المسرحية الأخيرة لوزارة الدبلوماسيين الدمج

علي الكاش

أعلنت وزارة الخارجية العراقية بتأريخ 20/4/2022 في بيان لها أنها سلّمت السفير التركيّ، ‏علي رضا كوناي، مُذكّرة احتجاج شديدة اللهجة، دعت فيها تركيا إلى الكفّ عن مثل هذه الأفعال ‏الاستفزازيّة، والخروقات المرفوضة، والانتهاكات المُستمِرّة للجيش التركي، ومنها العمليّة ‏العسكريّة الأخيرة واسعة النطاق والتي طالَت مناطقَ متينا، الزاب، أفاشين، وباسيان في شمال ‏العراق. وجددت الوزارة مطالبتها بـ” انسحابِ كامل القوّات التركيّة من الأراضي العراقيّة بنحوٍ ‏يعكسُ احتراماً مُلزِمَاً للسيادة الوطنيّة”، موضحة أن “العراق يمتلك الحق القانوني لاتخاذ ‏الإجراءات الضروريّة والمناسبة وفقاً لأحكام ميثاق الأُمم المُتحدة، وقواعد القانون الدولي إزاء ‏أعمال عدائيّة وأحادية الجانب كهذه، والتي تجري دون التنسيق مع الحكومة العراقيّة. وأن ‏حالات الاعتداء التي تقوم بها القوات التركيّة، لايستندُ إلى أُسسٍ قانونيّة دولية، مشيرة إلى أن ‏المادة/ 51 من ميثاق الأُمم المتحدة التي تبرر بها أنقرة أفعالها، لا تُجيزُ إنتهاك سيادة بلد ‏مستقل”.‏
بلا أدنى شك إدراء سيادي طيب يتوافق مع القانون الدولي والعلاقات الثنائية بين البلدين، ‏وإعتزازا بما يسمى بالإستقلال والسيادة العراقية المزعومة التي لا تعترف بها أية دولة ولا ‏الشعب العراقي نفسه، وإنما الحكومة العراقية ومجلس النواب فقط للضحك على ذقونهم القذرة، ‏والملوثة بدماء العراقيين، وأياديهم المدنسة بحنث اليمين، فقد أخلوا بعهدهم مع الله قبل ‏العراقيين.‏
أما المفاجأة فهي ما نقلته وكالة ( فرانس برس) عن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان خلال ‏اجتماعه مع نواب حزبه، بأن بغداد وقادة إقليم كردستان يدعمون الحملة العسكرية التي تشنها ‏تركيا برا وجوا، تحت عنوان (قفل المخلب)، وأضاف” أشكر الحكومة المركزية في العراق ‏والإدارة الإقليمية على دعمهما للمعركة التي نخوضها ضد الإرهاب، وأتمنى التوفيق لجنودنا ‏الأبطال المنخرطين في هذه العملية التي نخوضها بتعاون وثيق مع الحكومة العراقية المركزية ‏والإدارة الإقليمية في شمال العراق”. ‏
فعلى ماذا يشكر الرئيس التركي حكومتي المركز والأقليم؟
أما حكومة الأقليم فلن تنبس بكلمة حول الإدانة، فأتخذت الحكمة القائلة إذا كان الكلام من فضة ‏فالسكوت من ذهب، ورمت بحملها على حكومة المركز. بإسثناء إجابة وزير الاتصالات في ‏حكومة إقليم‎ ‎كردستان بشمال‎ ‎العراق ( آنو جوهر عبدوکا)على سؤال طرحة الأستاذ مصطفى كامل ‏رئيس تحرير وجهات نظر عن موقف الحكومة العراقية من تواجد حزب العمال الكردستاني على ‏أراضيها؟ فأجاب
‏ أن “سلطات‎ ‎بغداد تدفع رواتب شهرية لقوة من حزب العمال الكردستاني الإرهابي قوامها بحجم ‏لواء مسلح وتدعمهم وتسلّحهم باعتبارهم فصيلاً ضمن فصائل‎ ‎الحشد الشعبي أو الحشد العشائري”.‏
ولمعالجة الحرج الذي وقعت فيه وزارة الخارجية جراء إنكشاف اللعبة الهزيلة، حاول المتحدث ‏المسكين بإسمها، أحمد الصحاف ان يغطي الجيفة بقوله” إن الخارجية العراقية اعتبرت العمليات ‏العسكرية في الأراضي العراقية “انتهاكا سافرا لسيادة العراق وتهديدا لوحدة أراضيه لما تخلفه ‏العمليات من رعب وأذى للآمنين من المواطنين العراقيين‎.”‎‏ ولكن ما تجاهله ان روائح الجيفة ‏خرجت وشمها العراقيون، فلا نفع من تغطيتها.‏
جاء رد وزارة الخارجية التركية في بيان أعلنت فيه أنها استدعت القائم بالأعمال العراقي لإبلاغه ‏استياءها إزاء “مزاعم لا أساس لها” أطلقت في العراق إثر تصريحات الرئيس إردوغان. وجاء في ‏بيان الخارجية التركية “طالما لم تتّخذ السلطات العراقية خطوات ملموسة وفاعلة (ضد المتمردين) ‏وطالما يستمر التهديد الذي يشكّلونه انطلاقا من العراق، ستّتخذ بلادنا التدابير اللازمة بناء على ‏حقّها في الدفاع عن نفسها‎”.‎
إذن كانت مذكرة وزارة الخارجية العراقية مجرد مسرحية هزيلة، أز نثر الرماد في العيون لا أكثر، ‏سرعان ما كشفها الرئيس التركي بقصد أو صورة عفوية بإضعف إيمان. فقد جرى توقيع اتفاقية ‏أمنية بتأريخ 26/9/2007 بين الجانبين العراقي والتركي ممثلين بوزيرداخلية تركيا (بشير أتلاي) ‏ونظيره العراقي (جواد بولاني) لملاحقة حزب العمال الكردستاني، ونصت الإتفاقية على السماح ‏للجانب التركي بملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني في شمال العراق بموافقة الحكومة ‏العراقية، وفتح مكتبي إرتباط بين بغداد وانقرة لتبادل المعلومات الأمنية بين البلدين. وقبل توقيع ‏الاتفاقية زار رئيس الوزراء السابق نوري المالكي تركيا وإلتقى الرئيس اردوغان واتفقا على ‏مكافحة حزب العمال الكردستاني. ويبدو ان وزارة الخارجية لا تمتلك أرشيف عن الإتفاقيات بين ‏الطرفين العراقي والتركي.‏
ما أكثر المغالطات التي تنهجها الحكومة العراقية ووزارة الخارجية التي تفتقر الى أبجديات العمل ‏الدبلومسي، فجميع الدبلوملسيين الحاليين ـ بعد تقاعد وانهاء خدمات الدبلوماسيين القدماء ـ هم من ‏‏(الدبلوماسيين الدمج) فأي خير يرتجى منهم؟ ‏
كانت درجة المستشار تتطلب ما لا يقل عن (15) سنة في العمل الدبلوماسي، بعد تخرجه من معهد ‏الخدمة الخارجية (الدراسة سنتان)، يتدرج بعدها من درجة ملحق الى سكرتير أول أو مستشار ‏وبإمتحانات ترقية في غاية الصعوبة وبدرجة نجاح لا تقل عن 80% باللغة الأنكليزية او الفرنسية، ‏وبقية المواد 70%، واذا فشل الدبلوماسي يُحول الى السلك الإداري. واليوم بشخطة قلم ولمدة سنة ‏يصبح (الدبلوماسي الدمج) مستشارا فما فوق. بل ان من يعيين في الوزارة من حملة شهادة ‏الدكتوراة في تخصصات الوزارة (لغات أجنبية، اقتصاد، قانون، سياسة فقط) يُعيين بدرجة سكرتر ‏أول، بمعنى ان السكرتير الأول يعامل معاملة الدكتوراة.‏
السؤال: هل يوجد دبلومسي واحد فقط في وزارة الخارجية بعد الإحتلال من له مكانة بارزة وسمعة ‏دولية كما كان عليه الأمر خلال الحكم السابق؟ على سبيل المثال من وزن السادة رياض القيسي ‏ووسام الزهاوي ، ونزار حمدون، وأكرم الوتري وعبد الجبار هداوي وعصمت كتاني وطه شكر ‏ووداد عجام ووهبي القره غلي والعشرات غيرهم.‏
ومن يزعم ان السفراء كانوا من أهل السنة فهذا دجل ما بعده دجل، فقصي مهدي، ومحمد العاملي، ‏وبسام كبة، وعبد الحسين الرفيعي، وحميد الموسوي وحسان الصفار ومحمد صادق المشاط، وعبد ‏الكريم السوداني ورحيم عبد الكتل وغيرهم، علاوة على الوزراء المفوضين مثل أسعد ‏السعودي،عقيلة الهاشمي، سها الطريحي، عباس كنفذ وغيرهم كانوا من الشيعة، وبعضهم لهم ‏أقارب في المعارضة العراقية حينها في الخارج، والبعض الآخر كان مستقلا، لا علاقة له بحزب ‏البعث.‏
هل عرفتم سبب تردي سياسة العراق الخارجية؟
وهل عرفتم لماذا لا تحترم الدول الدبلوماسيين العراقيين بعد عام 2003؟ ‏
السبب لا يحتاج الى المزيد من الشرح والتفصيل. لأن قوة الدبلومسية مصدرها قوة الدولة، والكل ‏أدرى بضعف ما يثسمى بالدولة العراقية، والحقيقة هي ليست دولة مواطنة، بل دولة مكونات كما ‏جاء في الدستور المسخ. ‏

علي الكاش