العدد الكبير من الصحفيين الذين تم تسريحهم أخيرا من عدد من الوكالات الخبرية والصحف والقنوات الفضائية والإذاعات يشير الى هشاشة الوضع القانوني، وعدم وجود بيئة آمنة ليس على مستوى الإستهداف الجسدي، أو المنع من التغطية، ولاحتى المضايقات التي يتعرض لها المراسلون والمصورون في الميدان، بل الى ماهو أقسى من ذلك حيث يواجه العشرات بل المئات منهم مخاطر الطرد الكيفي، والإبعاد القسري من العمل ماأدى الى أن تقوم الإدارات الصحفية بإجراءات قاسية أفضت الى أن يترك صحفيون مهمون وظائفهم والمبرر هو التقشف المالي الذي ضرب الدولة العراقية، ودفع الحكومة ومؤسساتها الى إجراءات غير مسبوقة، وإنسحب الأمر على وسائل الإعلام التي تلقفت ذلك سريعا، وإرتكبت مجازر بحق الصحفيين.
الصادم في الأمر أن أغلب وسائل الإعلام مملوكة لقوى سياسية ومؤسسات تجارية تعتمد في عملها على معايير الربح والخسارة، ونوع التوظيف السيء من قبل القائمين عليها، وهذا هو السبب الحقيقي الذي يقف وراء كل تلك الإجراءات التعسفية وغير الإنسانية حيث لاتقيم تلك القوى السياسية والزعامات المتنفذة وزنا لشيء مادامت تستخدم الصحفيين والمؤسسات الإعلامية المملوكة لها كأدوات توصيل ترمي بها متى ماشاءت الى الهاوية لأنها لاتمتلك الرؤية، ولا الروح، ولا الإيمان بالعمل الصحفي، وهذا ماكنا نتحدث عنه بإستمرار، ونعبر عن الخوف منه، ونعتقد أنه السبب في تردي الصحافة، وضياع الصحفيين، وشعورهم بالأسى لما يعانونه من أوضاع تؤكد تلك المخاوف، فالسياسي لايؤمن بالصحافة إلا بوصفها وسيلة، وليست إرادة للتغيير، وصانعة للرأي العام، ومساهمة في الديمقراطية، وهولاء يرون في الديمقراطية مجرد آلة لتوصيلهم آلى السلطة ليحكموا، ويتحكموا ويتنفذون في مراكز القرار، وتكون لهم السطوة والسلطة والقدرة لوحدهم.
للأسف الشديد فإن التجربة العراقية محزنة، وخلال السنوات الماضية قتل المئات من الصحفيين في ظروف الحرب، ومنهم من أبعد عن عمله، وآخرون تم إعتقالهم تعسفيا، وكثر منهم يعانون من ضائقة مالية، ويهدد البعض بالقتل، ويضربون في الشوارع، وصار البعض من السياسيين يتوجه الى المحكمة، ولايتحمل نقدا، ولانقلا لخبر، ويطالب بالتعويض المالي وكأننا في غابة، بل إن مشتغلين في السياسة والإدارة يهددون باللجوء الى عشائرهم لمجرد أن صحفيا نشرا خبرا في موقع ألكتروني نقله من وسيلة إعلام نشرته من مدة، ولم يعد يترتب عليه أي إلتزام قانوني وهذا لايمكن علاجه مالم تترسخ بيئة قانونية واضحة، وتشترك سلطات الدولة المختلفة في تأطيرها بقوانين وتشريعات.