بعد ان كثر الحديث عن المدعين للمهدوية ومدعي السفارة صدر بيان عن مكتب المرجعية الدينية لتقرر مبدأ الظهور المقدس وتضع ميزانا للتعامل مع روايات العلامات، وانا أقول حسنا فعلت المرجعية، وانه من واجبها التصدي لكل من تسول له نفسه استغلال هذه العقيدة الشريفة لتحقيق اغراضه الشخصية، وقد التقيت شخصا قبل اعوام في احد المساجد فأسرّ لي بان الامام المهدي قد ظهر فعلا ولم يبق سوى الإعلان،
ثم رأيته بعد أسبوع فقال لي على استحياء لقد كانت إشاعة صدقتها من غير دراية ورواية، كما ان لنا صديقا اخر كان مؤمنا ملتزما الا انه صار يدعي السفارة والاتصال المباشر بالإمام المهدي وهكذا، واذكر بانه قد صدر قبل أعوام توجيه السيد السيستاني بتشكيل لجنة لجمع احاديث المهدي وتهذيبها وتشذيبها وتصحيحها وطرح الضعيف وتبني الاحاديث الصحيحة فقط ولكن بيانا اخر صدر بعد أيام يكذب هذا الخبر، واما هذه المرة فقد جاء رد المرجعية ممثلة بسماحة المرجع الأعلى اية الله العظمى السيد علي السيستاني دام ظله في جواب على سؤال من مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي حول كثرة ادعاءات السفارة وادعاءات المهدوية فجاء في الجواب :ان من اهم واجبات المؤمنين في عصر غيبة الامام هو ان يتعاملوا بتثبت وحذر شديد فيما يتعلق به وبظهوره وسبل الارتباط به وان ذلك من اصعب مواطن الابتلاء ومواضع الفتن في طول عصر الغيبة واستغرب سرعة تصديق الناس لهم والانسياق وراءهم مع ما امروا به من الوقوف عند الشبهات والتجنب عن الاسترسال في أمور الدين فان سرعة الاسترسال عثرة لا تُقال-انتهى.
وأقول ان سرعة الاستغراب هنا في غير محله لان الجرعة التي تُعطى للموالين حول المهدي كثيرة وكبيرة لاسيما الامر بتعجيل الفرج يوميا، مع علم الناس جميعا كما يقول السيد السيستاني (فمن استعجل في ذلك فلا يضلن الا نفسه فان الله سبحانه لا يعجل بعجلة عباده) ووجود رواية عن الامام الصادق بهذا المعنى وهي (هلك المستعجلون ونجا المسلّمون وكذب الوقاتون) فالإمام المهدي ليس في ضيق كي ندعو له بالفرج والاحرى ان نقول عجل الله فرجنا لأننا في ضيق وعسر، أقول ان الجرعة المهدوية المعطاة زائدة حتى صار دعاء ( اللهم كن لوليك)يقرأ في القنوت بدلا عن الادعية القرآنية الراقية التي درج المؤمنون على قراءتها وصاروا يرددون ذلك بصوت عال في القنوت وغيره وكأنهم يؤدون نشيدا وطنيا وليسوا في صلاة يتطلب منهم الروحانية التي تستدعي ان لا يجاهروا ولا يخافتوا ويتخذون بين ذلك امرا وسطا ،
ثم انه لا يليق ان نلح عليه بإصرار للظهور ونصيح العجل العجل الساعة الساعة يعني ان اترك كل شيء وتعال ونحن نعلم بانه هو الاخر ينتظر مثلما ننتظر امر الله تعالى.
أقول الجرعة كبيرة عندما يقال لهم بان افضل الاعمال انتظار الفرج، فكيف يكون الانتظار افضل الاعمال وهناك النطق بالشهادتين اعني التوحيد الذي يدخل قائله الجنة ويخلصه من النار، ثم اين الصلاة وهو عمود الدين وهو اول ما يسئل عنه العبد فان قبلت قبل ما سواها وان ردت رد ما سواها، وأين الصوم الذي هو العبادة التي قال عنها الله عزوجل: انه لي وانا اجزي به، وأين الجهاد وأين الزكاة وغيرها.
ثم كيف يحرم من الانتظار وهو أفضل الاعمال أناس عاشوا قبل ولادة الامام الثاني عشر وغيبته فهذا عمل يختص بمن ولد بعد الغيبة وهذا المعنى لا يستقيم، ثم ماذا جنى الذين انتظروا من ألف عام من الثواب والفائدة الدنيوية؟ أقول بان الجرعة كثيرة لا سيما من خلال التلقين المستمر في كل ركوع وسجود بإضافة (وعجل فرجهم) على الصلوات المحمدية فسئلنا ماذا يعني فرجهم وأي ضيقة هم فيها؟ قيل ان هذا يعني فرجنا نحن بفرجهم فقلت والله هذه لغة جديدة فلماذا لا يقال (عجل فرجنا) كما أسلفنا ليستقيم المعنى بلا حاجة الى التوجيه فنرى ان هذا الشغف المتصنع بالإطالة والاطناب جعل العلماء يكتبون الكتب المطولة في شرح كلمات عديدة.
وقد أخبرني أحد المراجع بانه تلقى بشارة في عالم الرؤيا بانه سيكون أحد 313 من أصحاب الامام المهدي فقلت له من يقول بان الظهور سيكون في حياتك وانت في أواخر ايامك وان عمرك الافتراضي لا يسمح بذلك فقال: بل سأبعث من جديد وقت الظهور ليتحقق الرؤيا
أليس في علماء الشيعة ومراجعهم 313 نفرا يصلحون ليكونوا عداد الجيش المطلوب للعدد المطلوب للظهور.
ومنهم من يعتقد بان الاعمال تعرض على الامام مرة في الأسبوع ولا ادري هل المقصود بالأعمال اعمال الشيعة دون غيرهم ام اعمال السنة أيضا ام اعمال البشر جميعا وماذا يفعل بها؟ فهل يغير فيها كأن يزيد في الحسنات وينقص من السيئات فقيل: لا، اذن ما لفائدة من عرض الاعمال عليه؟ وهل يتم العرض فردا فردا ام على شكل مجموعات؟ فهذا يستهلك وقتا طويلا جدا في الحالتين، وكم ظهر من أناس ادعوا الرؤية مع وجود رواية (من ادعى الرؤية فكذبوه) وذكر لي مرة دكتور حائز على درجة الاستاذية بان الامام المهدي متزوج ويتواجد في مثلث برمودا ولا ادري هل ان زوجته لها خصوصية العيش لألف سنة أيضا ام انه يتزوج بأخرى كلما تموت واحدة أي كل سبعين سنة بالمتوسط وهو معدل عمر الانسان وهل يتزوج انسية معروفة من العوائل كما اشاع احدهم مرة بان الامام اقترن بأخته، ثم هل ان ذرية الامام وأولاده يعيشون العمر الطبيعي للإنسان ام تمتد أعمارهم الى اكثر من الف سنة كما هو الحال مع والدهم؟
وبعضهم من شدة شوقه للأمام المهدي دعا الى ملئ الأرض ظلما وجورا وذنوبا وآثاما لكي يصدق خروج الامام ليملأ الأرض عدلا وقسطا كما في الرواية ، وقيل للمؤمنين بان الامام يتواجد في عرفات كل عام فصار العوام ينشغلون بالبحث عنه غافلين عن الاستغفار وقراءة القران وباقي اعمال عرفة، ويشيع البعض بان الذين يتشرفون بلقائه لن يعرفوه الا بعد ان يذهب ، وانا أرى بان حالة الحيرة والتخبط التي جلبتها الروايات هو نتيجة لتشتت مصادر الفتوى ومن مساوئه علما بان اكثر احاديث المهدي هي غيبيات لا نحتاجها.
اقول الجرعة زائدة بل ومضرة ولها مضاعفات كأن يقول أحد الخطباء من على المنبر بان السيدة الزهراء عندما عصروها بين الباب والجدار نادت: يا مهدي أدركني، والتشكيك بهذه الرواية يدفعنا للتشكيك بالكثير من امثالها.
يقول السيد السيستاني: وليعلم ان الروايات الواردة في تفاصيل علائم الظهور هي كغيرها من الروايات الواردة عنهم عليهم السلام لابد في البناء عليها من الرجوع الى اهل الخبرة والاختصاص لأجل تمحيصها وفرز غثها من سمينها ومحكمها من متشابهها والترجيح بين متعارضاتها). وهذا الكلام مهم لأنه صادر من مرجع كبير وهو العالم المتخصص حيث يقر بوجود أكاذيب وموضوعات والتعارض في الاحاديث فتنة يجب توقيها، وارجو ان لا يكون هذا الجواب صادر من غير المرجع لا سيما واننا تعودنا على الأجوبة المقتضبة والمختصرة من المراجع في حين ان هذا الجواب كان طويلا ومفصلا.
وفي الختام أقول بان عقيدة المهدي لا تختص بالشيعة لوحدهم وليس جميع من ادعوا المهدوية هم من الشيعة فحسب، بل ظهر مدعون في المغرب ومصر والسعودية أيضا ولم ننس بعد حادثة الحرم المكي الشريف وظهور محمد بن عبد الله القحطاني وعضيده جهيمان العتيبي، والفرق بين السنة والشيعة في هذا هو ان كلاهما ينتظران مهديا وكلاهما يقولان انه من ولد فاطمة الا ان السنة يقولون ان المهدي حسني النسب وغير مولود في حين تقول الشيعة بانه حسيني النسب ومولود ولكنه غائب عن الأنظار، وقد ادعى احد ولد الحسن وهو محمد بن عبدالله بن الحسن ذو النفس الزكية المهدوية كما في التاريخ وكان معاصرا للإمام الصادق عليه السلام، وبالرغم من كون هذه العقيدة مشتركة الا ان السنة لا يولونها أهمية تذكر عكس الشيعة الامامية الذين يولونها الأهمية الكبرى وهكذا ضاع الامر بين الافراط والتفريط .