أهل السنة الحلقة الأضعف في العملية السياسية/1

علي الكاش

قال الكاتب الساخر اوسكار وايلد ” الديمقراطية بأبسط مفاهيمها تعني: ضرب الشعب بالهراوات من قبل الشعب، وذلك لمصلحة الشعب”.
طلب الأستاذ المفكر والمؤرخ ياسين الحديدي الكتابة عن محل أهل السنة من اعراب العملية السياسية في العراق، والحقيقة الموضوع واسع وشامل ويحتاج الى العديد من المقالات ابتداءا منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ولغاية تسلم الاطاري القيادي في حزب الدعوة محمد شياع السوداني دفة الحكم، ولذلك سنتوقف عند بعض المحطات المهمة حول مشاركة اهل السنة في العملية السياسية، وهل تلك المشاركة كانت فعلية او هامشية، وهل نفعت أهل السنة أم أساءت لهم؟ وهل يعقل ان الحكومة الشيعية التي أضرت بعوام الشيعة وأفقرتهم ونهب ثرواتهم يمكن ان تفيد او ترحم أهل السنة؟ وما هو الموقف الأمريكي من أهل السنة وهل كان تهميشهم السياسي عفويا أم مقصودا؟ وهل كانت مرجعية النجف صادقة في موقفها من أهل السنة؟ وما حقيقة احتضان أهل السنة لتنظيم القاعدة وربيبها داعش؟

رغم الانعطافات السياسية الخطيرة في تأريخ العراق فأن عام 2003 مثل الانعطاف الحاد الذي لم يشهد تأريخ العراق القديم والحديث مثيل، فقد تكالبت الدول الكبرى ودول الجوار والأشقاء العرب على العراق الجريح لتوجه له الطعنات من كل صوب في جسده المثخن اصلاً بجراح عميقة تمتد الى اكثر من عشرين عاماً، بل امتدت خناجر وطنية او محسوبة على الوطن بتوجيه طعنات اشد قساوة من طعنات الغرباء، وتأرجحت المواقف الدولية بين مشارك في العدوان أو مناصر له خفية أو جهاراً أو ساكت عنه أو معارض له، وهو نفس الموقف الذي اتخذته القوى السياسية والشعبية والدينية في العراق، وكانت البلوى الكبرى هي الترحيب الغريب بالفاتحين والمنقذين الجدد، والتراصف بقناعة تامة الى جانب قوات الاحتلال في خندق واحد والاعلان على تأييدها ونصرتها لقوى الباطل وإشاعة روح التخاذل والاستسلام بين القوى الوطنية.

كان لمرجعية النجف موقفا متخاذلا وخائنا يتوافق تماما مع تأريخ التشيع في مناصرة الغزاة منذ الغزو المغولي ولغاية الغزو الأمريكي للعراق، على العكس من موقف هيئة علماء المسلمين التي رفضت الاحتلال وطالبت بمقاومته، المرجعية الشيعية ثبتت على موقفها في دعم قوى الاحتلال، ومرجعية أهل السنة (هيئة علماء المسلمين) ثبتت على موقفها في مقاومة الاحتلال. وقامت وزارة الداخلية العراقية بإصدار مذكرة القاء قبض بحق الشيخ حارث الضاري أمين عام الهيئة، والطريف في الأمر ان صحيفة لوس انجلوس تايمز أشارت بأن إصدار المذكرة من قبل الحكومة العراقية التي تسيطر عليها الشيعة ” خطوة خطيرة قد تتسبب في مفاقمة التوتر بين الطوائف العراقية المتناحرة ويؤدي الى مزيد من الانشقاق في صفوف الحكومة العراقية الهشة”، وأضافت الصحيفة بأن المذكرة ستعزز من تهديدات انسحاب السنة من الحكومة.

عملت الحكومة العراقية على خلق حالة من الانشقاق والتمزق داخل الطائفة السنية من خلال رشوة بعض الشخصيات في محافظة الأنبار للتهجم على (الشيخ الضاري)، تحت تسمية ” تجمع عشائر الأنبار” وأعلن أحد الشيوخ المدعو (عبد الستار أبو ريشة) بأنه بصدد رفع شكوى قضائية ضد الشيخ حارث الضاري والهيئة بعد أن وصفهم بأنهم ” مجموعة من اللصوص”. لكن يبدو أن الطعم الحكومي لم يكن مفعوله ساري لفترة طويلة، فقد ظهر ابو ريشة نادما ليعترف بأن مجلسه لا يضم رؤساء عشائر، بل بعض الشخصيات من الأنبار، وأستنكر المذكرة التي صدرت بحق الشيخ الضاري؟

رفض المشاركة في العملية السياسية
ذكر الدكتور أنتوني كوردسمان، الخبير العسكري بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن في تقييمه للغزو الأمريكي للعراق” لم يكن لدى الولايات المتحدة أي خطة واضحة لاستعادة الأمن والنظام من خلال نظام حكم ديمقراطي لا يستهدف عزل وتهميش السنة”. كانت هيئة علماء المسلمين وبقية القوى السنية على حق عندما رفضت العملية السياسية برمتها، وعدم المشاركة فيها، وهذا ما أثبتته الأيام، كل ما يقام على الباطل هو باطل، فقد فشلت الأحزاب السنية الممثلة بالحكومة العراقية من حماية أبناء الطائفة وهذه حقيقة لمح بها الكثير من المسؤولين، بل أن المصائب والويلات وعمليات القتل والتدمير والتغيير الديموغرافي وتجريف المناطق، التي شهدتها المدن ذات الأغلبية السنية فاق حجمها بعد مشاركتهم في الحكومة الحالية عن الفترة التي كانوا فيها خارج المشاركة في الحكومة، مما بدد الكثير من آمالهم، وبدأ الرأي العام السني بالضغط على الحكومة الشيعية لبيان مدى الجدية من هذه المشاركة طالما انها زادت من وضعهم السيئ، كما أن الأحزاب السنية بدأت في موقف لا تحسد عليه وخاصة أنهم سكنوا المنطقة الخضراء شأنهم شأن القوى الموالية للاحتلال وتمتعوا بامتيازاتهم، علاوة على إنهم فقدوا مبررا تهم للبقاء في العملية السياسية والتذرع بحماية أبناء الطائفة بعد أن أذاقتهم الأحزاب الشيعية وميليشياتها علقم الهامشية والتنكيل والأذى. لذا يمكن القول انه لا يمكن تسمية أي وزير او مسؤول سني بأي منصب دون موافقة الأحزاب الشيعية الحاكمة، وانتهى الأمر بأن يقدموا الطاعة الى الآمر الناهي وهو الجنرال سليماني. حتى ان رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي أدى مراسيم الطاعة الى سليماني، ووعده بأن يعمل حسب توصيانه ولمصلحة إيران، وكان مشعان الجبوري حاضرا وشاهدا على تلك المراسيم الاستعبادية كما ذكر.
اخذت الأحزاب الشيعية تغذي الانقسامات السنية مرة باسمها الصريح ومرة باسم الحكومة، ففي وحدة اهل السنة مشكلة للأحزاب الشيعية الموحدة تحت ما يسمى بالائتلاف الوطني والبيت الشيعي، والحقيقة لم يكن للسنة حزب، بل رموزا وطنية، أما الحزب الإسلامي (الاخوان المسلمون) فهو حزب شيعي في الباطن وسني في الظاهر، وحاكت الأحزاب الشيعية الدسائس، وقامت بالإساءة الى الرموز السنية واستفزازهم بشكل غريب، مما حدا بنائب رئيس الجمهورية حينها (طارق الهاشمي) ان عبر عن يأسه من الاستمرار بالعملية السياسية وذكر جملته الشهيرة ” سنضطر لحمل السلاح”، فقامت قائمة الشيعة ولم تقعد بعد، رغم ان الأكراد لم يعلقوا على الموضوع باعتبار الأمر يتعلق بالعرب فقط!
تمثلت المحاولة الأخرى في دعم الشيخ ابو ريشة مادياً ومعنوياً ضد الشيخ الضاري وخلق نوع من الشقاق بين العشائر السنية في الأنبار، والكل يعرف ان الأنبار شوكة في خاصرة الأمريكان والقوى الشيعية الممثلة في الحكومة والمراجع العظمى، حيث لم يشر أي مرجع شيعي بما فيها المراجع الأربعة في النجف الى مآسي أبناء الأنبار حتى عندما قصفوها الامريكان بالقنابل الفسفورية المحظورة دولياً؟ ربما كانت الفرحة تغمرهم باعتبارهم مناصرين لقوى الاحتلال الي سلمت مقدرات البلد لهم، وضد المقاومة الوطنية التي كانت تؤرقهم خشية من عودة أهل السنة الى الحكم، وهذا ما كان يروجوا له
بدأت المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الأمريكي من قبل القوى السنية ولاسيما في محافظة الأنبار، وقدم الأمريكان معظم خسائرهم في هذه المحافظة الصامدة، صحيح ان بعض الفصائل الشيعية الوطنية كان لها دورا محدودا في المقاومة، مع انها نسبت البطولة الى عناصرها، وهذا يخالف الواقع، فما تكبده الامريكان من خسائر كانت غالبيتها في محافظة الأنبار، سيما الفلوجة، وخاض الجيش الأمريكي أعتى معاركه في معركتي الفلوجة الأولى والثانية، ومن يزعم ان البصرة أول من وقفت ضد الاحتلال وقاومته نصحح له القول بأن الجيش العراقي في البصرة الذي يضم مواطنين من كل انحاء العراق ومن مختلف القوميات والأديان والمذاهب هو من قاتل الأمريكان وليس أهل البصرة والشيعة فقط. هذا تزوير للحقائق، وهي نفس الأسطوانة التي كررتها الأحزاب الشيعية في دحر فلول داعش الإرهابي، فقد كان للأمريكان والتحالف الدولي الدور الرئيس (13000) غارة، ناهيك عن القصف المدفعي والمعلومات الاستخبارية، وبعدها قوة مكافحة الارهاب والجيش والشرطة الاتحادية وأخيرا الحشد الشيعي، في حين جير الشيعة النصر الى الحشد الشيعي، الذي لو قاتل سنوات ما استطاع ان يتقدم مترا واحدة دون الاستعانة بالتحالف الدولي وبقية القوى المشاركة.
أوغلت الأحزاب الشيعية في تعميق مؤامرة تهميش السنة، مع محاولة دفع المسؤولين السنة الى التعبير عن حالة إفلاسهم السياسي إزاء ارتفاع أسعار الأسهم والسندات الشيعية في سوق المال الأمريكية، مما دفع نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي الى الوصول الى حافة اليأس عندما ذكر ” لقد وصلنا الى مفترق طرق، وأن أحد الاحتمالات هو الأنساب من العملية السياسية إذا وجدنا كل وسائل الإصلاح لم تأت بنتيجة “؟ لذا فقد جاءت تصريحات عبد العزيز الحكيم واضحة ومتناغمة مع أحلامه في تهميش دور السنة! فضمن عملية الصيد في الماء العكر وتبيت النوايا خرج عبد العزيز الحكيم ليتحدث بمنطق أهوج عن انسحاب السنة من العملية السياسية بقوله “ان هؤلاء الاخوة كانوا قد اشتركوا في العملية السياسية أيام مجلس الحكم ثم انسحبوا في الانتخابات الأولى وظهر عدم صحة موقفهم وهم توصلوا الى هذه القناعة بعد ذلك رجعوا للعملية السياسية واليوم المواقع التي يحتلونها وحجم المشاركة كبير وهي أكبر بكثير من واقعهم في المجتمع العراقي ولا أعتقد أنهم سوف يضحوا بكل هذا ويتركوا العملية السياسية واذا حصل هذا الأمر لا أعتقد أنه سيؤدي الى إيقاف العملية السياسية وإيقاف تشكيل الحكومة وبالتالي الثلثين يمكن تحقيقه في مجلس النواب” ولا شك أن هذا التصريح لا يحتاج الى تعليق فأنه يحمل بين طيا ته بذور العمالة والنوايا الخبيثة.
من المؤسف أن بعض القيادات المحسوبة على السنة تدفع بالدفة الشيعية الى هذا المنحى، فقد هاجم وفيق السامرائي مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الأمن الوطني القيادات السنية وأتهمها بتضييع الفرص على السنة والدفع بهم الى التهميش من خلال الفتاوى التي يصدرونها والتي ستقود بالعراق الى حرب كارثية من خلال الدعوة لانسحاب القوات الأمريكية؟ وليس من الغريب الاستماع الى مثل هذه التصريحات المشوشة، فقد عرف عن هذا الرجل سذاجته وعمالته وحماقته، وكان الاستماع الى تحليلاته على الفضائيات أشبه ما يكون بالاستماع الى نكات سمجة؟
كانت الحرب الأهلية عامي 2006 ـ 2007 خاتمة المؤامرة الشيعية على أهل السنة التي قادها رئيس الوزراء الخبل إبراهيم الجعفري والجنرال سليماني وباقر صولاغي ومقتدى الصدر وأل الحكيم، وبدأت عمليات القتل على الهوية ودفع السنة والشيعة الأبرياء الآلاف من الضحايا ودمرت المئات من مساجد أهل السنة، وطلب القادة السنة من إبراهيم الجعفري فرض الحظر لإنهاء المجازر لكنه رفض لعنه الله دنيا وآخرة.
سنناقش في المقال القادم الدور الأمريكي في تهميش أهل السنة. وبعدها نعود الى حديثنا عن الديمقراطية في العراق تحت ظلال الاحتلالين الأمريكي والإيراني.

علي الكاش