هناك مشاهد تمر امام أعيننا مرور الكرام و لا تستوقفنا، و هناك مشاهد تحتم علينا التوقف امامها، و بعد اعلان توقيع التطبيع العلني بين تركيا و اسرائيل مؤخرا تركزت رؤية و أسئلة اغلبية المحللين السياسيين نحو ان كانت اسرائيل ستدفع تعويضات مادية لضاحية سفينة مرمرة ام لا ؟ او اذا كان اردوغان سيتخلى عن قطاع غزة ام سيتمسك به ؟ و ما شابه ذلك من اسئلة لا تعبر عن العمق الحقيقي لذلك التطبيع و ما يحمله ذلك المشهد من ابعاد و تساؤلات و تداعيات . و هنا يجب ان نسئل أنفسنا لماذا اتجهت تركيا نحو التطبيع العلني مع اسرائيل ؟ فهل كانت توجد قطيعة او اى خلاف بين تركيا و اسرائيل من الاساس ؟! هل ما كان بين تركيا و اسرائيل ينقصه التطبيع العلني ؟!
نعم تلك هى الاسئلة الصحيحة التى يجب ان تطرح على ذلك المشهد كي نفهم حقيقة تلك الخطوة و ما وراء التطبيع العلني بين تركيا و اسرائيل .
فمن يربط ما يحدث بتل ابيب و كم الخيوط الاقليمية المتشابكة معها و المرتبطة بها بالاونة الاخيرة سيجد أن جميع وكلاء واشنطن بالاقليم الذى تخلى عنهم الرئيس الامريكي باراك اوباما يتوجهون نحو ورقة الضغط الاقوى على البيت الابيض الا و هي تل أبيب و يبحثون عن اى تعزيز و رفع اقصى مستوى للعلاقات مع اسرائيل لعلها تشفع لهم امام الرئيس الامريكي القادم، خاصة لو كانت هيلاري كلينتون صاحبة نصيب الاسد من بحيرات الدماء التى تفجرت بالشرق الاوسط منذ خمسة اعوام هى من ستشغل المنصب الاول بالولايات المتحدة، فهناك من منح صوته لاسرائيل بالامم المتحدة كي تفوز صاحبة الحقوق الاصلية للارهاب فى العالم بمنصب رئيس اللجنة القانونية بالامم المتحدة، و هناك من خلع جلباب الخليفة و تراجع عن خطاباته الحنجورية، و هناك من ينتظر الفرصة السانحة كي يقدم اوراق اعتماده .
حقيقة الامر من يتأمل مراكز القوى بخريطة الشرق الاوسط الجديد بعد مرور 5 اعوام على ثورات الربيع العبري سيجد ان اسرائيل بدورها لم تعد مركز ثقل داخل الولايات المتحدة الامريكية فقط بل اصبحت شريك اصيل لروسيا الاتحادية، و يكفي ان تتأملو كم الاتصالات و اللقاءات بين الجانبين الروسي و الاسرائيلي بالشهور القليلة الماضية سواء كانت فى السر او العلن بموسكو او سوتشي او تل ابيب او بسوريا نفسها، و يكفى ما يحدث بالساحة السورية من مشاهد تعكس ذلك بوضوح بداية بتفكيك السلاح الكيماوي للجيش السوري ( الانياب الحقيقية للجيش السوري ) مرورا باغتيال سمير القنطار و مصطفى بدر الدين و العديد من عناصر حزب الله بدمشق وصولا للتواجد المكثف لعناصر الموساد بشمال سوريا ( الدولة الكردية ) و محاولة موسكو فى جس نبض دمشق بمشروع الدستور الجديد، و لا تنسو ان الطموح الكردي كان كلمة السر فى العديد من تحركات تركيا الاخيرة سواء تجاه ايران او اسرائيل او روسيا، فتركيا تنفذ منطقة صناعية بايران بتكلفة10مليارات دولار لانقاذ الاقتصاد الايراني، و تتخلى عن دور الخلافة مقابل ان يشفع نتنياهو لـ اردوغان امام الرئيس الامريكي القادم، و تعتذر لموسكو عن اسقاط طائراتها، و بوتين يأمر بالنظر فى عودة السياحة الروسية لتركيا، و كل تلك المشاهد و اكثر التى تبدو للعين المجردة انها متناقضة تشرح لنا واقعية السياسة، و لماذا تغيرت اتجاهات البوصلة الاردوغانية بسرعة شديدة فى فترة زمنية قصيرة .