رحيم الخالدي
كان أجدادنا وآباءنا ولعهد ليس بالبعيد، لهم أصحاب في كل مكان يذهبون إليه، ، لديهم أصدقاء وبينهم ثقة عمياء، مع أصحاب الحرف والمهن، وكل حسب عمله، وعندما يعطيه وعداً يفي به، حتى لو كلفه ذلك حياته، خشيةً من قطع “سبيل المعروف”، ولأن من تربيتهم التي تربوا عليها في الحفاظ على العهود والمواثيق، تجدهم عندما يذهب إلى السوق ولا يملك مالاً يأتي بالشيء الذي يريده، من دون دفع المال في نفس الوقت، ويوعد صاحبه الذي إشترى منه لأجل مسمى، ويفي به في وقته، ويكون المستدين صاحب الفضل، لأنه أوفى بوعده، وهي بالأصل أمانة عنده بميثاق الخالق .
لا يمكن وضع المال بيد سارق مهما كلف الأمر، ويبدوا أن الوضع أنتج أشخاص محترفين في الهيمنة علي المال العام، والسكوت الدائم عن المطالبة به وعدم محاسبته، جعل الفاسدين يتمادون أكثر، وهنالك من جعل الدائرة ملك العائلة، وهذا طبعا معروف لدى القاصي والداني، في كثير من المفاصل، وقلع كل من يعاكس سير السرقات، ومنهم من تم قتله؟ لأنه إكتشف عن طريق الصدفة، أو من خلال مراجعة حسابات تلك السرقات المستمرة، وإلا من أين أتت هذه الأموال، التي تغص بها البنوك في دول الجوار أو الأوربية، والأملاك التي إشتروها بأموال العراقيين المنهوبة، وتحتاج إلى من يستردها .
عندما أعلن الدكتور المرحوم أحمد الجلبي، كيفية إسترجاع تلك الأموال وبالطرق القانونية، قامت الدنيا ولم تقعد، وكان أقصر طريق في إنهاء هذا الملف الشائك، الذي سيفضح هؤلاء العتاة، الإغتيال بطريقة الموساد، ودس السم له، والانتهاء من هذه العقبة التي تقف حائلاً بينهم وبين الأموال التي تمت سرقتها بوضح النهار، وما يثير الإستغراب في هذا المفصل، أنه تم تشكيل لجنة للوقوف على حيثيات الحادث، وتقديم من قام به للقانون، لكن المنتج هو التمييع والسكوت! وحاله حال بقية الملفات التي تمت تصفيتها وعدم ذكرها، لان فيها سلسلة تبدأ ولا تنتهي، وحالها حال لجنة سبايكر وسقوط الموصل والأسلحة الروسية وغيرها من الملفات العالقة .
إستجواب وزير الدفاع، ولمرتين دون الآخرين، يبعث إلى كثير من التساؤل! لماذا وزارة الدفاع بالذات؟ وفي هذا الوقت الذي كان من المفترض المساعدة، سيما ونحن نحارب الإرهاب العالمي، ومقبلين على معركة كبيرة لتحرير محافظة نينوى من براثن داعش ومثيلاتها، ويمكن إستقدامهُ في لاحق الأيام ومحاسبته إذا ثبتت إدانته، وأين مجلس النواب من الذين تمت إدانتهم سابقاً، من قبل لجنة النزاهة، والتحقيقات أثبتت تورطهم بالسرقة والفساد، ووزارة الكهرباء على رأس القائمة، التجارة التي أثبتت التحقيقات إدانة وزيرها، الذي يسكن بريطانيا ويحمل جنسيتها، وهل إسْتُرِدَتْ الأموال التي تمت سرقتها ؟.
لو رجعنا للوراء قليلا، وبتفكير جدّي في الأمر، لوجدنا كل الذي يجري يتحمله شخص رئيس الوزراء، لأنه أعلى سلطة في الحكومة، ومن المتعارف عليه في السياقات، أن كل ما يجري في الكواليس، يجب أن يكون رئيس الحكومة على علم، وخاصة مسائل الإبتزاز والفساد والصفقات، التي ذكرها وزير الدفاع في جلسة الإستجواب، فهل قام السيد وزير الدفاع بإعلام رئيسه في وقته؟ وإذا كان قد أعلمه، فهنا تُسْكَبْ العبرات، ويقودنا إلى خيارين لا ثالث لهما، أما أن الحكومة راضية بما يجري ولا داعي لكل الذي جرى، أو انه مشترك معهم وهذا ما لا يمكن أن يكون ضمن الحسابات المتوقعة، وإلا لماذا تم إصدار قرار بمنع المتهمين من السفر !.
نتمنى في قادم الأيام لجان أخرى، في إستجواب لباقي الوزارات، لنكون بالصورة الواضحة والجلية، عن مصير الأموال والعقود الحقيقية منها والوهمية، وليكون القضاء كما عهدناه في المحاسبة والصرامة، وأهم شيء هو إسترداد الأموال، وليس الإكتفاء بالمحاسبة والعقوبة أو الإدانة والتقصير، لان الأموال ملك للشعب، وليس لعشيرة فلان، أو عائلة فلان، أو الحزب الفلاني، وهي ذمة يجب البراءة منها أمام الخالق والمخلوق، وإلا أين تفرون من الخالق وعذاب يوم لا ينفع مال ولا بنون .