أهل السنة الحلقة الأضعف في العملية السياسية/2

علي الكاش

اشارت منظمة (Action Centre) مركز العمل مقرها نيويورك بأن القيادة الامريكية العليا طالبت” لمواجهة المقاومة العراقية بشن حرب مفتوحة ضد السكان المدنيين العراقيين”.
لم تكن الإدارة الامريكية قبل الغزو تفكر بتهميش أهل السنة على الرغم من احتضانها المعارضة الشيعية والكردية للنظام الوطني السابق، سيما ان عراب الاحتلال احمد الجلبي كان من الشيعة، وهو المالك الشرعي لما سمي لاحقا (البيت الشيعي)، كان المعارضون من أهل السنة في الخارج قلائل، وليس لهم وزنا سياسيا على الأقل عند الولايات المتحدة وتابعها بريطانيا، كما لم يطرح المعارضون الشيعة حينها مسألة الأكثرية الشيعية وتهميش اهل السنة على بساط البحث. وانما أول من طرحها هم الامريكان أنفسهم. الحقيقة لا يوجد إحصاء رسمي حول مذاهب العراقيين، فاستمارات الاحصاء السكاني كانت تتضمن الديانة والقومية فقط، لذا لا يمكن تحديد الأكثرية، كما ان هذا الأمر لم يكن يعني للعراقيين الكثير بحكم العلاقات الاجتماعية والتزاوج وانقسام العشائر انفسها الى شيعة وسنة، ولا تعني المذهبية التفرد في الحكم، وتهميش الأقليات في النهج الديمقراطي، الكثير من البلدان يحكمها زعيم من الأقلية، المهم هو العامل الوطني وتحقيق مصالح الدولة العليا وتحقيق العدل والمساواة وتنمية الموارد وتحقيق الرفاهية.
علما انه تضمن تقرير الأمم المتحدة في عام 2003 بـان عدد السكان السنة (16) مليون، والشيعة (11) مليون، وأشار وزير التخطيط السابق مهدي الحافظ عام 2004 بأن السنة هم الأكثرية، ونشر اللقاء في (مجلة المنتقى السياسي العدد3/2004)، لكن حتى هذا الكلام لا يمكن التثبت من صحته لعدم وجود فقرة عن المذهب في احصائيات السكان. لكن سرعان ما تبنت الأحزاب الشيعية فكرة الأكثرية الحاكمة، وبدأت وسائل الإعلام تعزف على هذا الوتر لزرع الفتنة والشقاق بين الشعب الواحد، فنجحت نجاحا باهرا بحكم الجهل والأمية والتعصب المذهبي عند عوام الشيعة. علاوة على تبني المرجعيات الشيعية فكرة الأكثرية، وعدم اعتراض السنة على هذا الأمر، مما سهل تداوله والأخذ به كحقيقة مطلقة. عمل الزعماء الشيعة على ابتكار طريقة جديدة في تصنيف السكان لم تعمل بها اية دولة في العالم، فقد فصلوا الاكراد عن السنة مع ان غالبية الاكراد من اهل السنة، وصنفوا العرب الى عرب سنة وعرب شيعة، مع ان التصنيف المذهبي يفترض ان يشمل جميع السنة من جهة، والشيعة من جهة أخرى بغض النظر عن قوميتهم.
أشارت مصادر أمريكية ان الرئيس بوش أجتمع لمدة يومين مع فريق الأمن القومي لوضع السياقات للمرحلة القادمة، وقد تمت مناقشة العديد من الخيارات منها أن الولايات المتحدة الأمريكية بإمكانها قتال المتمردين السنة -حسب التسمية الأمريكية – لكن من الصعب عليها أن تقاتل السنة والشيعة معاً! ويقود هذا الافتراض الى خيار وهو التفكير في دعم التسلط الشيعي ضد السنة، وهذا يعني تراجعاً في الإستراتيجية الأمريكية السابقة في محاولة استقطاب السنة في العملية السياسية، ومن مزايا هذا الخيار هو إطلاق عنان الشيعة وهم الساعد الأيسر لقوات الاحتلال إذا اعتبرنا ان الأكراد هم الساعد الأيمن، وان هذا الأمر لا يستوجب الكثير من التنازلات فالشيعة هم أصلاً الأكثرية المهيمنة على المشهد السياسي العراقي ويشغلون الوزارات المهمة! من جانب آخر أن هذا الأمر سيجعل جيش المهدي المعروف بمراوغته وعدم نضجه السياسي التخلي عن ورقة المقاومة التي يلوح بها كلما ضاقت الأمور عليه! كما ان هذا الأمر سيريح الجارة المسلمة أيران ويساعدها على مضخ لقمة العراق بسهولة كبيرة؟ وان هذا الوضع سيريح المراجع الدينية الشيعية وهي معروفة بموالاتها لقوات الاحتلال وسيرها في ركائبه! كما أن إطلاق عنان الشيعة من شأنه أن يفسح المجال لقوات بدر وجيش المهدي وبقية الميليشيات الشيعية بتصفية مناوئتيها بسرعة كبيرة مما يقصر من فترة النزاع! وان هذا الصراع من شأنه أن يجنب الأمريكان المزيد من الخسائر، فهيمنة الشيعة سيرافقها معارك حادة بين الطائفتين وهذا من شأنه حصر الخسائر في صفوف العراقيين فقط؟ كما أن فترة الترقب الأمريكي لهذا الصراع من شأنه أن يحدد الكفة الراجحة في النصر، وبالتالي يمكن للأمريكان الدخول بقوة للجانب الذي يعلن تقديم تنازلات أكبر! كما أن الأكراد سيكونون في منأى عن هذا النزاع وان الورقة الكردية هي الجو كر في اللعبة السياسية وليس الورقة الشيعية ولاسيما أن قوة الشيعة تنحصر في أحزاب دينية وليست علمانية وهذا ما لا يرغب فيه الأمريكان، كما أن التعاون الكردي الإسرائيلي لا يمكن التفريط به لصالح الشيعة الذين لا يزال موقفهم غير واضح من الوجود الإسرائيلي في العراق ولو بصيغته العلنية على أقل تقدير؟
اعتبرت قوات الاحتلال الامريكي ان الشيعة هم انصارهم، وان المقاومة الوطنية لأهل السنة جعلت الامريكان تنظر اليهم كأعداء، ذكر المحلل السياسي (آلين كويك) في تقرير نشرته صحيفة آسيا تايمز “((إنهم نازيون))، هكذا يسمّيهم (بول وولفووتز)، نائب وزير الدفاع، مشيراً بذلك الى ((العشائر السُنّية في العراق)). من جانب آخر يقول بول بريمر، رئيس سلطة التحالف المؤقتة في بغداد لسنة كاملة (2003-2004) ان ((كل سُنّي بعثي، وكل بعثي صدّامي، وكل صدّامي نازي)). ونقلت صحيفة الواشنطن بوست عن مسؤول في البنتاغون قوله ” كل عراقي يعتبر مقاوما حتى يثبت العكس”، بمعنى العراقي وليس أهل السنة فقط، وهذا ما يتوافق مع تصريح قائد عمليات مشاة البحرية الامريكية بول روش (Paul Roche) للصحفيين في نهاية مارس 3200 بأن الاستراتيجية الامريكية تجاه ” سكان الناصرية في العراق تشمل استخدام الغذاء والماء كسلاح لترويع المدنيين وكسر إرادتهم”. (مركز العمل نيويورك/ الثاني من نيسان3200).
حسب ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي عندما تحتل دولة اجنبية دولة ما فإن الملف الأمني يكون بيد قوات الاحتلال فهي المسؤولة عن الملف الأمني، أي حفظ الأمن والاستقرار في البلد الذي تحتله، ولكن خلال الحرب الأهلية، وقفت دولة الاحتلال متفرجة على القتال، وهذا التفرج يتوافق مع القاعدة التي أرساها الرئيس كلنتون في خطاب له في 1 نيسان 1999 ” في بعض الاوقات يكون غض النظر امرا وليس خيارا” نيويورك تايمز 2 نيسان 1999 كانت الهاونات تنطلق بعشوائية من مناطق ذات أكثرية شيعية لضرب المناطق السنية، علاوة على القتل على الهوية والثارات التي قابلتها من أهل السنة، وحرق وسرقة المساجد، ولأن الحكومة شيعية والقوات الأمنية اغلبها من الشيعة وضباط الدمج وعناصر الميليشيات، فقد كانت الغلبة لهم، ومنذ ذلك اليوم تخلى أهل الشنة عن شجاعتهم وكرامتهم، وباع البعض من السياسيين وزعماء العشائر شرفهم لزعماء الميليشيات، وما تزال عقدة الخوف تلازمهم لحد الآن، وكان لجيش المهدي الإرهابي سيء الصين الدور الفاعل في تصفية أهل السنة واعدام الآلاف منهم فيما يسمى (المحاكم الشرعية) الخاصة بجيش المهدي. وبدأه هذا الجيش الإرهابي يتفقس الى العديد من الميليشيات.
من الغرائب ان الرئيس بوش رفض تسمية ما حدث في العراق عام 2006 بالحرب الأهلية، في 30/11/2006 خلال كلمة القاها في (ريغا) عاصمة لاتفيا قبل قمة حلف شمال الأطلسي صرح” ان تنظيم القاعدة هو من يقف العنف الطائفي في العراق، وتهرب من الاجابة عما يحدث في العراق هل يصنف بحرب أهلية؟ خشية من زيادة الضغط عليه للانسحاب من العراق. وهنا يدور في المخيلة، هل اعتبر الرئيس بوش جيش المهدي جزء من تنظيم القاعدة؟ لأن جيش المهدي وفيلق بدر الموالي بإيران كانا وراء الأحداث ولا علاقة لتنظيم القاعدة الإرهابي بها.
ربما اصدق ما قيل في الحرب الأهلية، ما ذكره الكاتب والصحفي الأمريكي (بن نورتون) في مقال له نشر على موقع صالون في 15 يناير 2016 بأنّ ” دعم الولايات المتحدة للحكومة الشيعية الاستبدادية والميليشيات الشيعية العنيفة والمتوحشة أدّى إلى تأجيج حرب أهلية طائفية في البلاد التي عاش السنة والشيعة فيها لقرون متجاورين ومتآلفين”.
يبدو ان النظرة الامريكية لأهل السنة تجاوزت حدود الولايات المتحدة وامتدت الى اوربا، فقد اعتبر (جيرالد دارمانان)، وزير الداخلية الفرنسي، خلال زيارة إلى الولايات المتحدة أن” الإرهاب الإسلامي السني، هو أبرز تهديد لفرنسا وأوروبا، مما يستوجب تعزيز التعاون الأمني مع واشنطن، خصوصا قبل استضافة باريس أولمبياد 2024 الصيفي. مضيفا لوكالة فرانس برس” أتينا لنذكرهم أنه بالنسبة إلى الأوروبيين ولفرنسا، الخطر الأول هو الإرهاب الإسلامي السني، والتعاون لمكافحة الإرهاب بين أجهزة الاستخبارات هو ضروري للغاية”.
ربما نتوسع في الموضوع لاحقا لأنه يستحق الاهتمام.

علي الكاش