{ هل سقطوا علينا هؤلاء المجرمون.. من السماء ؟ }، هذا السؤال الواقعى والمنطقى الذى طرحه الأستاذ المفكر الكبير/ محمد حسين يونس مع كل التقدير لقلمه الكبير، هذا التساؤل ورد فى مقاله الاخير: هل يمكن(هكذا) أن نتعايش دون تدمير !!، إنه سؤال تفرضه فوضى القتل لكل من هب ودب وألصق بأسمه صفة ” الإسلامى”، فالواقع اليومى تحول إلى واقع بائس وشديد الألم يشترك فيه الغالبية التى بصمتها أو برفع صوتها بالتهليل مع قطع رأس كافر أو ذبحه وتدمير أماكن العبادة وإبتزازهم للآخرين، ومجتمع متخلف أمى عجز عن تحديد موقفه من هذه الأعمال الإجرامية التى تحدث يومياً أو أسبوعياً بأيدى إخوة له مصريين مسلمين، لكنهم خضعوا لأفكار دينية نرجسية سمعوها من شيوخ وكهنة الإجرام والتكفير للآخر، لهذا نشعر بالحيرة من وحشية المجرمين وإجرامهم ويخرج السؤال عفوياً كما طرحه مفكرنا الكبير/ محمد حسين يونس: هل سقط علينا هؤلاء المجرمون من السماء؟؟؟
 
وكما طرح أستاذى سؤاله طرحته أنا أيضاً على نفسى وأعتقد أن الإجابة المنطقية للسؤال: هى نعم، الحقيقة المؤلمة علينا جميعاً أن فكر هؤلاء المجرمون يسقط عليهم وعلينا أيضاً يومياً إذ أنه قد نزل من السماء، فى سابق الزمان وهيمن عليه رجال وكهنة الدين وتسابقوا فى تأويل كل كلمة وحرفاً فى هذا التنزيل الحكيم، وفى كل مناسبة دينية يلهج الفقهاء رجال الدين بهذا الفكر الذى نزل عليهم من السماء وقاموا على مختلف العصور بصنع وإبداع تراث دينى يشرح ويفسر للأجيال التى تأتى من بعدهم كل ما يختلفون فيه، لذلك لا أستطيع وصم هؤلاء المجرمون بخطأ التفكير أو إنحرافهم عن جادة الصواب الذى يمتلكونه فى كتب التراث التى تأسست على ما نزل من السماء لأنهم يتبعون نفس الكتب ونفس الافكار لأسلافهم وأجدادهم الأوائل، وأعتقد أن مفهوم أو مصطلح ” عملية الإنزال” هو الأدق من عملية السقوط من السماء، وهو المصطلح التى تناوله بالشرح والتفصيل الأستاذ والمفكر الكبير/ كامل النجار فى مقاله الاخير: القرآن وعملية الإنزال.
نعم هؤلاء المصريون أو العراقيون أو السوريون وغيرهم لم يسقطوا علينا فجأة من السماء بالمظلات، بل يكشفون عن الهوية الحقيقية لكل نصوص من النصوص سواء نزل من السماء الخاصة بالدين الجديد أو كل ما خطته أقلام الفقهاء من ترجمة مبسطة لتلك النصوص السماوية، ويشعر الكثير من المسلمين أنهم كانوا ناقصى المعرفة الدينية بالكثير مما يطلقه إخوتنا فى البشرية الذين ينزلون علينا من السماء فى عصرنا هذا وكأنهم يتكلمون بوحى جديد، لكنه نفس الوحى والنصوص الأصلية التى لم يحاول المؤمن العادى أن يقرأها ويتمعن فيها بالدراسة والتحليل والتفكير، بل ترك هذه العملية العقلية الشاقة لرجال الدين الفقهاء الذين أستحوذوا على هذا السلطان الكبير، ومنذ بداية الدين الجديد تعلم المؤمن وتربى على أن يجلس بين يدى الشيخ والخطيب ليسمع منه خطبة يوم الجمعة أو تفسيراته لنصوص القرآن، حتى وصلنا إلى أيامنا هذه ووصايا وشرائع وقصص السماء تنتقل من جيل إلى جيل عن طريق السماع من أهل العلم من رجال الدين، وإذا تجرأ أحداً من المتعلمين أو المثقفين وأقترب من تلك النصوص بالتفسير المخالف لرؤية التراث ورجاله، فإن الجميع يتهمونه بأنه أرتكب إهانة وجرماً عظيماً لأنه لا يحق الأقتراب من هذا الميدان إلا أهله الشرعيون.
من هنا فإن عملية الإنزال السمائى قد أنتهت وهى مدونة ليس فقط على جلود الحيوانا كما كان فى سالف الزمان بل على ورق وفى مجلدات كبيرة وعلى وسائل تكنولوجية حديثة، والدعوات الخجولة لتجديد وتصحيح الخطاب الدينى ستذهب جميعها هباء وبلا طائل، فالحقيقة التى يخشاها الجميع هى أنه ليس حقيقياً أن الخطاب الدينى الإسلامى متخلف، وأن هذا الخطاب المتخلف والمتعصب لدينه ورسوله الصادر من الخطباء والدعاة والشيوخ هو سبب هذا الإجرام أو كما يسميه الكافرون بأسم الإرهاب، الحقيقة التى يتعامى عنها الغالبية أن الخطاب الإسلامى الحالى هو الخطاب الدينى الأصلى وأصحابه وهم يتكاثرون يوماً بعد يوم ينهلون أفكارهم وشرائعهم من تراث الأولين وما نزل من السماء الإسلامية كتاباً فيه الحق المبين.
وهكذا بمرور السنين أنحسرت أصوات وكتابات المثقفين عن توضيح الحقائق بكل صراحة ومساعدة المواطنين من فهم ما يحدث فى مجتمعاتهم، وفى المقابل أرتفع صوت المجرمين أو الإرهابيين أو المجاهدين حسب قراءة وفكر كل فرد وإقتناعه برؤية هؤلاء للنصوص والتراث الإيمانى، بل أخذتهم الشجاعة وقاموا بتكفير المثقفين الذين أنكشف ضعفهم أمام صوت الدين وتمادوا فى تكفيرهم ليصل المخالفين أياً كانت صفتهم مخالفين فى الدين او المذهب والطائفة، لينالوا من أبناء الشعب إخوتهم الذين يعملون فى الجيش أو قوات الشرطة لحمايتهم وحماية المجتمع، بل وجدناهم الهدف الأول الذى يقوم المجرمون بتوجيه نيرانهم الأثيمة إلى ظهورهم، ويسقطون موتى ضحايا لأفكارهم إخوتهم فى الدين والوطن والإنسانية ورغم ما يخلفونه وراءهم أى تلك الجماعات والتنظيمات الإرهابية والإجرامية من خراب ودمار وذبح الأفراد وسيل دماءهم.
فالجميع يخاف أن يقف فى وجههم ويقول الحقيقة ويعلن أصالة الخطاب التكفيرى أو خطاب الفقهاء والأئمة الذى يملئ آلاف الكتب التراثية وهو خطاب له أسانيده التى نزلت من السماء، لكن الذين يصفون أنفسهم بالإعتدال والوسطية هم أيضاً نشأوا وتربوا على نفس التراث ونفس النصوص المنزلة، ويرددون نفس الكلام الباغض والكاره للآخر ويرفع دعاءه فى آخر كل صلاة بأن المخالف له مغضوب عليه ومن الضالين ويتمنى من إلهه الذى فى السماء أن يخرب بيوتهم وييتم أولادهم ويرمل زوجاتهم وأن يدخلهم جهنم ليصليهم بنارها وعذابها، وقد نسأل ونقول فعلاً معتدلين ووسطيين لأنهم لا يقتلون ولا يذبحون غيرهم، فهل حقاً هم كذلك؟
إن هذا المؤمن المعتدل الوسطى بأفكاره هذه التى يكتفى بها لكنه ينقلها إلى أجيال جديدة هى سبب الإجرام والعنصرية، هى سبب الفتن الطائفية والمذهبية التى تقع فى مجتمعاتنا ويتجاهلها الجميع بمصطلح أخترعوه أسمه الوحدة الوطنية، المؤمن الوسطى المعتدل كان الجميع يطلق عليه الإخوان المسلمين أو السلفيين حتى توحشوا جميعاً وصنعوا جماعات التكفير وسفك الدماء، وتباروا فى أختراع مسميات إسلامية جديدة لتلك الجماعات والتنظيمات الجهادية أو الإرهابية أو الإجرامية فى نظر الإنسان البسيط مثلى، تلك التنظيمات والجماعات التى سارع العالم الكافر الحر ليحتضنهم وأفكارهم وأسكنهم على أرضه وأعطاهم كل مميزات الحرية وحقوقه الإنسانية، وأستغلهم القوم الكافرين ليزرعوا الفوضى فى بلادهم الأصلية بأسم الدين ويشوهوا صورة وطنهم فى الخارج.
فى مصر فوضى وقتل وتفجيرات يتم تمويلها من الداخل والخارج من أستثمارات تعرف الأنظمة الأجنبية الكافرة مثل بريطانيا وأمريكا أنها تمول الإرهاب، لكنهم يغضون أبصارهم عنها لأنها تخدم أهداف بلادهم العصرية ويستقبلون قادة تلك الجماعات الإرهابية فى السر والعلن، ورغم ذلك أجد صمت مميت أمام العنف والمظاهرات والقتلى فى مصر وسوريا وليبيا والعراق وغيرها من البلاد العربية، لا أسمع عن أنتفاضة المثقفين ضد الإرهاب أو الإجرام ولا عن أنتفاضة السامعين والمشاهدين لعمليات التفجير والقتل والذبح وسفك الدماء البريئة، ولا أسمع عن أنتفاضة الحجارة مثلما تفعل جماعات الإرهاب فى مظاهراتها بالشماريخ والمولوتوف والقنابل الصوتية والمرئية التى تدمر حياة أسر بأكملها!!!
 
المجتمع كله يرى ويشاهد وتصيبه تلك الأعمال الهمجية البربرية بالأذى، لكن الجميع يدين تلك الأعمال وعندما يرجع إلى بيته يبتسم إبتسامة الرجل الوسطى المعتدل الذى لا يمارس القتل أو الإرهاب ويقول: الله أكبر!!
 
المشكلة: متى تصارح الدولة وأفراد المجتمع بالمشكلة التى يكتوون بنارها ويبدأون حقاً بعلاجها؟