لماذا أحب محمدا ﷺ ؟! (14)
قال تعالى :” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ “.
حرب الشائعات والأراجيف الإلكترونية أخطر من كورونا !
احمد الحاج
ما إن أعلنت الصين عن إنتشار وباء”كوفيد – 19″على أراضيها حتى إنبرى المهولون والتجار وعشاق الصيد بالماء العكر وصاروا يطلقون الشائعات في كل حدب وصوب لترويع الناس أو إستحمارهم لترتفع وتيرة الإستغفال الالكتروني طرديا مع إعلان منظمة الصحة العالمية،بأن”كورونا المستجد” قد تحول الى جائحة وبائية،علما أن دوافع الشائعات كثيرة وأهدافها أكثر فهناك من يطلقها على سبيل المزاح والنكتة،ومنهم من يفعل ذلك رغبة بالشهرة ولفت الأنظار اليه وزيادة عدد المعجبين والمعلقين على صفحاته والمشاركين لتغريداته،ومنهم لتصريف بضاعته من الأعشاب وأنواع البخور والحرمل والخرق الخضر وتعويذات السحر والتنجيم ونحوها ،ومنهم لشغل الرأي العام بتوافه الأمور بعيدا عن جسامها،وبعضهم لغرض حرف البوصلة عن مشاكل أمنية وسياسية وإقتصادية خانقة تعصف بالبلاد وليس بمقدور السلطة الحاكمة مواجهتها على خلفية الفساد المستشري في كل مفاصلها،ومنهم من يفعل ذلك لإثارة البلبلة وإشاعة الفوضى بما يعرف بالطابور الخامس ،مع أن النبي الأكرم ﷺ يقول :”إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا” وقوله ﷺ:”كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع”، ولله در القائل :
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به.. وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
ودعوني أوجه سؤالي الى كل من كتبوا وروجوا على صفحاتهم طيلة أسابيع من، أن “فايروس كورونا إنما هو عقوبة الهية للصين على الظلم الذي ألحقوه بطائفة الايغور المسلمة”وأقول لهؤلاء ومع أن الصين تظلم الايغور واقعا وليس ادعاء وتمنعهم حتى من الصلاة والصيام وتلاوة القرآن وتعذبهم أشد العذاب،الا ان ماقالوه في ذلك بحاجة الى وضع النقاط على الحروف،وعليكم الإجابة على الأسئلة الآتية حتى لا يتكرر ما تدونونه مستقبلا من آراء تلقى هكذا على عواهنها من دون أدنى تفكير في عواقبها وتبعاتها،والتساؤل موصول لكل من زعموا بأن تناول الكحول يقي من كورونا كذلك، تلك الشائعة الآثمة التي أسفرت عن وفاة 27 شخصا تسمما بمادة الميثانول في ايران وإدخال 218 شخصا الى المستشفى بحالات تسمم بعد فقدانهم البصر وإصابتهم إصابات خطيرة في الكبد على اثر انتشار الشائعة في مواقع التواصل والتي روج لمثلها في العراق،الاعلامي ماجد سليم، بكل صفاقة مدعيا بأن احتساء “العرق “وهو من أحط المشروبات الكحولية على الاطلاق واشدها فتكا يقي من كورونا مغررا بذلك بمئات الشباب العراقيين الخائفين من كورونا عيانا بيانا،لترد منظمة الصحة العالمية على كل هذا الهرج بالقول ،إن “شرب الكحول لا يحميك من التهاب فيروس الكورونا وعلى الأشخاص الذين لا يشربون الكحول أن لا يبدأوا بالشرب في محاولة لمنع العدوى”، والى كل هؤلاء المرجفين المتاجرين برعب الناس وهلعهم والى جميع من أذاعوا بين الناس بأن التداوي غير مجد وبالأخص اذا ما كان الدواء أجنبيا وحسب المؤمن توكله وايمانه من دون الأخذ بالاسباب للوقاية والعلاج بما يعرف شرعا”بالتواكل “المذموم اذ إن الأصل الشرعي هو”إعقل وتوكل” وبغير هذا المعنى سيساء فهم مقاصد الشريعة الغراء في حفظ الضرورات الخمس”الدين،العقل،النفس ،المال ،العرض” ويترك الحبل على الغارب لكل من هب ودب للتصريح بما يراه مناسبا له ولأتباعه وان خالف اصول الدين وركائزه ، وأقول لهم إن النبي ﷺ يقول :” لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ ،فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ “، وقوله ﷺ: “إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا، وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ”، وقال ﷺ”مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً”، وأسأل الجميع :
– ها قد انتشر الوباء في كل الدول الاسلامية فهل مازال عقابا للصين على ظلمهم لوحدهم من دون غيرهم ؟
– لقد تراجع الفايروس في الصين وإنخفضت نسبة الوفيات والإصابات عندهم الى درجة إعلان السيطرة عليه فيما ينتشر بإطراد في دول العالم وفي مقدمتها الاسلامية ،فهل مازال كورونا عقابا للصين لوحدها ؟
– ماذا لو اكتشفت الصين لقاحا ،عقارا،دواء لكورونا وإضطرت الدول الاسلامية مرغمة لشرائه منها وبأي ثمن كان ؟
– ماذا لو إضطرت الدول الاسلامية الى الإستعانة بفرق صينية طبية للإفادة من خبراتها في الحد من انتشار الوباء على نحو ما قامت به بلدها ؟
– ماذا لو استعانت الدول الاسلامية بالصين لبناء مستشفيات على غرار ما بنته الصين لتجاوز الوباء ولأغراض الحجر الصحي بظرف أيام معدودة ؟
– لماذا الصين وحدها التي عوقبت بزعم المروجين على ظلمها للايغور وليس بورما،تايلند ،الفلبين ،روسيا، الهند وكلها تظلم المسلمين في بلدانها ظلما جما ،لماذا ليس اميركا واوربا وهما يظلمان المسلمين في بلدانهم منذ ما يزيد على 200 عام او اكثر، لماذا ليس الكيان الصهيوني المسخ ،لماذا ليس طغاة العرب من حكامهم وظلمتهم ممن يسومون شعوبهم سوء العذاب طمعا بالكرسي؟
لاشك ان المسارعة في تعليل الكوارث وتحجيمها وتسويق العلاجات لها وقراءتها من زاوية ضيقة بعين حورس الاحادية العوراء آفة كبرى آن لها ان تنتهي،نعم إن الله عز وجل يدافع عن عباده المستضعفين ولاشك،ينتقم من الظالمين ولو بعد حين ولاريب،ينصر المظلومين متى ما إستنفدوا وسائلهم حقا وصدقا ولكن متى ؟ عندما يكون المظلومون وإخوانهم بمستوى يليق بالدفاع والنصرة والمعونة الربانية أما أن يُظلم الايغور في الصين والمسلمون في كشمير والروهينجا في بورما والفلسطينيون على يد العصابات الصهيونية في فلسطين تزامنا مع الاقتتال الشرس والحروب الاهلية في ليبيا واليمن وسورية ،فيما بقية الأمة العربية والاسلامية تغط بنوم عميق وهي تتابع اخبار هيفاء وهبي ونانسي عجرم وحسن شاكوش وترقص على ايقاعاتها وتبدد ملياراتها على السفه والترف والسفر والتسوق والتبضع والتنزه وكأن شيئا لا يعنيها،تحترب وتتصارع فيما بينها الى حد الإبادة الشاملة بأسلحة من صنع الظلمة انفسهم،تأكل طعاما يزرعه الظلمة انفسهم ، تلبس لباسا ينسجه الظلمة ذاتهم ،تقترض ربويا من بنوك ومصارف الظلمة عينهم ،تستعين بالظلمة ذاتهم ليقاتل كل منهم اخوانه به، فهنا وفي هذه الحالة فإن البلاء والوباء سيعم من ظلموا انفسهم ونسوا إخوانهم وبددوا أموالهم وضيعوا ثراوتهم وأوطانهم وسرقوا مقدراتهم وركنوا الى الدعة والاستكانة والخور والجور والجبن قبل ان ينزله بالصينيين وسواهم من ظلمة الارض وبغاتها،واشبه ذلك كله بإنقطاع التيار الكهربائي في العراق،فعندما يكون هذا التيار مقطوعا والكل يشكو همه منها ومعاناته معها يكون الوضع هادئا ومستتبا للغاية على مستوى اقتراف الموبقات والآثام ولكن وبمجرد أن يعود التيار واذا بالاغاني والطرب والمسلسلات واللعب واللهو تقفز الى الواجهة فورا خلال ثوان معدودة بما يعرف بكفر النعم وانما بالشكر وليس بالكفر تدوم النعم وفي ذلك يقول الباري :” ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” ولطالما دعوت الله تعالى وفي مفارقة عجيبة أن يعيد انقطاعها لأن الرحمة عند اطفائها كانت أكبر في المكان الذي نجلس فيه مع شديد الاسف واذكر بقوله تعالى :”إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ” وبالآية التي قرن الباري عز وجل فيها الدفاع عن المؤمنين بالكف عن الخيانة وكفران النعم :” إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ”ولو دافع الله عز وجل عن كل أمة – نائمة -لا تصحو الا على قرع طبول الحرب الطائفية والاثنية والعصبية بينها ،ليس لمواجهة الغزاة والمحتلين منها نصيب لكان هذا الدفاع مسوغا لمزيد من النوم والشخير والاحتراب الداخلي ولو على أصوات المدافع وانين الجياع والمشردين والمحرومين وصهيل الغزاة والمستدمرين وفي هذا قال ﷺ: “هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ” انصر الله وعباده المستضعفين في السراء والضراء ينصرك الله على من سواك ..اركن الى الهوى والشهوات والى الذين ظلموا أنفسهم وبلادهم وشعوبهم لن تنصر ابدا .
وأشد ما أزعجني في حرب الشائعات تلك تفسيرات الناس العجيبة للصورة التي أظهرت الكعبة من غير الطائفين والعاكفين والركع السجود مع أن الكل يصلي تجاه القبلة – الكعبة – في مشارق الأرض ومغاربها بما لاتصح الصلاة من دونها وبما يزيدها شرفا ولاينقصه وان كانت أعداد الطائفين حولها قلت بفعل إيقاف العمرة مؤقتا للمقيمين والوافدين على سواء إضافة الى إجراءات التعقيم والتعفير في المسجد الحرام والمسجد النبوي فإن أعداد المصلين تجاهها قد زادت أضعافا مضاعفة بفعل الرعب من كورونا ولاريب !
وألفت عناية الجميع الى أن طرفي الشائعة عموما “كاذب ومزور للحقائق ” من جهة قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم :” ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: “الإشراك بالله، وعقوق الوالدين”،وكان متكئا فجلس، فقال: “ألا وقول الزور، وشهادة الزور، ألا وقول الزور، وشهادة الزور” فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت ، وطرف ثان من جهة اخرى”مغفل أحمق يصدق كل ما يقال له ليذيعه بين الناس من دون تمحيص”وفي هذا قال النبي :” لا يُلْدَغُ المؤمنُ من جُحْرٍ مرتين “لأن المؤمن كيس فطن صادق أمين ليس بالمخادع وبالمنافق ولا باللئيم وبالتالي فإن الاسلام الحنيف قد وضع حدا للشائعات والاكاذيب وأقوال الزور ومنعها كليا لوقاية المجتمعات من خطرها الداهم، كيف لا ورائد هذه المدرسة هو النبي ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى ،وما إنتشارها في المجتمعات الاسلامية سوى لخلل أصاب من إبتعدوا عن منهج الله القويم وسنة نبيه المطهرة التي ركنوها جانبا ،ولله در الشيخ المصري الضرير عبد الله كامل ،في قصيدته التي نظمها عقب منع بعض الجهات الحكومية تعليق ملصق “هل صليت اليوم عليه “على سيارات الاجرة بذريعة اثارة الطائفية بزعمهم ولحمقهم وحقدهم الاعمى :
هل حقا تشتاق اليه ..ترجو أن تسقى بيديه
ارغم انف الظلم وقلها ..هل صليت اليوم عليه ؟!
كان رؤوفا كان حليما ..كان بأهل الارض رحيما
يكرم مسكينا ويتيما .. يأوي المضطهدين اليه
كيف لا والنبي ﷺ قد اثار اعجاب القاصي والداني بمنهجه الرباني وشريعته التي تقزمت امامها القوانين الوضعية وتضاءلت ، فهذا القس المصري إبراهيم فيلبس ،المبشر بالإرسالية السويسرية الألمانية سابقا وراعي الكنيسة الانجيلية والذي أشهر اسلامه لاحقا وغير اسمه الى “إبراهيم خليل أحمد” والف العديد من الكتب التي هاجم فيه الاستشراق والتنصير كونهما صنوان لا يفترقان وأداة بيد الامبريالية العالمية وكلاهما يستقي مادته من أكاذيب الشعوبية الحاقدة على الاسلام والمسلمين وهي ثالثة الاثافي لكل دمار وغزو خارجي طال هذه الأمة عبر تأريخها ، يقول في كتابه (محمد في التوراة والإنجيل والقرآن):
“كلمة إنجيل كلمة يونانية تعني بشارة أو بشرى، ولعل هذا الذي نستفيده من سيرة سيدنا عيسى عليه السلام ، أنه كان بشرى من الله للرحمة وللمخلص الذي سيأتي للعالمين هدى ورحمة، ألا وهو الرسول الكريم ﷺ”.
لم يختلف الحال كثيرا مع كتاب ” الابطال ” لتوماس كارليل وهو كاتب ومفكر ومؤرخ اسكتلندي قسم الابطال ممن صنعوا التأريخ البشري في كتابه ذائع الصيت الى عدة اقسام على نحو البطل فيلسوفا،البطل شاعرا،البطل كاتبا ،البطل قائدا ،البطل نبيا وقد اختار لهذا القسم النبي الاكرم وجاء فيه :”ولم يك متكبرا، ولكنه لم يكن ذليلا ضرعا، يخاطب بقوله الحر المبين قياصرة الروم وأكاسرة العجم، يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة وللحياة الآخرة، وكان يعرف لنفسه قدرها ..إني لأحب محمدا لبراءة طبعه من الرياء والتصنع، ولقد كان ابن القفار هذا رجلا مستقل الرأي، لا يعول إلا على نفسه، لا يدعي ما ليس فيه” .
بدوره يكشف الصحفي والدبلوماسي والمفكر النمساوي الكبير ليوبولد فايس والذي اسلم وغير اسمه الى محمد اسد في كتابه ” الطريق الى مكة “البعد عن شريعة الله وسنة نبيه هي السبب في انحطاط العالم الاسلامي وليس العكس وذلك يوم دخل في مناظرة طويلة مع احد الامراء الافغان وسأله كيف أن أمراءكم والإقطاعيين يعيشون حياة الرفاهية، بينما إخوانهم من المسلمين، يذوقون الفاقة والفقر المدقع، فى حين أن نبيكم يقول “أنه لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع”. كيف وصل الحال بكم إلى الجهل والأمية، ونبيكم يدعو الى طلب العلم لأنه فريضة على كل مسلم ومسلمة” في أسئلة وتساؤلات كثيرة طرحها قبل أسلامه على امراء وحكام مسلمين تلخص الفصام الكبير والبعد الهائل بين بعض المسلمين ساسة ومسوسين وبين الدين العظيم الذي ينتسبون اليه حتى صاروا مجرد عنوان خال من مضامينه ولعل اجلى صور هذا الفصام تجدها في عالمنا العربي اليوم !
محمد اسد هذا الف اضافة الى كتابه الآنف كتبا ترجمت الى العديد من اللغات الحية أهمها “الاسلام على مفترق طرق “،” منهاج الاسلام في الحكم”اضافة الى ترجمة السنة النبوية ومعاني القرآن الكريم الى الانجليزية والتي جاء فيها “إنّ اليهود حرفوا معاني كتابهم، وإنّ البشارة بمحمد ما زالت في النسخ الحالية”.
هذا الحبيب الهاشمي المجتبـى .. هـذا الـذي ركـب الـبــراق وقُـرِّبـا
هذا المطّهرُ في النبوة والصِبـا ..هذا المعظم خير من وطيء الصفت
صلوا على الحبيب المصطفى
اودعناكم اغاتي