أول زيارة قام بها الرئيس الفرنسي الفائز ماكرون هي الجزائر، ويبدو جليا أن الطابع الاقتصادي والتجاري والمالي ميّز هذه الزيارة، لكن الصورة الثابتة في الأذهان والتي فرضت عمدا عبر وسائل الإعلام هي اعترافه بجرائم فرنسا المحتلة للجزائر.
والمتتبع للمناظرة التي تمت بين المترشحين يومها ماكرون ومارين لوبان يقف على حقيقة محورية يمكن الاعتماد عليها في تحديد مستقبل ماكرون الجزائر، وهي:
مارين لوبان ليست ضد زيارة ماكرون للجزائر ، إنما ضد الاعتراف الذي يولّد التعويض. فماكرون يريد أن يأخذ كل شيء من الجزائر، ومارين لوبان تريد أن لا تقدم أيّ شيء للجزائر. فالتنافس إذن حول الجانب المالي، والتجاري، والاقتصادي.
واحتفالات 8 ماي 1945 تمت غداة فوز ماكرون بالرئاسة رفقة هولاند الرئيس الفعلي، وبما أنه لا يحق التدخل في الشؤون الداخلية للدول، إلا أنه وجب التذكير أن 8 ماي 1945 بالنسبة للجزائر يعني مجزرة ارتكبتها فرنسا ضد الأبرياء من أبناء الجزائريين، كان ذنبهم الوحيد هو المطالبة باسترجاع السيادة الوطنية كما وعدتهم فرنسا المحتلة، وقد شارك أبناء الجزائر في الحرب العالمية الثانية إلى جانب فرنسا ضد دول المحور، فأكرمتهم فرنسا بـ 45 ألف قتيل، وإلى اليوم لم يقدم إعتذار، بل زادت فرنسا أن جعلت من 8 ماي 1945 يوما للفرح وإعلان البهجة من أعلى القمة، وزاد عليها هذا العام أن ماكرون هو الذي شارك في الاحتفالات الرسمية الوطنية الفرنسية في ثاني يوم من فوزه بالانتخابات الرئاسية، قبل أن يعلن التنصيب الرسمي.
وعتابي الشديد على الجزائر الآن، فكان على الجزائر أن لا ترسل التهنئة يوم 8 ماي، وهو يوم يعني الكثير كما هو موضح أعلاه ومفصل في كتب التاريخ ولدى المؤرخين، وكان على الجزائر أن تؤخر التهنئة بيوم أو يومين وترسل التهنئة في التاسع أو العاشر، وتكون بذلك الجزائر قد حافظت على مشاعرها وذكرى 45 ألف شهيد، وأدت في نفس الوقت ما هو معروف ومطلوب من أي دولة من أعراف دبلوماسية.
لا يعنيني الفرنسي أن يحتفل بذكرى 8 ماي 1945 فهو قاتل محتل مغتصب، لكن آلمني كثيرا أن ترسل الجزائر التهنئة بمناسبة 8 ماي 1945، وكانت في غنى عن ذلك، وماكرون ليس في غنى عن الجزائر.
من حق الجزائر أن تتأخر بعض الوقت لتقديم التهنئة احتراما لأبنائها الذي قتلوا غدرا ذات يوم 8 ماي 1945، بسبب الفرنسي الذي كان سببا في مجزرة 8 ماي 1945.
هل يفي ماكرون بوعده للجزائريين بالاعتراف بجرائم فرنسا تجاه الجزائر وطيلة 132 سنة، أم أنها حملة إنتخابية يراد منها إعادة الشباب للمصانع الفرنسية التي أصابتها الشيخوخة ببعض مابقي للجزائر، خاصة وهو القادم من عالم المصارف والأعمال. هذا سؤال ستكشف عنه الأيام القادمة، وحينها يكون حديث الواقع المشهود.