حمد جاسم محمد الخزرجي/مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
قد يظن البعض أن ظهور “داعش” -والتي تعرف بالدولة الاسلامية في بعض وسائل الاعلام- أمر مفاجئ، بينما يجزم آخرون، أنها نتيجة حتمية لسلسة من الإخفاقات التخطط السيء، وإجهاض ثورات الربيع العربي، وفريق ثالث يراها حلقة تمهد لما بعدها؛ مثلما أنتج الجهاد في افغانستان القاعدة، ومن رحم القاعدة ولدت داعش، بينما الفئة رابعة ترى ان الأفكار التآمرية؛ هي التي صنعت داعش، أي انها صنيعة دولية واقليمية وداخلية.
نشأة داعش
تشكل تنظيم “داعش” الارهابي في نيسان عام 2013، من مجموعة من الافراد الذين ينتمون للفكر المتطرف الذي نشأ من رحم القاعدة، وفي البدء كان عبارة عن اندماج بين ما يسمى بـ”دولة العراق الإسلامية” التابع لتنظيم القاعدة الذي تشكّل في تشرين الأول 2006 والمجموعة التكفيرية المسلحة في سوريا المعروفة بـ”جبهة النصرة”، إلا أن هذا الإدماج الذي أعلن عنه قيادي “دولة العراق الإسلامية” أبو بكر البغدادي، رفضته “النصرة” على الفور.
وبعد ذلك بشهرين، أمر زعيم القاعدة الجديد (أيمن الظواهري) بإلغاء الاندماج، إلا أن (البغدادي) أكمل العملية لتصبح “داعش” (الدولة الإسلامية في العراق والشام) واحدة من أكبر الجماعات الارهابية الرئيسية التي تقوم بالقتل والدمار في سوريا والعراق، ونصب المدعو (ابو بكر البغدادي) واسمه الحقيقي (ابراهيم عواد ابراهيم البدري) من اهالي سامراء، الذي أعلن نفسه خليفة لهذه الدولة، وباسم امير المؤمنين، واتخذ من الرقة السورية عاصمة لدولته.
وقد امتد نفوذ تنظيم (داعش)، كقوس كبير في الشمال السوري، يبدأ من الحدود العراقية السورية ويمر في دير الزور والرقة التي سيطر عليها بشكل كامل، وصولاً إلى جرابلس ومنبج والباب وإعزاز شمال حلب، إضافةً إلى شمالي إدلب قرب الحدود التركية، وتسعى دائماً للتوسع في نفوذها عبر قضم مستمر للمناطق المحيطة بالأراضي التي تسيطر عليها، وما تلبث أن تعلنها تابعة له، وفي العراق امتدت سيطرة داعش عام 2014 لتشمل اكثر من ثلث مساحة العراق وضمت اجزاء واسعة من محافظات نينوى والانبار وديالى وصلاح الدين وكركوك، قبل ان يتم تحرير اغلبها، ولم يتبقى سوى الموصل الذي تجري فيه العمليات العسكرية الان لتحريره.
حقائق خرافة الخلافة الداعشية المزعومة:
لقد دأبت الدوائر الاستعمارية القديمة ومنذ عدة عقود بالعمل من اجل السيطرة على عقول البشر وتسييرهم وفق ما يخدم مصالحها، وبما ان الاسلام والمسلمين هو الهدف الرئيسي لهذه الدوائر كان العمل باتجاههما اكثر وادق فبدأت تلك الدوائر بالبحث عن الثغرات والاخفاقات في التاريخ الاسلامي ومنذ وفاة الرسول الاكرم (ص)، لاستخدامها كبذرات للتفرقة والتناحر الطائفي، وقد استطاعت من ذلك وكان لها ما تريد ولم يبق لها سوى ان تقوم بجني الثمار وحان قطافها في زماننا هذا فكانت الثمرة الخبيثة “داعش” لتحيل منطقة الشرق الاوسط المسلم الى جحيم او على فوهة بركان ولتستثمر هذا الوجود المخترع لهذه الجماعة الى وسيلة لابتزاز الشعوب والحكومات بحجة انقاذها من الارهاب ومما تفعله هذه الحوش البشرية، ان داعش هي عبارة كذبة تم صياغتها بطريق مقاربة للحقيقة وهذه الكذبة تم الاعداد لها منذ مدة طويلة لتخرج بهذا الاسلوب الخبيث وبهذا الاخراج الشيطاني وسيأتي اليوم الذي يسدل الستار عليها بعد ان يستوعب الناس الحقيقة، واسباب اندحار مشروع الخلافة لداعش هي كثيرة، ومنها:
1- ان اختيار قادة تنظيم (داعش) الارهابي لسوريا والعراق وليبيا كقاعدة اساسية لتنظيمهم هو بسبب ضعف البنية السياسية والعسكرية لهذه الدول لانشغالها بأزمات داخلية حادة، اضافة الى الغنائم الوفيرة التي كانت في انتظارهم. فقد قام الجيش العراقي، الذي أعاد الأمريكيون بنائه وتدريبه وتجهيزه بالعتاد بعد غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة عام 2003، بالتخلي عن عدد كبير من الأسلحة المتقدمة حيث استحوذت عليها التنظيم على الفور. كما قيل أنهم نهبوا الاموال في فرع البنك المركزي في الموصل، اضافة الى الاستيلاء على اضخم حضارة واثار وهي اثار نينوى، الحضر والنمرود ومراقد الانبياء والكنائس وغيرها، وفي ليبيا وسوريا حيث حقول النفط التي تمكن التنظيم من تصدير ملايين البراميل من النفط منهما، لهذا فان ما اراده زعماء التنظيم حصلوا عليه هم والدول الداعمة لهم، ولم يبقى امامهم سوى الاختفاء وترك المغرر بهم ليواجهوا مصيرهم المحتوم، اي انهم كصائدي الجوائز دائما يبحثون عن الجائزة الثمينة.
2- ان تحرك (داعش) بهذه السرعة جاء نتيجة الانهيار السريع للجيش العراقي في المنطقة الشمالية بأكملها، وتساقطت البلدات والقرى واحدة تلو الأخرى، وقد استولى مسلحو داعش على بلدة بيجي بما في ذلك مصفى تكرير النفط، ثم سرعان ما استولوا أيضا على قضاء تكريت القديمة، ووصلوا الى اطراف سامراء، ثم تقدم في مناطق ديالى وكركوك، ان تقدم داعش لم يكن لقوة التنظيم وانما لعدم وجود قيادة سياسية او عسكرية قادرة على قيادة الجيش والصمود بوجه التنظيم، اذ ليس العبرة بعدد وعدة القوات وانما العبرة بالقيادة الجيدة لهذه القوات، فلو كانت هناك قيادة عسكرية لاستطاعت الصمود بوجه داعش وعددهم بالمئات فقط عندما دخلوا الى نينوى، لهذا فان اغلب التحليلات الان تعتقد ان الجيش العراقي الحالي بكل صنوفه قد استعاد قوته وعافيته، من خلال وجود قيادة عسكرية مهنية ووجود دعم سياسي واسع، كذلك ان فتوى المرجعية بتشكيل الحشد الشعبي لحماية الارض والمقدسات قد اسقطت كل الذرائع التي كانت تطلقها المجموعات المسلحة والسياسيين في تلك المناطق من تهميش واقصاء لهم، اضافة الى الدعم الدولي الواسع، وان داعش وغيرها لم ولن تستطيع دخول مناطق العراق مرة اخرى بعد اكمال تحرير المناطق.
3- الوحشية التي اتسم بها التنظيم وهو يدخل المدن والقرى مع كل من يعارضه او يقف بوجه، فجعل الناس تهرب منه وتخشاه بدون ان تواجهه، وجعل منه هالة كبيرة وبالون مملوء بالهواء امام الناس، لهذا فان التنظيم دخل المناطق بالتهويل والقتل والسبي، فقد حاصر تنظيم داعش معسكر سبايكر، وهو يعجّ بالمجندين العراقيين، واستسلم المعسكر بأكمله، وقد صُنف آلاف الأسرى بحسب انتماءاتهم، فالشيعة منهم أٌخِذوا وقيدوا ونُقلوا في شاحنات واعدم قرابة 1.700 عسكري في هذه المذبحة بدم بارد. ولا تزال عمليات البحث عن المقابر الجماعية مستمرة، كذلك عمليات الابادة الجماعية للأقليات القومية والدينية فقد تم قتل الاف من المسيحيين والايزيدين والشبك والتركمان، وسبي النساء، هذه الاعمال جعلت من التنظيم أكبر مجموعة ارهابية في المنطقة، وجعلت خشية في قلوب الناس البسطاء، الا ان مقاومة بعض المناطق وصمودها مثل مناطق الدجيل وبلد وامرلي وغيرها اثبتت ضعف قوة التنظيم وهشاشته، لهذا فان هيبة التنظيم قد اهتزت بعد صمود مناطق بوجهه، وان اعماله الارهابية اصبحت منبوذة من الجميع.
4- الدعم المجتمعي الذي كان يحظى به داعش في مناطق شمال وغرب العراق لم يعد كما كان قبل 2014، فقد عمد التنظيم الى قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث وطرق اعدام مروعة بحق ابناء السنة انفسهم، الذي ادعى التنظيم انه جاء من اجل نصرتهم، فقد اعدم في الانبار مثلا اكثر من (600) شخص من قبيلة واحدة معارضة للتنظيم، اضافة الى قتله آلاف الافراد من اهالي الحويجة بحجة معارضتهم للتنظيم وتأييدهم للحكومة العراقية، اضافة الى اكتشاف الجيش العراقي لمقبرة جماعية تضم مئات الجثث بعضها بقية في العراء لرجال ونساء واطفال اعدمهم التنظيم بحجة معارضتهم له، وغيرها من الانتهاكات الشخصية واقامة الحد، والتطبيقات الاخرى التي جعلت اغلب اهالي تلك المناطق ينفرون منه، ويعدون الايام للخلاص منه، وقد كان استقبالهم للقوات العراقية المحررة خير دليل على هزيمة التنظيم في عقول اهالي تلك المناطق، وسوف لن يحصل على اي دعم بعد الان منهم.
5- اعتماد داعش على الجذور الدينية أو الإيديولوجية لأفكاره وربطها بالإسلام وببعض العلماء مثل (أحمد بن حنبل (780 إلى 855))، الذي أسس المذهب الحنبلي، وعلى افكار (ابن تيمية)، وهذان الشيخان يعدان الأبوين الروحيين لمن جاء بعدهم من مفكرين وما ظهرت من حركات، عرفت لاحقًا باسم “المذهب السلفي”، الذي يدعو إلى العودة إلى منهاج السلف الصالح، وقد أثرا في شخص آخر جاء من بعدهم، كان لتفكيره وكتاباته وقع هائل ومستمر على المنطقة وعلى الحركة السلفية، ومن أحد أشكالها، الوهابية، التي سُميت على اسم هذا الرجل وهو (محمد بن عبد الوهاب) المولود في نجد، في شبه الجزيرة العربية، ولكن ما قام به التنظيم من اعمال وحشية ضد المدن التي دخلها، في العديد من الدول، جعل الكثير من اهل السنة يتبرأ منه، وعقدت عدد من المؤتمرات التي اعتبرت المذهب السلفي خارج عن اهل السنة والجماعة ومنها مؤتمر الشيشان في روسيا عام 2016، حتى السعودية التي تعتمد المذهب الوهابي السلفي مذهبا رسميا لها قد اصبحت تحارب داعش، خاصة وان التنظيم نفذ عدد من العمليات المسلحة فيها، وتركيا هي الاخرى اعلنت الحرب على التنظيم في سوريا، وبهذا فان الاصول التاريخية التي اعتمد عليها التنظيم اصبحت منبوذة وغير معترف بها، وان الدول التي اعتمد عليها اول مرة اصبحت في حرب معه، وبهذا فان وهم داعش اصبح وهم في طريقه للأفول.
6- ارتباط داعش مع نظام البعث البائد، لقد كان اعضاء البعث السابق في زمن النظام البائد يمسكون بالحكم بقبضة من حديد، ويحتلون مكان الصدارة في العراق، وقد جرد الاحتلال العسكري بقيادة الولايات المتحدة هؤلاء البعثيين من مزاياهم، مما اثار سخطًا عارما وموفرا التربة الخصبة ليضرب الجهاديون السلفيون جذورهم فيها، وسرعان ما تمكنوا من تمييز مناصريهم، حيث انتقل الارهاب إلى تلك المناطق، وفي غضون شهور نظّم هجمات استفزازية طاحنة ووحشية موجهة نحو أهداف غربية والأغلبية الشيعة، ودخل الزرقاوي، الذي أنشأ جماعة جديدة سميت باسم جماعة “التوحيد والجهاد” في تحالف وثيق مع خلايا سرية من بقايا البعث البائد، ليجتمع ركنا الارهاب معا تحت لواء: الجهاد المسلح والقومية العراقية، وبهذا فان دخول داعش للعراق تم بالتواطؤ مع اتباع البعث المقبور ومناصريه، اذ يعد ضباط الاستخبارات والجيش السابقين إبان النظام البائد، ولا سيما رجال الحرس الجمهوري، هم عماد تنظيم داعش، الذين هم بارعون في نقل الأشخاص المنتمين لهم من مكان لآخر، وإعادة إمدادهم بالعتاد، ولديهم الخبرة والكفاءة العسكرية، فكل هذا التقدم للتنظيم هو من تدبير ضباط الجيش العراقي السابقين، لما لهم من باع طويل في هذا المجال، ولكن بعد ان بدأت الهزائم تضرب تنظيم (داعش)، انكشفت الخيوط التي تربط التنظيم ببعض العراقيين، كما ان ابناء المناطق الغربية بعد ما دمر التنظيم ديارهم وتجاوز على عاداتهم الاجتماعية، بدأوا بالثورة عليه وطرده وطرد اتباعه من البعثيين، ومساندة القوات العراقية، خاصة وان اغلب العشائر العراقية في الانبار والموصل قد اعلنت عن تشكيل قوات عشائرية كبيرة لمحاربة التنظيم.
7- ان داعش استفاد من تدهور الاوضاع في سوريا، فقد دخل العراق عبر الحدود في سوريا المجاورة في وقت قياسي، ففي ربيع 2011، وفرّ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا ساحة جديدة للنزاع والتوسع، الا ان فقدان التنظيم المتشدد لأبرز خطوط الإمداد، التي كان يسيطر عليها ادت إلى إضعاف قدراته العسكرية وانعكس ذلك سلبا على تحركاته بين سورية والعراق وداخل كل من البلدين، فـ(%90) في المئة من خطوط الإمداد باتت خارج سيطرة داعش، وأن خسارة داعش للطريق الرابط بين الموصل وتلعفر، والطريق الرابط بين البوكمال والقائم غرب العراق القريبة من الحدود السورية، جعلته يفقد التواصل بين بعض المناطق التي يسيطر عليها، وأن داعش الآن بات عاجزا عن استعادة المناطق التي طرد منها، بل وعدم قدرته عن الدفاع عن مناطق يعدها مهمة لخلافته مثل الرقة، بعد تقدم قوات سوريا الديمقراطية والقوات نحو الرقة، ومحاصرة الجيش السوري لحلب، وبهذا فان هزيمة داعش في العراق ستتبعها سقوطها في سوريا، حتى في ليبيا فان التنظيم لم يستطيع الحصول على اي دعم من مواطني ليبيا سوى منطقة واحدة وهي سرت التي استطاعت القوات الليبية من استعادت معظمها ولم يبقى سوى جيوب قليلة.
8- وقوف دول العالم الكبرى مثل امريكا وروسيا، ودول اقليمية مثل ايران ضد التنظيم، اذ كونت امريكا تحالفا دوليا من عدد من دول العالم لمحاربة التنظيم، فقد كانت لأعمال التنظيم الارهابية ضد دول العالم الاخرى وخاصة الاوربية، كأحداث فرنسا وبلجيكا، كان لها وقع كبير على العالم، وشجعت اغلب دول العالم للمساهمة والوقوف مع العراق في محاربة التنظيم، اذ ان لطيران التحالف الدولي مع القوات العراقية بكل صنوفها، دور في هزيمة داعش وانكساره في غرب العراق والموصل، لهذا فان مأزق داعش الان كبير جدا وهو في مراحله الاخيرة.
9- الخلاف الداخلي، وحدوث العديد من الانشقاقات الداخلية خلال المرحلة المقبلة سيقود حتما الى انهيار (داعش)، اذ اكدت بعض الاخبار معلومات حول بدء حمى الانشطار والانشقاق داخل صفوف التنظيم الارهابي، وعلى الرغم من تغيير (داعش) لاستراتيجيته في التعاطي مع الأوضاع الراهنة بشكل كامل من خلال تنفيذ مُخططات استهداف العديد من الدول الغنية لتحقيق تقدم يلفت أنظار الجهاديين إليه، وتدفع بمواصلة دعم قطاع عريض منهم لـ(أبو بكر البغدادي) حرصا منه على الغنائم، الا ان هذه الاعمال لم تساعد التنظيم على الصمود بوجه تقدم القوات العراقية والسورية، بل ان اغلب المجموعات الجهادية مثل النصرة وغيرها رفضت دعم (داعش) او الوقوف بجانبه، بل وقفت ضد تطلعات التنظيم للتوسع، وبهذا فان نهاية الخلافة ستكون قريبة جدا.
10- سياسة الحكومة العراقية من الناحية السياسية والعسكرية والاعلامية، وتحركها وفق خطة وطنية بعيدة عن الطائفية، فقد انطلقت لتحرير اراضي العراق وطرد (داعش) منها من خلال تكاتف كل العراقيين في هذه المعركة وعد اختصارها على جهة معينة، خاصة وانها قد اعطت اهلي تلك المناطق الدور الكامل لمسك الاراضي المحررة من خلال اعادة قوات الشرطة الى مراكزها بسرعة، واعادة الخدمات الممكنة، وايصال المساعدات للمواطنين، والطلب منهم بالزام مساكنهم حتى لا يتعرضوا للأذى، كذلك اعتماد جهد اعلامي وطني يظهر حقيقة التعامل الانساني للقوات العراقية بكافة صنوفها مع الاهالي، وقطع الطريق على القنوات المغرضة التي شوهت الانتصارات في تكريت وغيرها، وسوف لن يكون اي استهداف لهم كما كان يروج له من قبل وسائل الاعلام الاخرى، هذا الجهد الوطني كان ايضا رسالة اطمئنان لأهالي تلك المناطق بان الدولة متمثلة بالحكومة المركزية والقوات المسلحة هم حماية وضمان لهم، هذا سوف يجعل من داعش العدو الاول لأهالي المناطق المحررة.
11- في تاريخ الصراع الدولي خلال القرن الماضي، لن تجد أي منظمة مسلحة أو مليشيا بأي بلد بالعالم لم تكن مخترقة على الأقل من قبل حكومات دولتين أو ثلاثة متصارعة فيما بينها، هذه الحركات والتنظيمات تعيش على بيع الولاء والخدمات لحكومات الدول لكي تستطيع الاستمرار، وهذه الحكومات تحاول قدر الإمكان الإمساك بأكبر قدر ممكن من أوراق اللعب هذه لتحمي نفسها وسلطتها وبالتالي المال الذي يحملها، وبهذا فان داعش لن تخرج من هذه اللعبة، اذ ان دول عالمية واقليمية تتحكم بها الان لإدارة صراع نيابة عنها، وبهذا فان توافق هذه الدول يعني نهاية داعش، وهو ما يحصل الان.
ان تحرير مدينة الموصل من قبل الجيش العراقي والقوات الساندة له سيعني فعليا انتهاء مزاعم تنظيم داعش حول تشكيل “دولة خلافة”، لأنه بتحرير الموصل وقبلها الانبار وصلاح الدين لم يبقى للتنظيم من تجمعات سكنية كبرى سوى الرقة، وسيكون التنظيم قد فقد فعلا مزاعمه لإنشاء خلافة، وهي المزاعم التي يستخدمها التنظيم في آلته الدعائية لدفع المتطوعين حول العالم إلى الانضمام إليه.
على الرغم من خسارة التنظيم لأغلب المناطق التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق وليبيا، الا انه في النهاية لابد من قراءة ما حصل في المنطقة قراءة صحيحة، واخذ العبر والدروس منها، ومعرفة الاسباب التي ادت الى هذه الكارثة التي حلت بالعراق وسوريا خاصة، اذ ان قيام داعش مثلا باقتلاع الاقليات من جذورها في الموصل وتهجيرهم وقتل وسبي الالاف منهم، كذلك قيامه بتدمير اقدم واكبر حضارة على وجه الارض وهي حضارة العراق (الاشورية) هي كارثة بحق كل العالم وليس العراق وحده، فالعالم مطالب اليوم بالوقوف بحزم مع دول المنطقة ضد التنظيمات الارهابية تحت أي مسمى، ومواجهتها بسرعة وبكل حزم وعدم التأخير، لان ترك هذه المجموعات الارهابية يجر الويلات على شعوب هذه الدول، وحضارتها، كما ان على دول المنطقة هي الاخرى ان تحصن نفسها بكل قوة ممكنة، وان تقف بحزم ضد هذه الجماعات وتكون على قدر المسؤولية في حماية مواطنيها وتراثها الحضاري.