الإرهاب…لادين له…عبر التاريخ / 22
بقلم : عبود مزهر الكرخي

جانب معسكر النور والفضيلة
وفي الجانب الأخر نجد الجانب النوراني المتمثل باهل بيت النبوة فهذا سيدي ومولاي أمير المؤمنين ينادي بأعلى صوته في معركة الجمل فيقول : {أيها الناس إذا هزمتموهم فلا تجهزوا على جريح (1) ولا تقتلوا أسيرا، ولا تتبعوا موليا، ولا تطلبوا مدبرا، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثلوا بقتيل ولا تهتكوا سترا، ولا تقربوا شيئا من أموالهم إلا ما تجدونه في عسكرهم من سلاح أو كراع (2) أو عبد أو أمة، وما سوى ذلك فهو ميراث لورثتهم على كتاب الله}(3).
وحتى الأمام علي(ع) لم يقر بذلك ولا أتخذ هذا المنحى في اخذ الاسرى والسبايا وبدليل طيلة فترة لم نسمع أنه تم القتل والتمثيل بالجثث بأبشع ما يكون وحتى أخذ السبايا بدليل أنه في معركة الجمل إن الإمام (عليه السلام) أمر محمد بن أبي بكر أن ينزل عائشة في دار آمنة بنت الحارث, ثم أمر بإرجاعها إلى المدينة, ورجع هو (عليه السلام) الى الكوفة. أرجع عائشة معززة مكرمة ومعها أربعين أمرآه تخفين بزي رجل فرسان ومعها أخوها محمد بن أبي بكر لكي لا يخدش عفتها وحياؤها مع العلم أنها لما وصلت المدينة أخذت بالتهجم على أمير المؤمنين لأنه أرسلها مع الرجال ولكن دعواها ذهبت أدراج عندما كشف الفرسان عن لثامهم فتبينوا أنهم نساء(4).
وبدورنا نتساءل من يمثل الإسلام الحقيقي وبأبهى صوره من القيم الإنسانية والسامية والتي لا تشوبها أي شائبة هل هو معسكر الطغاة والسفالة والأجرام والذي ذكرناه آنفاً وعلى مختلف الحقب الزمنية أم معسكر النور والتألق وهو مذهب أهل بيت النبوة أي المذهب والذي هو المرآة الحقيقة والناصعة التي تعكس الفكر والعقيدة المحمدية وبأعلى قيمها السامية العظيمة؟ نترك الجواب للقارئ لكي يحكم على ما تسألنا عنه.
ولو نتأمل في فعل هذه الأمور الإجرامية(والتي تتمثل بقطع الرؤوس والتمثيل بها وإهداء الرؤوس الى الطغاة من الحكام)لنجد ان تلك الأفعال تقف وراءها أسباب وأهداف سياسية وحتى اجتماعية تدفع الطغاة لفعل هذه الاساليب وممارسة هذه الجرائم وهي أهداف تتجاوز مرحلة النصر المؤقت لجعل تلك الجرائم حيث يسعى الحكام الديكتاتوريين لجعل تلك الجرائم عبرة رادعة لكل الخصوم والمناوئين لهم والمعارضين لحكوماتهم الجائرة، وكلّ مَن يفكر بتحريك الرأي العام والقيام بثورة مناهضة لهم، وفي مجال تحليل تلك الوقائع الإجراميّة والدمويّة التي شهدتها رمال كربلاء وباقي الثورات ضد حكام بنو أمية وبنو العباس ، يتضح لنا أن هناك جوانب عدة لتحليل هذه الظاهرة والتي هي موجودة ولحد وقتنا الحاضر وهي :
الجانب الأول : التشفي والحقد الدفين
وهذه الأفعال واضحة والتي ما تم ممارسته من أفعال وجرائم شنيعة في واقعة الطف وحتى في باقي الثورات المناهضة للحكام الطغاة وعلى مر العصورفعلى الرغم من قتلهم بأقسى الطرق
والأساليب الوحشيّة، عمدوا إلى قطع رؤوسهم والتمثيل بها وإهدائها إلى طغاتهم، ما يكشف
عن حقد دفين وضغينة عمياء وتقصّد للتنكيل بالمقتولين، وكأنهم يطلبونهم ثائراً يشبه ثأر هند آكلة الأكباد حينما وقفت على الجسد الطاهر لحمزة بن عبد المطلب عليه السلام متشفيّة، وقد عمدت إلى تقطيع أحشائه وإخراج كبده الشريف لتأكله!!(5). وكذلك ضرب ثنايا رأس أبي عبد الله الحسين(ع) بقضيب الخيزران من قبل أبن مرجانة ويزيد(عليهم لعائن الله) والمعروف والذي قال فيه عند وصول رأس الأمام الحسين(ع) ومعه سبايا ذراري آل محمد ليقول عند رؤية الرؤوس :
لمّا بدت تلك الحمول وأشرفت *** تلك الرؤوس على شفا جيرونِ
نعب الغراب فقلتُ: قل أو لا تقل *** فلقد قضيت من النبيّ ديوني(6).
(قال الآلوسي): يعني إنّه قتل بمن قتله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر، كجدّه عتبة بالوفيات: خاله ولد عتبة وغيرهما; وهذا كفر صريح، فإذا صحّ عنه فقد كفر به.
ليضيف ويقول :
ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج في وقع الاسل
فأهلوا واستهلوا فرحاً * ثم قالوا : لي هنيا لا تسل
حين حكت بفناء بركها * واستحر القتل في عبد الاسل
قد قتلنا الضعف من أشرافكم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل(7).
ليتمثل بقول عبـد الله بن الزبعرى قبل إسلامه بهذا الشعر.
لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل(8).
وقال ابن أعثم الكوفي: إنّ يزيد زاد من نفسه:
لست من عتبة إنْ لم أنتقم *** من بني أحمد ما كان فعل(9).
وهذا يثبت من خلال ضرب ثنايا أبي عبد الله بأن القلوب اللئيمة لأُولئك الطغاة قد مُلئت من رذيلة الحقد والكراهية، حيث كانوا يمارسون هذ العمل الإجرامي الفظيع بحق ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وهم يضحكون ويتغنّون بأبيات الكفر والجاهليّة.
ولو تقدمنا في التاريخ لنجد فرعون هذه الأمة المنصور الدوانيقي(10) وهو القائل: (قتلت من ذريّة فاطمة ألفاً أو يزيدون وتركت سيّدهم ومولاهم جعفر بن محمّد)(11)، وهو صاحب خزانة رؤوس العلويّين التي تركها لابنه المهدي تثبيتاً لملكه وسلطانه وقد ضمّت تلك الخزانة رؤوس الأطفال والشباب والشيوخ من العلويّين(12)!! ، وهو الذي وضع أعلام العلويّين وأعيانهم في سجونه الرهيبة حتى قتلتهم الروائح الكريهة وردم على بعضهم السجون حتى توفّوا دفناً تحت أطنان الأتربة والأحجار!!. وهذا الطاغية السفّاك قد اقترف من الفظائع ما لا يعد حصره، ومارس جميع الوان التصفية ضد خصومه وكان يمارس شتى انواع الإرهاب وبشتى صنوفه وهو الإرهاب بعينه وهو من السلف الشرير لداعش وكل الجماعات الإرهابية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ أي لا تقتلوا جريحا ولا تتموا قتله.
2 ـ الكراع – كغراب -: الخيل والبغال والحمير.
3 ـ مروج الذهب: ج 2 ص 371، وفي ط بيروت: ج 2 ص 362، ومثله مع الزيادة في الدر النظيم ص 115 وص 119. وأشار إليه أيضا الطبري في غير موضع من تاريخه، وذكره أيضا في الامامة والسياسة ص 77.
4 ـ المسعودي، مروج الذهب، ج‌ 3 ، ص‌113 – 114 .
5 ـ اُنظر: العاملي، جعفر مرتضى، الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله: ج23، ص58.
6 ـ تاريخ ابن الوردي وكتاب الوافي بالوفيات.
7 ـ إبن كثير – البداية والنهاية – الجزء : ( 8 ) – رقم الصفحة : ( 209 ). روح المعاني 26 / 109 وسـيأتي كلامه تماماً، وانظر: تاريخ ابن الوردي 1 / 164.
8 ـ تاريخ الطبري 5 / 623. الاحتجاج – الشيخ الطبرسي – ج ٢ – الصفحة ٣٤.
9 ـ الفتوح 5 / 151.
10 ـ تاريخ الخلفاء للسيوطي: ٢٦١.
11 ـ الأدب في ظلّ التشيّع: ٦٨.
12 ـ تاريخ الطبري ١٠ / ٤٤٦.