو) تذكيرا بسجونها الشهيرة وما يمارس فيها من تعذيب لا يخطر ‏على بال الشيطان نفسه، وقد نشرت مؤخرا صورا مقرفة عنها.‏
لنحاول ان نلقي أولاً نظرة سريعة على تخبط الأدارة الأمريكية في سياستها وتوجهاتها الشاذة في ‏العراق، وهذا التخبط ليس جديداً في تأريخها الأستعماري فهي لم تحتل بلداً في العالم إلا وتركته ‏خربة تنعق فيها البوم، من مشاكل وفتن دينية ومذهبية وامراض سياسية واقتصادية وثقافية ‏واجتماعية مزمنة حذت فيها حذو النعل بالنعل مع الإستعمار البريطاني في المنطقة، فلا تزال فيتنام ‏متخلفة تعاني من وطأة الغزو الأمريكي حتى بعد مرور عقوداً طويلة على تحريرها، وكذلك الأمر ‏في الصومال وافغانستان واخيراً وليس آخرا في العراق، الأدعاءات بأمتلاك العراق أسلحة التدمير ‏الشامل والذي ثبت سخافتها وبطلانها، جعلت القطب الأوحد اضحوكة للعالم بإفتراءاته الكاذبة، مما ‏ورجح كفة الثقة بالحكومة العراقية السابقة التي كانت تصر وتؤكد على أتلاف هذه الأسلحة، لكن لا ‏حياة لمن تنادي، الى مزاعم تحرير العراق من الطغيان ونشر القيم الديمقراطية في العراق رغم ‏علمها بأن الديمقراطية لا تباع ولا تشترى، ولا تهدى من أمة لأخرى، وأنما هي منهج سياسي ‏واقتصادي واجتماعي وثقافي يحتاج الى رؤية شاملة وخلفية ثقافية ـ إذا لم تكن عبر ثورة ثقافية ـ ‏اضافة الى مستوى مرتفع من الوعي في مختلف الشرائح الأجتماعية وتوفر نخبة وطنية ممتازة ‏قادرة على أدارة البناء الديمقراطي، وترسيخ القيم ذات العلاقة، وتنامي الوعي الوطني، ‏فالديمقراطية أشبه سلم يُرتقى درجة بعد أخرى.‏
علاوة على تصريحات عديدة من مسؤولين بما فيهم امريكان واوربيين عبروا عن خيبة أملهم في ‏تحقيق الديمقراطية في العراق كان منهم وزير الدفاع الجيكي (اندرية فلاهوت) الذي اعلن “ا ن ‏فشل التدخل العسكري الأمريكي في العراق كان متوقعاً، وليس من الضروري ان يكون المرء نابغة ‏ليفهم حقيقة ما يحصل في العراق”. وصرحت كوندوليزا‎ ‎رايس في لقاء عقدته في معهد بروكينغز ‏في 11/5/2017، إن أمريكا اجتاحت العراق عام 2003،‎ ‎للإطاحة بالرئيس العراقي، صدام ‏حسين، لا لجلب الديمقراطية للدولة الشرق‎ ‎أوسطية المحورية‎.‎‏ وأشارت‎ ‎رايس في تصريحاتها ‏إلى أن الولايات المتحدة اتخذت قرار غزو العراق مع‎ ‎حلفائها عام 2003، وهي تعلم أنها لن تجلب ‏الديمقراطية لتلك الدولة، ولكنها‎ ‎سعت في حقيقة الأمر للإطاحة بالرئيس صدام حسين‎.‎‏ ذهبنا إلى ‏العراق بسبب مشكلة أمنية‎ ‎بحتة، تتعلق بوجود صدام حسين في الحكم، لكننا لم نذهب لجلب ‏الديمقراطية”. هذا التصريح يلجم لسان أي متحدث عن الديمقراطية في العراق وان الغزو جاء ‏لزرعها في غير أرضه.‏
لم تكن التغييرات التي حصلت في العراق سوى إنعطافة خطيرة في سياقاتها التأريخية مقارنة ‏بغيرها من التحولات التي صاحبت عددا من دول العالم رغم انها انطلقت كحالة متأرجحة بين ‏البراغماتية الراضخة للواقع السياسي والمستسلمة له طواعية، وبين الرغبة الأصلاحية للإرتقاء ‏بالأوضاع الحالية الى رحاب أوسع مستمدة من الطموحات والأفكار الطوباوية لبعث مخاض جديد ‏من شأنه ان يبشر بولادة عراق جديد يفك اغلال القيود التي عاشها خلال تأريخه المعاصر ،واتاحة ‏متنفسات حقيقية قابلة للترجمة الى واقع ملموس من خلال رفع لواء النهوض والتنمية والثقافة ‏والوعي وتجسيد الأفكار الجديدة المتمثلة في صيانة وتعزيز حقوق الأنسان والحرياته الأساسية ‏وإرساء دعائم البناء الديمقراطي الصحيح في العملية السياسية بعد أستيعاب الخصوصيات المتعددة ‏فيه، وان يكون الأنطلاق والتفاعل وسيلة كفؤة لبلورة الصيغة الحضارية للعراق الجديد. وهذا ‏مصداق لقول الناشطة الامريكية في مجال حقوق الإنسان (سيندي شيهان)” الولايات المتحدة عبارة ‏عن امبراطورية الكذب والقتل”. ‏
كما وصف المحلل الستراتيجي (‏Gore Vidal ‎‏ ) في 25/ 2/ 2003 الغزو الامريكي للعراق ‏بأنه ” ضربة من أجل الهيمنة على العالم وهي شبيهة بمحاولات هتلر”. وذكر (د. أنتوني ‏كوردسمان) الخبير العسكري في مركز الدراسات الإستراتيجية‎ ‎والدولية في واشنطن في تقييمه ‏لتلك الحرب التي ساند إنهاءها حوالي خمسة‎ ‎وسبعين في المائة من الأمريكيين فقال” لقد خاضت ‏القوات الأمريكية تلك الحرب‎ ‎في عام 2003 لأسباب خاطئة، وكل ما حققته الغزوة الأمريكية هو ‏تدمير قدرات‎ ‎القوات المسلحة العراقية على ردع إيران دون أن يكون لدى الولايات المتحدة‎ ‎أي ‏خطة واضحة لاستعادة الأمن والنظام من خلال نظام حكم ديمقراطي”.‏
إذا كان كبار الساسة في الولايات المتحدة يعترفون ان بلادهم لم تغزو العراق لينعم شعبه ‏بالديمقراطية والحريات الأساسية، فما بال زعماء العراق وجوقة الزبابيك يتشدقون بالديمقراطية ‏التي جلبها المحتل؟ ولا ننسى ان العراق يحتل المرتبة الأولى في العالم بعدد الإعلاميين الذين ‏قتلتهم قوات الأمن العراقية والميليشيات الرسمية (500 صحفي)، أما حرية التعبير فأبرز شاهد ‏عليها هو تعامل الحكومة مع ثوار تشرين الذين كان مطلبهم الوحيد والشرعي (نريد وطن)، فأبت ‏الحكومة ان تنفذ لهم هذا الطلب مع انه حق كفله الدستور لكل مواطن. أرادوا وطن فوهبتهم ‏الحكومة الرصاص الحي والقنابل الدخانية، ولا أعرف كيف سيكون الأمر لو طالبوا بحقوقهم ‏الكاملة بثروات وطنهم؟
ذكر السياسي (بيتر بريستون) ” ان الديمقراطية في العراق مجرد وهم” . غارديان 10شباط ‏‏2003 وهذه هي الحقيقة التي لا تقبل الجدل.‏
في الختام
ان (قانون جرائم المعلوماتية وحرية التعبير عن الرأي ) الذي يناقشه مجلس النواب مؤخرا والذي ‏يتعارض مع مواد الدستور إذا تم إقراره، سيكون التشييع الرسمي للديمقراطية في العراق.‏

علي الكاش