ليس لعلي أن يحسب على علماء الدين والأوصياء والأئمة فقط. هو واحد من الناس العاديين، الممتزج بمعاناتهم، هو حالة خاصة، الرجل القوي الى حد لايوصف، لكنه مع الضعفاء حد البكاء والضعف، الرجل الذي لايجوع لكنه يعرف مرارة الجوع في حشاشة الجياع، مات عنه أبوه لكنه تربى في حضن النبوة فلم يكن يتيما لكنه كان أبا لكل يتيم، وعاش يتيما حتى قتل في مسجد الكوفة وهو ساجد، وقد ترك لنا الحسنين سيدين من السادة وقائدين من القادة بمنتهى الشجاعة والكرم والتضحية، علي وولديه أكبر من أن تفهمهم هذه الأمة المتردية المنحازة الى تقاليد البداوة والقتل والغدر والختل والحيلة والمكر وحب المال والسلطة حد الجشع، فهي أمة يمكن أن تتبع نهج المجانين من أمثال قادة القاعدة وداعش والمتطرفين الدينيين الحمقى لكنها لن تفهم حتى ينتهي أجلها رجلا مثل علي.
لو جئت الآن لحاربك الداعون إليك
ولسموك شيوعيا
ربما سيسمونه شيوعيا فهو لاينتمي الى التقاليد الدينية العادية الكنسية التي يمارسها الناس في المساجد والكنائس والمعابد، هو أقرب الى متعبدي الشوارع من الفقراء والكادحين والراكضين بحثا عن لقمة العيش بكرامة متناهية لأنه بالفعل ينتمي الى شريحة الفقراء والمساكين، وهو ليس واحدا منهم، لكنه واحد منهم بالفهم والدراية والمعرفة وإدراك المعاناة التي يكابدون، ولأنه يستطيع أن يقترب منهم حد الإلتصاق، بينما يهرب الأغنياء والموسورون من كل فقير ومريض وجائع خشية العدوى. وعلى قول صديقتي وهي تنصحني بعدم الإلتصاق بالفقراء والمساكين، من جاور السعيد يسعد ومن جاور الشقي يشقى.
في رمضان القاسي والصعب والمفجوع بالعطش والجوع في رمضاء مكة وهجير المدينة المنورة التي فارقها على على مضض متجها الى العراق حيث الرجال الرجال، لم يتحمله منافسوه ولم يتحمله المتدينون الذي لم يستطيعوا فهمه، ولم يتمكنوا من ذلك فقتلوه لأنه كان يسحبهم الى الناس، وهم لايرون في الناس إلا عبيدا وخدما وصعاليك لاقيمة لهم سوى أنهم خدم وأتباع على نهج قريش الأول أيام البعثة النبوية التي أنهت ذلك الشكل من السيادة.
كانت رمال الكوفة تشتهي ذلك الدم الطاهر الذي سال فجر ذلك اليوم الرمضاني بضربة من مختل لم يكن يعرف من الإسلام سوى أنه استرقاق للعقل، وليس تنمية له فكان ذلك الملجم الرجيم على ملة من سبقه من القتلة وطريقا سالكة لمن يأتي من بعده من قاعديين ودواعش ومايمكن أن يكونوا عليه من مسميات في المستقبل.
قتل علي، لكنه أحيا جيلا من المسلمين يقاتلون التطرف والحماقة والجنون وهذا هو المهم.