الأمام الحسين(ع) منهج للخلود /الجزء الثاني
—————————
بقلم : عبود مزهر الكرخي
الأمام الحسين نهضة إنسانية
تبقى نهضة الإمام الحسين(ع) الجذوة التي ترفد النفوس بالإيمان، وعطر الهدى الذي يملك الصدور والعامل الفاعل الذي يدفعنا للعمل على تحقيق أهداف النهضة الحسينية في بناء المجتمع الاسلامي الأمثل.
ولكن لم تكن النهضة الحسينية بحد ذاتها هي مركز الثقل، بل جزءا من منظومة إنسانية وفكرية وأخلاقية وإعلامية متكاملة، ولو لم تكن كذلك، لأصبحت بالحسابات العسكرية معركة خاسرة، كما إن القول بأن واقعة ألطف حدث عابر لهو ظلم جديد يرتكب الأمويين الجدد بعد 14 قرناً من رحيل الحسين شهيداً معززا مكرما لان بعض الجهلة أو المتحذلقين الذين يقولون”سيدنا يزيد” مع قول “سيدنا الحسين” وهذه من سلفية يزيد الفاسق وأصحاب الفتاوى ألشيطانيه الذين لم يتقوا الله وان هم كفروا غيرهم من المسلمين وبالأخص من محبي أهل البيت عليهم السلام وإتباعهم وكانوا تيخفهم نهضة الحسين الإنسانية والتي ترفض الظلم وتكره الطغاة وتسعى إلى تحقيق العدالة بين الناس بغض النظر عن معتقداتهم ومذاهبهم الم يقرئوا ما يكتب من حولهم أو لان حقدهم كمن يتناسون الحقائق ألتاريخيه أيها الجهلاء من مشايخ تنظيم القاعدة الإرهابي اسمعوا وهذا الراهب النبيل “ميلانصو” حيث يقول انه يرى النور يشع من رأس الحسين المحمول في طريقه إلى قصر يزيد في دمشق فيأخذ الرأس من حامليه ليمسح عنه التراب ويغسله بماء الورد معاتبا ومؤنبا القتلة على فعلتهم ميلانصو كان راهبا مسيحيا إن أحرار المسيحيين كانوا يتشرفون في سياق أحاديثهم بعالمية نهضة الحسين ويلاحظ إن الزعيم ماوتسي تونغ ما نقل عنه قوله “إن ثورة الإمام الحسين بن علي وفي معركة كربلاء لهي ملهمة لكل الثائرين في وجه الظلم الساعين إلى العدالة والحق والاستقامة وهذه رسالة أكبر من كل الكلام “. وهذا لان الوفاء الحقيقي للحسين يكون بالتمسك بالمبادئ التي من اجلها قطع رأسه الطاهر فالوفاء للحسين والسير على نهجه ونهج أصحابه في الوقوف في وجه الطغيان ودرء الظلم عن البشرية بغض النظر عن موازين القوى أو عدم القبول بالذلة حين صرخ صرخة صادقة معبرة “هيهات منا الذلة”وعلى كل مسلم شريف إن يستنبط من الراية الحسينية القيم الوطنية وبغض النظر عن الانتماء السياسي والطائفي وقيود الأسر النفسي وعلينا بناء الإنسان الجديد بل والحضارة الإنسانية والعمل سويه هذا وأن دم الحسين الشريف لا يزال يشع لنا النور الذي نسير عليه في حربنا مع أعداء الإنسانية وكل القيم النبيلة والسامية فأننا نحاربهم بفكر ومبادئ الحسين التي ظلت تشع ألقاً ونوراً وكانت مدرسة الحسين في واقعة الطف مدرسة كاملة لغرس كل القيم السامية والخالدة في نفس الإنسان الذي يريد الخير لكل البشر والذي غايته زرع المحبة والتسامح والتآخي مع كل البشر بغض النظر عن العرقية أو الدين أو الطائفة.
فبالحسين وفاءً نسمو ونرتقي بمفاهيم الإنسانية القائمة على الخبر وحب الآخرين ومن هنا يجب علينا عدم إغفال المنهج السليم الصحيحة القائم على غرس المثل والقيم النبيلة واعتماد المبادئ النبيلة تحت أي ظرف لأننا رأينا في سيرة واقعة ألطف كيف يتخلى المد اليزيدي عن المثل الإنسانية كوحش كاسر وينبذ كل القيم ويتحول معه المد الأسود هؤلاء الذين يعرفون فضل الحسين ونسبه ورأوا على رأسه عمامة جده لم يتورعوا عن قتله بلا رحمة مع طفله الرضيع وترويع النساء والأطفال وبأخس الطرق وحشية ودناءة وأن يمثلوا بجثمانه الطاهر بكل خسة ونذالة وحقارة،لماذا؟ لأنهم بلا مثل ولا قيم أو أخلاق واليوم الامتداد الأموي السفياني الأسود استنزف قواه ألشيطانيه لتكون تذكرة دخولهم بجهادهم الفاسد ضد أتباع أهل البيت بصورة جديدة ومبتكرة تحت مسميات شتى بقيادة شيوخ الفتنة والتكفير والذين يفتون بلا علم ولا دراية غايتهم هم إرضاء سلاطينهم وحكامهم وهم وعاظ السلاطين والذين وصفهم العلامة د. علي الوردي أحسن توصيف في مقدمة كتابه وعاظ السلاطين إذ يقول (إني أريد من كتابي هذا (يقصد كتابه “وعّاظ السلاطين) أن ألفت الأنظار إلى خطر هذا الطراز الخبيث من التفكير . فهو تفكير نما في أحضان الطغاة ، وترعرع على فضلات موائدهم . وقد آن الأوان لكي نتبع اليوم طرازا آخر من التفكير ؛ هو تفكير البقّال والحمّال ، وتفكير البائس والفقير . إن أكثر مفكرينا اليوم يتبعون ، كما قلنا سابقا ، ذلك الأسلوب الذي يصفق للظالم ، ويبصق في وجه المظلوم . لقد آن لنا أن ندرس الطبيعة البشرية ، كما هي في الواقع ، فلا نعزو لها طبيعة ملائكية هي منها براء).(1)
ونلاحظ أن أغلب علماء ومفكري الأندلس قد خطئوا الحسين في خروجه وهذا ناتج من الخلفية الأموية لحكامهم وكما يقول المثل (الشعوب على دين ملوكها) فيقول القاضي أبن العربي(إن الحسين قتل بشرع جده؛ وهو غلط حملته عليه الغفلة عن اشتراط الإمام العادل؛ …………)وياتي أبن خلدون ليؤيد هذا الرأي فيقول (إن الحسين غلط في أمر خروجه على حكم يزيد الذي كان مؤيداً بعصبية قريش).(2)
ثم يعود فيناقض نفسه ويقول (فقد تبين لك غلط الحسين؛ إلا أنه في أمر دنيوي لا يضره الغلط فيه).(3)
وهذا يعني الإمام الحسين عليه السلام الذي ضحى بعياله وأصحابه وقتل طفله الرضيع وهو في يده يكون خروجه على حكم بني أميه للدنيا لا للآخره قال الله تعالى في تقسيم الصحابة {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ }.(4)
وكأنه يريد إن يقول إن الإمام الحسين مع الذين يريدون الدنيا. ثم التناقض العجيب في ذلك فيقول (والحسين فيها شهيد مثاب، وهو على حق واجتهاد، والصحابة الذين كانوا مع يزيد على حق أيضاً واجتهاد).(5)
وهو تناقض صريح وعجيب إذ يتساوى القاتل والمقتول في نظرهم وهل هذا هو يكون نازل من شرع السماء التي تؤكد على ضرورة معاقبة القاتل لأي إنسان وهذا ما أقرته كافة الأديان السماوية وحتى الدنيوية في دساتيرها وقوانينها فكيف بقاتل الأمام الحسين(ع) سبط الرسول الأعظم محمد(ص) وخامس أصحاب الكساء والذي قال عنه نبينا الأكرم محمد (ص) {حسين مني وأنا من الحسين ، أحب الله من أحب حسيناه} وتأتي هذه الأقوال المتحذلقة والتي لاتنم عن أي وعي أو جهل وتقف وراءها أفكار ناصبية معادية لأهل بيت النبوة فكراً ومضموناً ليعيد التاريخ نفسه فيأتي وفي وقتنا الحالي مفتي السعودية عبد العزيز آل شيخ بقوله ( إن بيعة يزيد شرعية ولا يجوز الخروج عليه والحسين رضي الله عنه خرج عليه ). ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه في وجود النواصب والمخالفين والذين أصبحوا أشد قسوة وعنف وضلالة وتكفير للآخرين ما نشاهده من مظاهر العنف والقتل والتي ترتكب كلها باسم الإسلام والدين لهي خير دليل على مانقوله.
فيقول د. علي الوردي وهو كاتب وعلامة علماني عن الحسين ولدينا عليه الكثير من المآخذ ولكن ننقل قوله لأهميته فيقول (يعتقد ماربين المستشرق الألماني ن أن الحسين أراد بخروجه النصر الآجل الذي يأتي بعد الموت ن فالحسين قد أدرك صعوبة النصر العاجل في حياته فآثر إن يستشهد لكي ينال النصر .بعد وفاته. أن هذا على أي حال ، رأي لا ندري مبلغ الصواب فيه. ومهما يكن الحال ، فقد كان مقتل الحسين من أقوى العوامل التي قوضت دعائم الدولة الأموية في المشرق.
فالحسين كان حبيباً إلى قلوب الناس يتوسمون في وجهه ملامح رسول الله ويعتبرونه ركناً من أركان الأيمان القائم في القلوب. فلما قتل أخذ الناس يتناقلون خبر مقتلع ويبالغون فيه ويتخذونه سلاحاً معنوياً ضد حكامهم المكروهين)(6). وهنا لابد من أشير إلى ملاحظة مهمة خارج الموضوع وهو عن العلامة دز علي الوردي حيث من المعروف أنه من أكثر المتأثرين بأبن خلدون وينقل على الدوام طروحاته ولكن لاحظنا الاتناقض في طروحات ابن خلدون وحتى في طروحات الوردي.
ونرجع ونقوا أن هذا قول كاتب ومفكر علماني أما المستشرق الألماني فهو حاصل على جائزة نوبل فيقول ويضيف (قدم الحسين للعالم درساً في التضحية بأعز الناس لديه ومن خلال مظلوميته وأحقيته ، لقد اثبت هذا الجندي الباسل لجميع البشر أن الظلم والجور لا دوام له مهما كانت قوته إلا إن يكون أمام الحقيقة والحق كريشة في مهب الريح).
ومن هنا تصبح راية الحسين هي راية يلتف عليها كل الأحرار والثوار ولتصبح نهضة الحسين ومدرستها مدرسة تتعلم منها الإنسانية كل العبر والدروس الإنسانية المضمخة بعبق شهادة ودم الأمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس وأهل بيته وأصحابه المنتجبين الذين قدموا أروع صور البطولة والشهادة والدفاع عن أمامهم وقائدهم فهذا المفكر المسيحي جورج يقول عن هذه الواقعة وهذا الأمر فيقول(كان جند يزيد يقولون كم تدفع لنا من المال ،أما أنصار الحسين فأنهم يقولون لو إننا نقتل سبعين مرة فإننا على استعداد ان نقتل مرة اخرى).فهنا تتجسد أعلى قيم الشموخ والكبرياء في رفض الظلم والطغاة فيقول أبي عبد الله الحسين روحي له الفداء مقولته المشهورة(لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما) فهل هنالك ابلغ من هذا الدرس ؟ في الاستهانة بالموت من أجل أعلاء كلمة لا اله إلا الله ومن أجل إصلاح المجتمع الإسلامي وأمة محمد فيما اعتراها من شوائب وأدران والتي هي أدران وشوائب المجتمع الجاهلي والذي أراد بنو أمية العودة بهذا الدين دين الرحمة والإنسانية إلى مجتمع الجاهلية إلى مجتمع السلب والنهب وسبي النساء وانتهاك الأعراض وباسم الدين من أجل أرضاء أهواء ورغبات رغبات الحكام والطغاة وهذا مالم يرتضي له الأمام الحسين وخرج ليرجع ديننا الحنيف الدين المحمدي إلى طريقه الصحيح وليعيد صورته الناصعة الحقيقية بدون أي تشويه أو رتوش لتصح المقولة التي تقول(الاسلام محمدي الوجود حسيني البقاء) ولولا شهادته المباركة لما بقى من الإسلام إلا اسمه ومن الدين إلا رسمه ولكان الإسلام مثله مثل باقي الديانات السماوية كاليهودية والمسيحية ليس لها تطابق مع دين الرسولين عليهما السلام من حيث المضمون وتطبيق الشرائع ولو أردنا الرجوع إلى سنة نبينا الأكرم محمد(ص) ونورد هذا الدليل على حادثة الثلاث لأيضاح مدى مخالفة سنة الرسول الأعظم محمد وهو :”روى مسلم بسنده عن ابن عباس قال: “كان الطلاق في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم، وهو إلى اليوم ممضى خلافا لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله “.(7)
ولهذا نهض الإمام الحسين(ع) ليصرخ بوجه الظالم برفض الظلم والطغيان بوجه الحكام ولتكون هذه النهضة دليل عمل لكل الثائرين والأحرار ولتستمر قوافل الثوار لتواتر الواحدة بعد الأخرى وهذا ما أشار إليه د. علي الوردي بقوله (ينهض الثائر ثم يموت … فيثير بموته ثواراً آخرين. و بهذا تتلاحق قافلة الثائرين جيلاً بعد جيل. و هم فى كل مرة يضيفون إلى شعلة النور لهيباً جديداً).(8)
وفعلاً أصبحت نهضة الحسين منار ونبراس لكل الأحرار يستمد كل الثوار والأحرار قوتهم وإدامة الزخم في انتصاراتهم وما نشاهده في وقتنا الحاضر من ألق انتصارات حشدنا الشعبي المقدس ورفع رايات الحسين والهتاف بشعارات الحسين وبأعلى الأصوات وانهزام الفئات الضالة والمنحرفة من داعش وأذناب البعث ومن لف لفهم لهي خير دليل على ما نقول.
وأختم بقولي ماقاله الزعيم الهندي المهاتما غاندي وعن اقتفاء هذه السيرة العطرة للأمام الحسين في كتابه(قصة تجاربي مع الحقيقة) فيقول (لقد طالعت بدقة حياة الإمام الحسين، شهيد الإسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء واتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر، فلابد لها من اقتفاء سيرة الإمام الحسين).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ كتاب وعاظ السلاطين. للمؤلف د. علي الوردي .إصدار دار كوفن للنشر .بيروت ـ لبنان.الطبعة الثانية 1995. ص 12 ، 13.
2 ـ أبن خلدون ، المقدمة ، ص 217.
3 ـ نفس المصدر.
4 ـ [سورة آل عمران : 152] 5 ـ كتاب تاريخ ابن خلدون الجزء الأول ص 269 إلى صفحه 272.
6 ـ كتاب وعاظ السلاطين. للمؤلف د.علي الوردي .إصدار دار كوفن للنشر .بيروت ـ لبنان.الطبعة الثانية 1995.
7 ـ صحيح مسلم 2|1099، كتاب الطلاق، باب طلاق الثلاث، سنن أبي داود: 2|261، صحيح سنن أبي داود للألباني: 2|415، صحيح سنن النسائي للالباني: 2|718. نعم رجعت مشيخة الازهر في هذه الاعصار الى كتاب الله وسنة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله والاقتداء بأهل البيت، وتركوا سنة الخليفة عمر بن الخطاب، فجعلوا الطلقات الثلاث بصيغة واحد طلقة واحدة.
8 ـ كتاب وعاظ السلاطين. للمؤلف د.علي الوردي .إصدار دار كوفن للنشر .بيروت ـ لبنان.الطبعة الثانية 1995