بين البرد والبرود علاقة وثيقة فكلاهما من مصدر واحد ، وهما وصفان مهمان لحالة من الفشل المستديم يصيب المنظومة العربيةولايفارقها حتى في أيام الصيف التي تضرب من أبرل وحتى أكتوبر وتحيل الأرض الى رمضاء لاحياة فيها ، وليس من أمل في وجود فرصة للهناءة وتغيير الحال معها بإنتظار إنخفاض في الحرارة مع بزوغ الخريف المضمخ بالطين وبعض المطر المعتق منذ الشتاء الفائت.

البرود العربي مقرف لايستهدف جسدا بعينه ويحيله الى العجز ، بل هو في صميم  الإرادة التي تصلبت وتهشم منها مايكفي لإعلان عطلتها الطويلة ، ووقف نشاطها لتأمين مستقبل الأجيال العربية الطامحة والجامحة في بعض الأحيان تستهدف التغيير وصناعة الغد ،مع عدم وجود اليقين بنجاح الثورة التي يمكن أن يفجرها من يرغب ، وهو ماحصل بالفعل في ربيع العرب الذي لم يعد يصلح له أي وصف فهو فشل كارثي قد أدى الى سقوط أنظمة ، لكن المخيف إنه يؤدي الآن الى إنهيار الدول العربية الكبرى والحضارية وإخراجها من دائرة التأثير وتحويل دورها الى ثانوي بإمتياز ومنح ذلك الدور الى بعض مسميات بلدان عربية نشأت من بعض عشرات السنين ، وكارثة أن تخرج دول مثل (سوريا ومعها مصر والعراق ) وعمرها عشرات آلاف السنين من المعادلة أن تكون مركزا لصناعة القرار السياسي العربي بينما يحال الدور الى مسمى بلدان لايتجاوز عمربعضها عقودا من الزمن قليلة.

في سوريا تحول الصراع من أجل التغيير السياسي الى صراع من أجل الفناء وتدمير الذات فالسوريون يتقاتلون بقسوة متناهية ،الجيش الحكومي يعمل مابوسعه لإخماد حركة التمرد العسكري الذي تقوده مجموعات قتالية كانت قبل سنوات قليلة جزءا من منظومة الحكم الأمنية ، وفي المقابل ومن غير موعد مسبق يقاتل النظام وأعداؤه مجموعات من المتطرفين الإسلاميين

 الذين يريدون إقامة إمارة لهم في سوريا وفي العراق ، ولابأس أن تمتد الى لبنان لاحقا ، وحتى الأردن وفلسطين الخاضعة لحكم حماس ، أو منظمة التحرير في قطاع غزة ورام الله . القتال يشتد في الشرق بين متطرفي داعش والجيش النظامي وقوات حماية الشعب الكردي المتأهبة للدفاع عن أراض يقطنها الكورد السوريون وفي الشمال والوسط وفي الجنوب ، الى درعا التي كانت المنطلق .

يدخل البرد المتوحش والأكثر تشددا من كل التنظيمات الدينية المتطرفة طرفا في المعادلة السياسية والعسكرية ، ويعمل على مايبدو لصالح من يمتلك قدرة صناعة الدفء ولديه كميات تكفي من الطعام والمازوت والأغطية ،بينما لايجد الملايين من المواطنين لا الطعام ولا الثياب ولا الأغطية ولاأسباب الدفء اللازم لعبور الكارثة حتى نهاية يناير القادم .الثلج يتحرك من دولة عربية الى أخرى ويمر بسوريا ومعسكرات اللاجئين السوريين في لبنان والأردن وأقليم كردستان العراق ويحول الأرض الى بساط أبيض ممتد الى آلاف الكيلو مترات .

الثلج القاتل سيكون عاملا مؤثرا في الحرب السورية وستظهر علامات تأثيره أكثر خلال أسابيع ولم يستثن شيئا إلا وأهلكه من النساء والأطفال والمرضى والسجناء وقادة الحرب ،وكان النبات والحيوان من الضحايا ، وآلمني كثيرا رؤية حمارين متوقفين في العراء غطاهما الثلج ولم ينجدهما أحد وتجمدا وماتا ، وصارا مادة للتسلية في الفيسبوك.