لاتعمل أية منظومة جهادية تؤمن بالعنف في مكان ما مالم يكن من تقبل

ولوكان محدودا لوجودها في ذلك المكان. ومنذ مايقرب من العشر سنوات تعمل

التنظيمات المسلحة (سنية وشيعية) في بيائتها الحاضنة، المتقبلة في أحيان،

والمتذمرة في الغالب، ولكنها في النهاية لن تقطع كل السبل مع تلك

التنظيمات، وتظل في حال من الشد والجذب معها، وربما ناكفتها في بعض

الأوقات وقاتلتها كما يفعل أهل المدن السنية في العراق الذين ذاقوا

العذابات من تنظيمات متشددة، وسال بيهنم دم كثير حتى عاد في الأثناء

ليكون مسالا ربما بدرجة أقل لكنه يفرض شروط فهم مختلفة لدى المناوئين.

فليس من حق الشيعة أن يتصوروا السنة كلهم داعش ،أو كلهم جبهة النصرة

والقاعدة، وسواها من جماعات التطرف الديني .كذلك ليس من العدل أن ينظر

السنة الى الشيعة على أنهم جزء من المنظومات الدينية التي تستخدم العنف

في بعض الأحيان، وإنهم يقبلون بكل مايجري، لكن فهم السنة لتلك التنظيمات

المتشددة عندهم يختلف منه عند الشيعة، فالمحارب الداعشي عندما يسير في

شوارع حلب أو الرقة وحتى الموصل والأنبار لايشكل إزعاجا كاملا لأهل تلك

المدن، بينما هو على العكس في وجوده لو فكر به في مدينة شيعية فهو عدو

بالمطلق وهذا مايثير المخاوف من إندماج الجماعات المتطرفة في المناطق

الحاضنة فيما لو بقي الصدام مع السلطات الرسمية وبقيت حالة الإحتقان وعدم

الثقة .

ماجرى في الفلوجة خلال الأسابيع الماضية ودخول بعض المتشددين المدربين

وسيطرتهم على مرافق الدولة أدى الى حالة قلق عميق في الأوساط السنية

الأكثر إعتدالا ولدى الشيعة، وحتى الطوائف والقوميات في أنحاء العراق،

لكنه كان محفزا لإنضمام العديد من الشباب الى التنظيم والتباهي به

وإيواء عناصره ، وغالب من يقاتل في داعش في الحقيقة ليسوا غرباء بالفعل

مع وجود عرب وأجانب كثر لكن  كان هناك من لم يمانع في وجودهم ، بمعنى أدق فإن

الصراع أعمق وهو ليس بين الداعشيين والحكومة فحسب، بل هو يتطور أكثر

ليكون جزءا من صراع طائفي عميق تنسحب له مجموعات بشرية مؤمنة بالمذهب

المخالف، وبالخلاف الفقهي والعقيدي وبالتالي يكون الحطب وفيرا لنار الشرق

الأوسط.

أين ذهب الآلاف من المواطنين الذين كانوا يشتمون الحكومة في ساحات

الإعتصام والملثمين وحاملي السلاح والذين هتفوا، إحنا تنظيم إسمنا

القاعدة؟ وأين ذهب الألاف من المواطنين الذين يملكون كلهم السلاح الجاهز

للإستخدام في أي لحظة؟ هناك مشكلة عميقة في بنية النظام السياسي في

العراق، والسنة يعترضون على هذه البنية منذ 2003 ولم يتراجعوا، ولديهم

الرغبة في القتال، بينما الشيعة لم يحسموا أمرهم لجهة التنازل، أو إستخدام

القوة المتناهية ولايبدو من سلوك المالكي إنه قرر الذهاب بإتجاه ما

فالأمور ثابتة ومتجمدة الى درجة قصوى، ولم ينفع أي حراك لأن الواقع على

الأرض مزعج للغاية، فالخدمات معطلة والظروف السياسية معقدة والبرلمان

عاجز عن أداء دوره والحكومة مكبلة بملايين الشروط من الخصوم، وليس من

الحكمة التركيز على فكرة داعش فهناك عشرات آلاف المقاتلين الذين يحملون

فكر داعش ولاينتمون له بالضرورة، ولديهم القدرة والرغبة في المواجهة

طالما إنهم يشعرون إن النظام السياسي ليس نظامهم، وإن الأمور تدار في

العراق بطريقة لاتتلائم وماإعتادوه من مئات من السنين، هم غير راغبين في

تغيير المسار ومصرون على بقاء الحال على ماهو حتى لو تغير بنظر غيرهم،

وحتى لو تغير واقعا فإنهم سيبقون عليه في خيالهم ولديهم الإستعداد

ليقاتلوا في الخيال على أن يقبلوا بواقع مر بالنسبة لهم.