بمستوى من المستويات يجب أن تناقش النخب السياسية الشيعية منها خصوصا طبيعة الإدارة التي تعتمدها لملف العلافات الخارجية، وهل هي رهينة بقرار فوقي يتيح لها المضي قدما في تحسين العلاقة مع المحيط العربي، أو وقفها عند حد معين؟ فإذا كان الإتفاق بينها على أن لامشاكل في تطبيق الية متوازنة لدعم العلاقات مع العرب حينها يأتي التساؤل الجدي، ولماذا التردد والإنقسام، ولماذا لايكون هذا رأي الأغلبية الشيعية التي يراد لها أن تعيش على هاجس الخوف من الرياض.
نحن جوار لإيران منذ آلاف من السنين ولتركيا كذلك وللأردن ولسوريا وللكويت، وبغض النظر عن قدم أو حداثة تلك الدول ككيان سياسي مستقل فإن الجغرافيا ثابتة عبر آلاف من السنين وهناك خلافات وتقارب في مراحل مختلفة من التاريخ وحروب وصدامات، ولعل التاريخ القديم يحكي لنا كم المعارك والحروب الصعبة بين ممالك العراق القديم وممالك وإمبراطوريات بلاد فارس لكن ذلك لم يغير في صورة الجوار الراكد والمتحرك والهاديء والمتأزم، وكان لابد من رسم ملامح علاقات من نوع ما ولعلنا لاننسى بسرعة إن الصراع المخيف بين العراق وإيران في عام 1980 إنتهى في عام 1988 على نوع من التقارب خاصة بعد إجتياح الكويت وكلام صدام عن خديعة خليجية له لإشعال الجبهة الشرقية لحسابات سياسية وبعد أن نقض العرب عهودهم لبطل التحرير القومي، وسلموا العراق الى أمريكا التي لم تجد منافسا لها في وادي الرافدين سوى إيران التي مدت خيوط الوصل لتهيمن على القرار، بينما قرر العرب بفعل حسابات ضيقة الإنكفاء، وعدم فتح قنوات تواصل مع بغداد، وإعتمدوا لغة أخرى غير مرحب بها في حينه.
هناك قنوات تواصل عديدة مع السعودية تفتح حاليا، ومع دول أخرى كقطر والإمارات ومصر لكنها ماتزال بحاجة الى مزيد من الدعم والجرأة من بغداد لتستفيد من سياسة التحول الخليجي العربي شريطة ضمان عدم التدخل، ولعب دور إيجابي من عواصم القرار في هذا المحور المهم لدعم مستقبل الدولة العراقية، فالعلاقة مع إيران محكومة بالهاجس الأمني، وإعتبار العراق جزءا من محور المقاومة الذي يشمل سوريا ولبنان وحزب الله وحركات ومنظومات ومجموعات مسلحة تقف ضد المشروع الأمريكي في المنطقة الذي يبدو إن العراق سيكون المتضرر الأول منه لأنه لايزال غير قادر على إتخاذ قرار جدي لتوضيح ملامح سياسته تجاه الإقليم المجاور.
وإذا كانت الحسابات الإقتصادية مهمة للغاية فإن العراق لم يحقق مكسبا جديا على الإطلاق خلال الفترة الماضية وتحول الى مجرد دولة مستهلكة ماعليها سوى تصريف بضائع بعض الدول المجاورة التي لم تفعل شيئا لتدعيم الإقتصاد الوطني العراقي، ولم تطور قطاعات الزراعة والصناعة والكهرباء، وبقيت تساهم في إنهيار المنظومة الإقتصادية لحسابات ضيقة متعلقة بمصالحها هي دون النظر لمصالح الدولة العراقية، حتى ليبدو أن الجميع يريد للعراق أن يكون ساحة حرب وتصفية حسابات، وشحن طائفي، وتجنيد للعراقيين ليكونوا مجرد مقاتلين لاأكثر، وتعليمهم لغة الثأر والعداوة، وزرع بذور التعصب في نفوسهم ليخافوا من الجميع، ويعادوا الجميع، فكأن العراق هو إسرائيل المنعزلة والمعزولة والخائفة والمكروهة، فالذين فرضوا علينا العزلة والخوف من بعض الدول لم يقدموا شيئا حقيقيا لنا، وعلينا أن نجرب سياسية الإنفتاح الشامل دون خوف، أو تردد وبإتجاه الدول المحيطة بنا جميعها دون إستثناء كما يتوجب علينا أن نفتح المجال للشركات الإستثمارية الأجنبية والعربية لإعمار المناطق المحررة والمناطق التي تحتاج الى الخدمات في الوسط والجنوب.
العراق دولة حضارية عظيمة، ولايستحق أن نحوله الى محافظة تابعة لأي دولة كانت، وعلى الشعب العراقي أن يستثمر عمقه الحضاري، وأن لايخاف فالعراق تاريخيا وحضاريا أكبر من الجميع، وقد حققنا في الفترة الماضية المزيد من المكاسب الأمنية التي ساعدت في تمتين ثقة الآخرين بنا، ولابد للسيد العبادي أن يتقدم أكثر في سياسة الإنفتاح التي نجح فيها حتى اللحظة، وكسب دعما دوليا في معارك التحرير، ولأن العراق أقوى وأعمق وأجدر بالمستقبل فعلينا أن لانخاف، بل ننطلق وبقوة ونفتح طرق الحرير في في جهات