عبدالجبارنوري- السويد
عند مشاهدتي عرض الفيلم العراقي { بحيرة الوجع } على صالة المسرح الوطني في بغداد خريف 2015 ، وبصراحة شديدة أثارت لدي مشاعر متعددة الأتجاهات أبرزها الفخر والأعتزاز بهذه الخطوة الفنية الرائعة للمخرج العراقي الأقتحامي والمبدع ” جلال كامل” الذي زج بكل أمكانياته المتاحة لأرجاع ما فقدناه في كل شيء وخاصة السينما بوابة العالم الثقافية ، والشيء الثاني قد أثار لدي شجون وآلام وأحباط عن تهميش هذا الفن ووضع علامة كروس على بواباته ، وأثار فينا مواجعنا نحن جيل الستينات والسبعينات للقرن الماضي لتلك الفترة الذهبية بل الماسية في تطور فن السينما وأزدياد المطرد لمرتاديه وأزدحام شباك التذاكر وأرتفاع سقف الطلب عليه مما شجع القطاع الخاص ألى بناء صالات دور سينما راقية فيها التكنيك المعماري الحديث من تبريد وشاشات عملاقة وكراسي وثيرة وكامرات حديثة وطاقم أداري وعمالي لخدمة المرتادين مثل سينما النصر وسميراميس وأطلس والخيام وروكسي وريكس ، وقد لحقنا بالسينما العالمية لولا الروح الجاهلية لأصحاب القرار السياسي بعد السقوط وأحسن نزار قباني حين قال : لبسنا ثوب الحضارة والروح جاهلية.
وكان من ضمن مشاريع المخرج والممثل المبدع جلال كامل وذلك بتصوير فيلمه الروائي الطويل ( بحيرة الوجع ) ضمن فعاليات { بغداد عاصمة الثقافة العربية لعام 2013 ليحكي هموم العراقيين المختلفة بعد الأحتلال الأمريكي للبلد عام 2003 وما رافقهُ من عنف أجتماعي وسياسي وحرب طائفية وقتل وتهجير ، وهو فيلم يحاكي الدراما العراقية ، وأن الفيلم يتحدث عن الأحداث التي حدثت ما بين عامي 2006-و2007 والتي طفحت بمساويء الأحتلال الأمريكي .
تناول الفيلم :
-التهجير والقتل التي قامت به المجاميع الأرهابية والميليشيات لمصالح شخصية بحتة ، أستعملت الدماء العراقية من أجل تحقيقها .
– وهو يناقش الأحداث والوقائع والمشاكل الأجتماعية بعين وطنية محايدة .
– وهو يجسم صراع أرهاصات القيم الظلامية التي دخلت ألى المجتمع العراقي ومعها فايروس الفتاوى الظلالة الوهابية .
– وهي رسالة ضد الجهل في موروثات العادات والأعراف القبلية الرجعية البالية والتي أمتزجت مؤخرا مع التطرف الديني وخطوطها الحمر في المحرمات – وما أكثرها – مثل ( الفن والمرأة والرياضة والدين ) وأحلال التعايش والمحبة والحوار ، ويمكن أن أقول { أن الفيلم قد أكد على المعادلة السوسيولوجية المجتمعية بأن { العنف يفقد البلد قدرته على التطور وبالتالي أيقاف عجلة الحياة }
– وأن موضوع الفيلم أجتماعي أساسهُ الموسيقى ، وأنهُ فيلم ناجح حيث كان فيه الأداء جميلا ومعبرا ومتميزا ، وأن عنوان الفيلم ( بحيرة الوجع ) وهو تحوير ونحت جديد لعنوان موسيقى المعزوفة العالمية الشهيرة ( بحيرة البجع ) من روائع الموسيقي الرومانتيكي الروسي ” تشايكوفيسكي ” التي ألفها في عام 1887م ،والتي تضاف ألى تراثه الموسيقي العالمي في { الجمال النائم وكسارة البندق والأميرة النائمة} تتضمن بحيرة البجع أربعة فصول أستعراضية موسيقية راقصة في باليه درامي وعُرض كفيلم في موسكو عام 1887 ، تعتبر من روائع الأعمال الكلاسيكية سواءاً في عالم الموسيقى أو رقص الباليه ، وهي تمثل الأنوثة في أنقى حالاتها ، وفي 1968 رقصت الممثلة الأمريكية الشهيرة ( باربارا سترايسفد على هذه المقطوعة في فيلمها ( فتاة مضحكة ) ، وتبعتها السينما الأيطالية في أنتاج فيلمها الكلاسيكى الأستعراضي (الأنوثة ) بالأعتماد على راقصة الباليه المشهورة الأيطالية الموهوبة ( بيرينا لينفناني )ومشاركة الراقصة العالمية ( بافل غيردت ) .
ويبدو أن جلال كامل أختيارهُ للعنوان جاء لتأكيد أهمية الموسيقى في ترجمة معاناة آلام وعذابات المخرج الذي هو نسخة من ذلك الشعب المعذب والمهدورة كرامتهُ والمسروقة أمواله والمبتلاة بحكومات السوء المتعاقبة عليه منذ تأسيس الدولة العراقية .
ألا أن المخرج المبدع ” جلال كامل ” في بحيرة الوجع وقف موقفاً حازماً من :
التقاليد العشائرية المتخلفة وعالج المواقف السلبية من المرأة التي همشتها الموروثات القبلية وفتاوى الظلالة للأرهاب الداعشي ، ومرافقة أحداث الفيلم بالعزف الموسيقي وتوليفه مع سرديات الفيلم لهو تحدي للأرهاب بأستخدامه الفن كوسيلة للتحدي والمقاومة وهو كون التنظيم الأرهابي يحرّم الفن والموسيقى والرياضة .
والجانب الأكثر متعة تلك اللقطة الرائعة من المخرج المبدع ” جلال كامل ” في استخدام ( القربة ) الموسيقية وهي بيد الأطفال وتوليفها الشجي مع ” انشودة الحياة ” والأمل والسلام من شعر كاظم حجاج ولحن جلال كامل :
في البدأ كان الرافدان
وكانت الدنيا دخان
لا بارق خلف المدى
والأفق ضاق
حتى بدى مثل الندى
وجه ا لعراق
يالها من كلمات ملائكية وبألحان سماوية مليئة ببرائة الطفولة وهم حاملين أيقونة الحياة والسلام والتآخي بين مكونات الشعب العراقي وكأن المشهد الأخير رسالة فحواها {{ الجيل الجديد سوف يقضي على الأرهاب لأنه تسلح بالعلم والمعرفة ومبدأ الحوار وقبول الآخر وطبع هوية المواطنة الحقة لخلق الأنسان الأيجابي }} .
المجد للمخرج والممثل المبدع والمتألق ” جلال كامل ” ونحن بأنتظار أبداعات قادمة في أحياء عالم السينما العراقية الرائدة .
في – 12-6-2016
الفيلم العراقي” بحيرة الوجع ” —— رسالة في التعايش
Related Posts
مقال
غياب الثوابت الوطنية يفاقم النزاعات . العراق انموذجا ادهم ابراهيم الثوابت الوطنية هي مجموعة من القيم والمبادئ الاساسية التي تربط أفراد المجتمع وتجمعهم تحت راية واحدة تتمثل فيها الهوية الوطنية،…
بغديدا السريانية تستقبل ميلاد طفل المِذود بالثوب الأسود .. ولد المسيح ..هاليلويا .. ܝܠܕܐ ܒܪܝܟܐ
بغديدا السريانية تستقبل ميلاد طفل المِذود بالثوب الأسود .. ولد المسيح ..هاليلويا .. ܝܠܕܐ ܒܪܝܟܐ بِقلم : وسام موميكا_المانيا ܀ “لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ،…