د.حسيب حديد
عرفت مهنة الحلاقة في العراق القديم من خلال نصوص عديدة تطرقت الى الحلاق والى وظائفه والى مكانته في المجتمع وعلاقاته مع مختلف الطبقات الاجتماعية.
ومن خلال النصوص اصبح من الواضح ان الحلاق كان يمارس وظائف عديدة لا تتحدد بمهنة الحلاقة فقط.
فقد اكدت بعض النصوص ان الحلاق كان يضع الوشم للعبيد او يزيله.
وهذا امر لا لبس فيه لان المادة (226) من قانون حمورابي نصّت على ما يأتي:” اذا أزال الحلاق علامة عبد بحيث لا يعرف صاحب العبد يقطعون يد الحلاق” ( أي من دون معرفة مالك العبد).
ونصت المادة (227) من قانون حمورابي ايضاً على ما يأتي:” اذا خدع رجل حلاقا وازال علامة العبد بحيث لايعرف يقتلون ذلك الرجل ويعلقونه على بابه ويقسم الحلاق ويقول(لم احلق عن معرفة) ويتم اخلاء سبيله”.
( لا بد من الاشارة الى ان ترجمة هذه المواد هي ترجمة حرفية بحتة وحسب ما وردت في قوانين حمورابي التي تتضمن 282 مادة وتم تدوينها عام 1750 او 1751 ؟ قبل الميلاد) ان ورود الحلاق في اكثر من مادة قانونية من قانون حمورابي تدل بما لا يدع مجالاً للشك ان للحلاق مكانة معينة في المجتمع في العراق القديم.
وكما هو معروف يزاول الحلاق مهنته ويقوم بحلاقة الملوك والشخصيات في القصر الملكي ويحلق العبيد.
وكشفت النصوص التي عثر عليها النقاب عن ان الحلاق كان يحلق العبيد بطريقة معينة لكي يتم تمييزهم عن غيرهم.
فقد اعتاد الحلاق عمل تسريحة خاصة جداً بالعبيد ليتم تشخيصهم من خلال تلك التسريحة.
اي ان التسريحة الخاصة للعبيد كانت معروفة لدى الجميع في ذلك الوقت.
ومن الاهمية بمكان ان نشير الى ان هذه العملية لا تتم بالاكراه والاجبار والاهانة وانما كانت تتم بموجب عرف اجتماعي متفق عليه وبالتأكيد يتم ذلك بموجب اوامر ملكية.
والهدف الذي يكمن وراء ذلك تسهيل مهمة معرفة العبيد.
ويذكر ان هذه العملية كان يصاحبها العديد من الطقوس.
ومن جهة اخرى يحضر الحلاق مع الشهود عند ابرام بعض العقود.
اذ يتطلب ابرام العقود حضور شهود بين ثلاثة شهود وحتى الى (17) شاهد في بعض العقود التجارية كما تذكر ذلك النصوص التي عثر عليها.
وربما يدل ذلك على الثقة التي كانت تمنح للحلاق بأعتباره لديه خبرة في الحياة ولديه علاقات مع مختلف الطبقات الاجتماعية بحكم مهنته.
وفي نص آخر تم ذكر حلاق العائلة اذ يبدو ان لكل عائلة هناك حلاق خاص بها.
ويذكر النص المرقم CT 53:165 ان (Imbo) حلاق العائلة جاء من عيلام ولم يره الحاكم وتم ارسال رسالة الى الحاكم ليتم اعلامه بذلك.
وعثر على نص آخر يحمل الرقم (668-28) حول شراء عبدين اثنين بحضور(10) من الشهود منهم قائد وحدة عسكرية وم2قاتل وسائق عربة وصائغ وكاتب بالاضافة الى الحلاق الذي كان له مكانة مميزة.
وعثر ايضاً على نص يذكر العاملين والحرفيين في معبد نينورتا في نفر وتم ذكرهم بقائمة مستقلة تضمنت النسّاج والخادم والساقي وساكب الماء وحرس القصر والمحاسب والمراقب والكاتب والكهنة بالاضافة الى الحلاق وهذا يعني ان الحلاق كان من ضمن العاملين في المعبد وهو من الاعضاء البارزين فيه ويظهر في كثير من الاحيان ضمن المرافقين والمقربين للملك كما هي الحال مع كوديا.
وتتمتع مهنة الحلاقة بأهمية خاصة اذ ان اختيار الحلاق يعد خطوة مهمة يصاحبها مراسيم معينة وذكرت النصوص انه يتم تقديم القرابين من الاغنام في الشهر التاسع والعاشر.
ويذكر ايضا ان للحلاق صفات جسمية خاصة به علماً انه في العصور الاولى تميز طاقم المعبد ليس فقط بملابسه وانما ايضا بصفات جسمية معينة.
ومن الملفت للنظر حقاً وجود حلاقات للنساء وظهر ذلك من خلال الرسوم التي تم العثور عليها وهذا يعني ان سكان العراق القديم كانوا قد وصلوا الى درجة معينة من الترف والحياة السعيدة التي نجد فيها حلاقات للنساء.
ويعكس لنا ذلك ايضاً ان للمرأة دور بارز ومهم في تلك الفترة لانه كما يبدو كانت تظهر بمظهر ينم عن الاناقة ويعكس الذوق الرفيع للمجتمع بصورة عامة والذوق الرفيع للمرأة بصورة خاصة.
وهذا يعني ايضا ان المرأة كانت تهتم بمظهرها وهذا بدوره يعكس لنا المكانة التي كانت تحتلها المرأة في المجتمع في بلاد وادي الرافدين.
وفضلاً عن مهنة الحلاقة المعروفة كان الحلّاق يزاول مهن اخرى واهمها مساعدة الطبيب اذ ان هناك تقارب كبير بين بعض اعمال الطبيب وما يقوم به الحلاق.
حيث يقوم بمعالجة الجروح والاسعافات الاولية وكثير من الامور التفصيلية الاخرى.
وذكرت النصوص ان الحلاق كان يقوم بكثير من الاعمال التي يقوم بها الطبيب وهذا يجعلنا نفكر بما يقوم به الحلاق ربما الى الوقت الحاضر.
ومن الجدير بالذكر ان الحلاق في العراق القديم كان يقوم بتقليم الاظافر حسب ما ورد في عدد من النصوص.
وكما هو معروف ان الحلاق الى وقت قريب كان يقوم بمهمة ختان الاطفال ومعالجة الجروح والاعمال الاخرى التي هي من مهمة الطبيب.
ومن الاهمية بمكان الاشارة الى ان للحلاق عدّة مناسبة جداً لمهنته فقد عكست الرسوم عدة خاصة للحلاقة منها المشط والمقص والموس او الشفرة التي كان يستعملها الحلاق.
وينبغي القول ان هذه التفاصيل وغيرها وردت في النصوص التي عثر عليها في عدة مواقع اثرية في بلاد وادي الرافدين.
ولابد من ان نذكر ايضاً ظاهرة جديرة بالاهتمام هي استعمال الالوان او صبغ الشعر وقد اكدت بعض النصوص على استعمال صبغ للشعر سواءً بالنسبة للرجال ام للنساء على حد سواء.
وتذكر النصوص انه في الفترات اللاحقة انيطت بالحلاق مهمة بعيدة عن مهنته ولا علاقة لها بها وتتمثل هذه المهنة بتدمير الالواح التي لم تعد نافذة وذلك بأمر ملكي.
وهذا دليل آخر يؤكد اضطلاع الحلاق بمهام عديدة في العراق القديم وهذا ما اكد عليه اللوح المرقم 15:7 .
بناء على ما تقدم بات متضحاً ان حضارة وادي الرافدين كانت متكاملة من جميع الوجوه لذلك تخلّدت ذكراها وستبقى كذلك.