عبدالجبارنوري
جان جاك روسو1712 -1778 جنيفي وُلِد فيها وبقي في سويسرا أكثر من خمسة عشر عاما وهو كاتب وأديب وفيلسوف ومفكر من الطراز الأول وعالم نبات ، تجد في روسو الصفاء والنقاء والصوفية وهو رائد من رواد حركة التنوير التي مهدت للثورة الفرنسية 1789يعد من أهم كُتاب (عصر العقل ) وهي فترة من التأريخ الأوربي ، أمتدت من أواخر القرن السابع عشر إلى أواخر الثامن عشر، ساعدت فلسفة روسو في كتابه الأول ( العقد الأجتماعي) في تشكيل الأحداث السياسية التي أدت إلى قيام الثورة الفرنسية ، وأثرت أعماله في التعليم والأدب والسياسة وفي الأنثروبولوجيا المجتمعية .
عرض أفكاره وآراءه مواضيع عديدة لها المساس المباشربالفرد والمجتمع ونوع الحكم متحديا بها آراء فلاسفة ومفكري عصره السائدة ، فلهُ نتاجات أدبية ثرّة بشكل رسائل ومحاضرات ، وصبّ عصارة فكره وجهده في أربع كتب هي : العقد الأجتماعي ، أصل التفاوت ، الأعترافات ، والكتاب الرابع ( هواجس المتنزّه المنفرد بنفسهِ ) وحاول روسو أن يترجم خلجاته وآلامه وهواجسه وأحلامه وأشمئزازه من التفاوت الطبقي في المجتمع بين طبقة ثريّة موسرة بأفراط تهتم بالبذخ والمظاهر والتفاخر وطبقة واسعة من الفقراء المعدمين ، وكان يتألم على الدوام بهاجس أنساني ، وقرر أن يمضي فيما بقي من حياته في بيان الأتجاهات الجديدة للتنمية البشرية المجتمعية .
معتقدات ” روسو ” ذات الأتجاهات الحداثوية
-أنه فيلسوف المتناقضات ، يشارك في التنوير ثم ينقلب ضده ويعرّفهُ جيداً ثم يرفضه براديكالية وفضاضة أوشك أن يقول : أن الحداثة خطأ كبير، وأن علينا البحث عن علاج منها ، في خطابه الأول في مشاركته مسابقة أكاديمية ديجون ، تناول فيه الفنون والعلوم ، أعلن روسو أغرب الآراء حول الفن الذي أعتبر أن له وظيفة تنكرية ، أذ نستعمله لأخفاء أضطهادنا ، يجعلنا ننسى أننا لسنا أحراراً ، بل أسوأ من ذلك : أنه يجعلنا أن نحب عبوديتنا ، والفن والعلوم تعتبرفي رأي روس كجزء من رفاهيتنا تعزز اللامساواة والتمزق لأنها توجد حاجات كمالية جديدة بديلة عن الخبز أنها ثغرة هشاشة مفروضة علينا ، وبهذا المعنى يكون حسب رأي روسوالتنوير والحداثة أنحطاطا وفسادا وليس تطورا وشارك بآراءه هذه المفاجئة والغريبة والأقتحامية الجريئة في مسابقة تلك الأكاديمية لسؤالها هل للعلوم والفنون أثر في بناء الأنسان والمجتمعات ؟ ففاز بجائزة مالية من تلك الأكاديمية .
– ويقول روسو في كتابه الرابع ” هواجس المتنزّه المنفرد ” ما نتيجة أن نولد في زماننا ؟ وأية فضيلة ستأتي من أن تكون غنياً بأي ثمن ؟ أن فلاسفة السياسة القدماء يتحدثون عن القيم والأخلاق ، والآن يتحدثون عن المال والأقتصاد ، ويرى أغلب فلاسفة الفترة الراهنة له : أن ” جان جاك روسو ” يتميّز عن فلاسفة ( الأنوار ) وعن فولتير بالخصوص الذي يعتقد بأن التقدم العلمي يمكن أن يحقق للأنسان السعادة على الأرض ، ويمنحه القدرة على أن يكون سيد نفسه متحرراً بذلك من كل العوائق التي تكبل طاقاته ، أما روسو فقد شكك في قدرة العلم في القضاء على على شقاء الأنسان في العالم ، بل ذهب إلى حد التأكيد على أنه أي العلم يمكن أن يسبب له كوارث ومتاعب أشد وأقسى من تلك التي عرفها من قبل ، وهذا ما أثبتهُ الواقع مثلما خلفت لنا الحربين الكونيين من كوارث ودمار للجنس البشري وممتلكاته وحضارته .
– بدأ روسو الحديث عن الفنون والعلوم لينتقل إلى الأستهلاك ثم اللامساوات الأقتصادية ، ثم يذهب إلى هجاء التعليم في نصه المتحجر والمتطرف ، ويبدو للمتلقي أن روسو ينظم إلى أعداء التنوير في زمانه إلى جانب الأرستقراطيين والكنيسة ، لكنه ليس محافظاً مثلهم لأنه لا يرغب بالمحافظة على الوضع الراهن ، بل كان يريد وضعا أكثر راديكالية لأنه يرى دعاة التنوير الذين يزعمون محاولة خلخلة واقع مجتمعاتهم ، هم في الحقيقة يعززون المكونات الأساسية لهذا الواقع .
– وكتب روسو هذه الهواجس في كتابه الرابع ” هواجس المتنزّه المنفرد ” أزمة الخوف والحذر وفوبيا أرهاصات اللاوعي وأحلام اليقضة والتي سببها إلى ما عاناه أو صوّر لهُ أنهُ يعانيه من ضروب الأضطهاد الموجه لهُ من كل صوب عندها يغرق في السويداء وهو في براءة رأيه في متاهات أعماق اللاوعي لهذا الفيلسوف الناقم على نفسه من أثر عقدة الأضطهاد وعلى الوضع القائم وفلاسفة السوء الذين يبشرون بالمدينة الفاضلة المزيفة والكاذبة يرى في نفسه قد يكون صنع القليل من الخير ، لكنه في حياته كلها لم يفكر بصنع الشر مطلقا ، عندها لم يكن يجد مخرجا لهذه الأزمة النفسية وهمية كانت أم واقعية ألا بالهروب للأمام بالعزلة والوحشة بنزهاته الأنفرادية ليصل إلى هواجسه أو أحلامه التي تبدو في كتابه هذا بعشرة نزهات تستثير عنده مشاعر عميقة يتلذذ بها لأنها توافق كسله الجسدي من حيث الأبتعاد عن كل عمل ، وتتناغم مع غزارة تخيلاته وتدفق رعشاته وأحتدام أرهاصاته من الوعي واللاوعي في آنٍ واحد .
– عند مطالعتي لكتابه الرابع والأخير ” هواجس المتنزّه المنفرد ” ترجمة الدكتور بولس غانم الصادرة من المنظمة العربية للترجمة بيروت 2015، يتحدث الفرنسي جان جاك روسو عن عدة مفاهيم وقضايا منها الحرية ، الحقيقة ، الصدق ، الكذب ، السعادة ، الفن ، الأدب ، والثورة وجدت أن روسو بدراسة واسعة لعلم الأجتماع السوسيولوجي الجمعي بشهادة عالم الأنثروبولوجية الشهير ( كلود ليفي شتراوس ) يقول : أن روسو معلمنا وروسو أخونا الذي لم نعترف لهُ بالجميل كما ينبغي ، أنهُ مؤسس علوم الأنسانية الحديثة من كل فلاسفة عصره .
– سكب في كتاباته الرومانسية اللاهوتية المشبعة بغنائية أسلوبه وفلسفته وأيمانه بطبيعة الأنسان الطبيعية التي أفسدتها الحضارة وضحها بشكل جلي في اللغة الأدبية ، و بين فيها الرغبة في تخليد الحب بالذكرى ، وشدد على اللاهوت العاطفي الجديد ، وتفنن في في أبراز الشعور بالطبيعة والطبيعة البشرية .
– هاجم روسو في كتاباته ورسائله وفي هذا الكتاب بالذات كل الأتجاهات الحضارية في البذخ عند النظم الأجتماعية السائدة ، وندد بالدور المفسد للحضارة حيث ناقض طروحات الأنسكلوبيديين وفولتير الذين يسعون للآنوار والبذخ ، مهدداً بها النظم القائمة بقيمها الجارية ، ولكن العالم الذي رفض الأصغاء أليه دفع روسو أن يترجم خلجاته ووهواجسه وأحلامه في كتابة هذا الأنجاز الأدبي والتعليمي التربوي ، ولكنه أشار إلى هاجس ( المؤامرة ) المفردة التي يقصدونها بالذات وهي المواقف المضادة له من المجتمع ومن جيل الفلاسفة ، ولكن صموده وسكينة روحه الهائجة جعلت من جميع ( تيمياته ) الرومانسية وأفكاره الحداثوية الثورية الغريبة وأحلام يقضته في المتنزه المنفرد التفهم والأستيعاب وتقبل آراءه المرفوضة تستوعب وتقبللها من قبل الجبهة المضادة لأفكاره الحداثوية التي بعثت هزة كهربائية في التوعية حيث أصبح كل من العالم والفيلسوف الفرنسي ( شاتوبريان ولامارتيني ورونيه ) هم ورثة الحقيقة للمتنزه المنعزل وخاصة الشعور بالطبيعة وهروب الزمن لدى روسو.
في 11تموز 2016