ولماذا لا ينافس كل الناس على المناصب بدلا من تركها للصايعين الضايعين ؟ فليكن، وكبقية الناس، فالذين كانوا يتسكعون في المنافي، ويتهموننا بأننا من أتباع صدام لمجرد أننا لم نهرب الى الخارج حصلوا جميعا على مناصب مهمة بدرجات خاصة ووزارات وبعضوية مجلس النواب ولأكثر من دورة، ومنهم من كان لايجد قوت يومه ويعمل في مهن وضيعة في دول جوار وفي بلدان بعيدة ، ومنهم من كان يحصل على إعانات من بلديات عواصم شمال أوربا.

     فقد حدثني صديق يشتغل في المقاولات، إنه كان يعمل في بيت أحد المسؤولين في المنطقة الخضراء، وكان يعمل على تجهيز حمام المنزل والبانيو ولم يعجب المسؤول ماكان يقوم به خاصة تصميم الحمام، فقال، في لندن كان البانيو لدي مختلفا تماما، ورد صديقي، بأنه لايمتلك الخبرات البريطانية والأوربية لأن العراق عاش لفترة طويلة في ظل الحصار وحكم صدام الذي منع عن الشعب تعلم الكثير من مفردات المعرفة والإبداع من الخارج، فقال ، أنتم بقيتم مع صدام، بينما خرجنا نحن لمواجهته، وكأنه يعيره ويتهمه بالولاء لهذا النظام.

     يتردد كثير من المواطنين العراقيين في منافسة هولاء على المناصب الحكومية وتركوها حكرا لمن جاء من الخارج وهو منقطع عن الوطن لثلاثين عاما وأكثر، ولايعرف الحياة العراقية وماطرأ عليها من تغيير ونوع العذابات التي تحملها الناس طيلة هذه المدة وماجرى من حروب وحصارات دمرت كل شئ وتركت الإنسان العراقي حطاما، بينما هولاء الذين كانوا في الخارج وتطبعوا بطباع مختلفة وعاشوا في كنف بلدان مستقرة، وكانوا بالتالي منفصلين عن الواقع العراقي وعندما جاءوا الى هذا البلد المنكوب تحصنوا في المنطقة الخضراء التي كانت لصدام حسين وقد عمرها لهم ولم يعيشوا مع الشعب وتركوه للسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة فصار هدفا لكل مجرمي الأرض، بينما بقوا في تلك المنطقة يتقاسمون النفوذ والمناصب والقصور والأموال واللذائذ ونسوا الله فأنساهم أنفسهم، وصاروا أباطرة بعد أن كانوا متسكعين في البلدان، وأرادوا لهذا الشعب أن يرضى بما تركوه من فتات متجاهلين أنه شعب كريم ولديه عزة نفس لايوجد مثيل لها في كل الأرض، وإذا ماطفح الكيل فاضت العزيمة ونسفت كل شئ وتركته هباءا فلم يعد من صبر على هذه النماذج السيئة الجائعة..

    على العراقيين أن يرفضوا الخنوع، وأن يبادروا الى التغيير الحقيقي بالوسائل المشروعة والسلمية، وإذا لم يفعلوا فإنهم سيكونون مستحقين لما هم فيه من عذاب.