بقلم: عبد الجبار نوري
على كوكبنا الجميل قامات شامخة من قادة وعظماء تركوا بصماتهم في أسعاد البشرية ورسم مستقبلها الزاهر وتحقيق تطلعاتها المشروعة ، وتمكنوا من فرض حضورهم على قلم التاريخ وأرشيف الشعوب بكارزمية مثيرة متميّزة بنحت رقمٍ بارز متلأليء صعب الأستنساخ لمثيلها في الأجيال اللاحقة ، لذا ستذكرهم الأجيال القادمة بكل فخرٍ وأعتزاز واليوم واحداً من هؤلاء العظماء الذي جمع كل صفات القيادة والصمود والصبر والتحدي وبأصرارٍ عجيب حد تمكنهِ من تحقيق حلمهِ في ضخ دماء شابة حداثوية في مفاصل طبقة العمال المحرومة المستعبدة عبر أجيالٍ من التأريخ وهو { كارل ماركس } الأقتصادي السياسي ، صاحب الأشتراكية العلمية ، وعدو الرأسمالية الطفيلية وحيتان الكارتلات ، وراسم طريق الخلاص للبروليتارية بتعليمها (كود ) فك شفرة أستلام السلطة من النظام الرأسمالي الجشع الذي يعتاش على مجهود الشغيلة وطبقة العمال والفلاحين البؤساء ، {وهو الذي نبه الطبقات المسحوقة ” بأنّ الفقر لا يصنع ثورة ، أنما وعي الأنسان بالفقر هو الذي يصنع الثورة } ، وبحماسته وعنفوانه وأصراره النبوئي على ” التغيير ” وهو المطلوب في تحقيق أماني الشعوب المضطهدة في ( وطن حر وشعب سعيد )
كارل ماركس 1818 -1883 ، ولد في ترييف ( مدينة تابعة لبروسيا ) وهو فيلسوف وعالم أقتصاد سياسي ومؤرخ ومنظّر سياسي ، صاحب النظرية الماركسية ، ومؤسس الشيوعية والأشتراكية العلمية ، والفلسفة المادية التاريخية ، والأقتصاد السياسي العلمي ، وزعيم البروليتارية العالمية، ومنقذ الشغيلة والفقراء والطبقة العاملة بالذات ( البروليتاريا )
الماركسية وتحفيز البروليتاريا للثورة
**رسم لها أبواب التحرر والأنعتاق وكسر القيود المذلّة وأخذ دورها الريادي في أستلام السلطة بالثورة التي تعني بنظر ماركس : التغيير الجذري والهرمي للسلطة الرأسمالية المستغلّة بعيداً عن الحلول التوفيقية السائدة في وقتهِ المتمثلة بالهيغلية اليسارية التوفيقية ، ورد برسالة بعنوان (بؤس الفلسفة ) كرد على كتاب ( فلسفة البؤس ) للأقتصادي المثالي ( برودون ) ، وكوّن بنظرية بؤس الفلسفة مع زميلهِ أنجلز{ البيان الشيوعي } 1848. ** فالثورة بنظر ماركس نقلة نوعية موضوعية مؤثرة في المفاصل السياسية والأقتصادية والأجتماعية كالثورة الفرنسية المتمثلة في كومونة باريس 1789، والثورة البلشفية في أكتوبر 1917 في روسيا القيصرية ، فكان البيان الشيوعي دعوةً صريجة لعمال العالم للثورة وأخذ السلطة وأنشاء الدولة الأشتراكية أو الشيوعية . **وصل مركس الى نتيجة ( حتمية الثورة الأجتماعية ) بتوحيد حركة الطبقة العاملة مع نظرية عامة علمية الى العالم المتمثلة ب{ البيان الشيوعي } 1848 م مع زميلهِ ” أنجلز” وهو أستكمالٌ في توضيح فعالية النظرية الماركسية في التغيير.
وتكمن أهمية هذا البيان العالمي في : 1- وضع الخطوط العريضة لتصوّرْ جديد للعالم . 2- وهي أكثر النظريات تطوراً وشمولاً وعمقاً . 3- وفيما يخص الصراع الطبقي يقول البيان الشيوعي : أنّ الحياة الأجتماعية مليئة بالتناقضات والتأريخ يكشف لنا مراحل متعاقبة من الثورة والرجعية ، والسلم والحرب ، الركود والتقدم السريع أو الأنحطاط فالبيان رسم أكتشاف القوانين بدراسة مجمل المطامح لدى أعضاء مجتمع واحد أو عدد من مجتمعات للتجديد ، وخلاصة البيان أنهُ حلل المجتمع على أساس ( الصراع الطبقي ). 4- وضّحتْ الدور الثوري التأريخي العالمي للبروليتاريا ، والتي أعتبرها لينين ركيزة المجتمع الشيوعي الجديد . 5- وفي البيان الشيوعي موقف مادي هو جوهر الأختلاف مع الفيلسوف ( هيغل ) . 6- البيان يعرض بوضوح ودقة عبقرية المفهوم الجديد في العالم بعرض المادية المتماسكة التي تشمل أيضاً ميدان الحياة الأجتماعية بالديالكتيك بوصفهِ العالم الأوسع والأعمق للتطور ، فتكون بذلك نظرية النضال الطبقي والتحرري للبروليتاريا التي تتصف وحدها بالدور الثوري وتكملة مسيرة الألف ميل الى النهاية بأصرارلا كالطبقة الوسطى البرجوازية والبورجوازية الطفيلية التى تقف عند الميل الخمسين وكفى ( لينين / كتابه ما العمل ؟ )
** والتفسير المادي للتاريخ بنظر ماركس حيث يقول : أنّ التأريخ لن يصنعهُ العقل المطلق ولا الرجال العظماء بمجهوداتهم لوحدهم ولكن تصنعهُ عملية تطوّرْ أجتماعي داخلي في كيان كل أمة وصراع طبقاتهِ ، وأنّ العامل الرئيسي الذي يقرر مصير أية أمة هو الأنتاج والثروة وأمتلاك وسائل الأنتاج ، لم يكن ماركس مجرد فيلسوف لكنهُ كان داعية لأنقلاب سياسي أجتماعي كبير ، والدليل على ذلك أنشأ سنة1868 لما كان في لندن ” الجمعية الدولية للعمال ، ونادى يا عمال العالم أتحدوا .
** أكد على أهمية عنصرين بارزين في الحياة هما الأنسان والعامل الأقتصادي ، بالنسبة للأنسان قال : كل الثورات أثبتتْ شيئاً واحداً حتى الآن ألا وهو إنّ كل شيءٍ يتغير ألا ” لأنسان ” لأنّ { الأنسان أثمن رأسمال } في الوجود ، وأما العامل الأقتصادي / يعتبر العامل الأساسي في تشكيل الحياة ، وسبب مباشر في الحروب ، وصراعات الأمم ،{ وهو القائل : تراكم الثروة في المجتمع الرأسمالي يقابلهُ أرتفاع نسبة الفقر والعوز في الجهة المقابلة } .
** أثبت ماركس في كتابه رأس المال في طروحات الأقتصاد السياسي أنّ المذهب الماركسي منطقي وموضوعي حيث أعترف بهِ حتى خصومه ، لأنّهُ ناقش وتابع التيارات الفكرية الثلاثة السائدة في أوربا : الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ، الأقتصاد السياسي الكلاسيكي الأنكليزي ، والأشتراكية الفرنسية .
** حذر ونبّه الطبقة العاملة والشغيلة وعمال الأجور اليومية بما يخسرون من جهدهم ووقتهم وأبتزازهم من قبل أرباب العمل وذلك بعرض موضوع ( نظرية القيمة وفائض القيمة ) في كتابه راس المال : فهو الشكل النقدي لفائض الناتج الأجتماعي الذي يذهب الى جيوب الراسمالي ومالك العامل ووسائل الأنتاج { أي بشكل أكثر توضيحاً وتبسيطاً : عندما يعمل الأجير 8 ساعات يستوفي أجرهُ في الساعتين الأولى من اليوم والباقي ستة ساعات عمل منتج تسمى بنظر ماركس ( فائض الأنتاج الأجتماعي المجاني لرب العمل ) ، وأذا أشتغل القن أسبوعاً في مزارع الرأسمالي فأنهُ يوفّي أجرعملهِ في اليوم الأول وستة أيام أنتاجاً مجانياً للمالك الأقطاعي.
آمال ماركس وتطلعاتهِ المستقبلية
1-أنّ المجتمع الرأسمالي سيتحول حتماً ألى مجتمع اشتراكي ، بطرح نظريته عن ” المجتمع والسياسة ” والمعروفة بأسم { الماركسية} ، وألخصها : يفترض ماركس بنظريته هذه أنّ كل المجتمعات تتقدم خلال الصراع بين الطبقات أي ( الصراع بين الملاك المتحكمين بالأنتاج وطبقة العمال الذين يعملون في أنتاج السلع ، وسمى الرأسمالية بدكتاتورية البورجوازية المسيرة من قبل كل الطبقات الغنية لأجل مصلحتها البحتة وسوف تنتهي أن آجلاً أم عاجلاً بسبب الصراعات والتوترات التي بداخلها فتقودها إلى التغيير الذاتي وتتحول إلى ” الأشتراكية” .
2- التقدم الأنفجاري والأسطوري في النصف الأخير من القرن التاسع عشر لنسب رأس المال بأعتقادهِ هو الأساس المادي الرئيسي لمجيء الأشتراكية الذي لا مناص لهُ .
3- أنّ المحرك الفكري والمعنوي والمادي لهذا التحوّلْ أنما هو البروليتاريا التي تثقفها الرأسمالية نفسها .
4- يصح نضال البروليتاريا ضد البرجوازية الحاكمة نضالاً سياسيا لأخذ الحكم السياسي منها .
5- ولابدّ من أنْ نجعل وسائل الأنتاج ملكية أجتماعية وأنْ تؤدي ألى أنتزاع الملكية من مغتصبيها .
6- أنقاص يوم العمل لتفادي تضخّمْ أنتاجية العمل .
7-العمل التعاوني المتقن محل بقايا الأنتاج الصغير المبعثر .
8- وضع حد لعزلة الريف وما يعانيه من تخلف وعزلة وتوحش .
9- أتحاد الصناعة والزراعة لأنّ كلاً منها يكمل الآخر.
أقوال ماركسية مأثورة
*العمال ليس لديهم ما يخسروه سوى أغلالهم ، لديهم كسب العالم . * الرأسمالية ستجعل كل الأشياء سلع ، الدين ، الفن ، الأدب وستسلبها قداستها * الطاغية مهمتهُ أنْ يجعلك فقيراً وشيخ الطاغية مهمتهُ أنْ يجعل وعيك غائباً. * أضطهاد المرأة لم ينبع من أفكار عقول الرجال ولكن في تطوّرْ الملكية الخاصّةِ وما يتبعها من ظهورمجتمع قائم على الطبقات والأستغلال .
هوامش البحث/*. صراع الطبقات في فرنسا 1848- 1850 / ماركس. * مقدمة في نقد فلسفة الحق عند هيغل / مقال لماركس 1844 *مدخل الى الأشتراكية العلمية / آرنست ماندي . * كتاب رأس المال/ المجلد الأول/ ماركس- لينين الدولة والثورة/ موسكو ترجمة 1970 —-
عبد الجبار نوري/ستوكهولم / السويد
في/ 5 تموز/ 2015